< قائمة الدروس

آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

37/04/12

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: الاجماع

الى هنا قد تبين ان التواتر إذا حصل فالملازمة بينه وبين صدق القضية المتواترة أما عقلية او غير عقلية، فإن العلم الحاصل بصدق القضية المتواترة ـــ على المعروف والمشهور بين الفلاسفة ـــ مستند الى حكم العقل باستحالة تواطؤهم على الكذب صدفة واتفاقا، فالعلم بصدق القضية المتواترة مبني إما على حساب الاحتمالات وتراكمها او مبني على استحالة الصدفة لأنها مستحيلة دائما.

هذا كله فيما إذا كانت القضية حسية كما في الأخبار المتواترة وسيأتي توضيح ذلك بأكثر من هذا.

وأما إذا كانت القضية حدسية كما إذا نقل الاجماع في المسألة وناقل الاجماع إذا كان ثقة فالإجماع ثابت من جهة حجية أخبار الثقة لأن نقله مبني على الحس فإنه إما رأى الاجماع في المسألة واما انه سمع به فيكون نقله مستندا الى الحس فإذا كان ثقة فالإجماع ثابت، ولكن الاجماع عبارة عن فتاوى الفقهاء الحدسية فهل يمكن تطبيق قانون حساب الاحتمالات وتراكمها على نقل الاجماع كما في نقل الأخبار المتواترة او لا يمكن ؟

ذهب بعض المحققين(قده)[1] الى إمكان ذلك وأن الاجماع حجة بحساب الاحتمالات.

بتقريب: ان الفقيه إذا أفتى بوجوب السورة في الصلاة ولم يكن هناك مدرك له في ذلك كرواية معتبرة سندا ودلالة وجهة، فبطيعة الحال هذه الفتوى لا يمكن ان تكون جزافا لأنه ينافي عدالته ووثاقته لأن الفقيه لا بد ان يكون عادلا وثقة في مقام الفتوى ولا تكون فتواه جزافا وبلا مدرك، فلا محالة يكون لهذه الفتوى مدرك عنده، فإما انه يرى حجية مطلق الظن من جهة حصول الظن بوجوب السورة فأفتى بوجوبها، أو من جهة انه يرى حجية مطلق الرواية ولو الضعيفة، وهذه الفتوى تحتمل مطابقتها للواقع كما لو فرضنا ان احتمال مطابقتها للواقع بدرجة 50% وأفتى فقيه آخر بوجوب السورة في الصلاة، وبضم هذه الفتوى الى الفتوى السابقة تكبر القيمة الاحتمالية للصدق وتضعف بنفس الدرجة القيمة الاحتمالية للكذب، فإذا فرضنا أن احتمال الصدق ومطابقة الواقع أصبح 60% واحتمال الكذب نزل الى 40%، فإذا أفتى فقيه ثالث بوجوب السورة فبطبيعة الحال بضم هذه الفتوى الى الفتويين الأوليين تكبر القيمة الاحتمالية للصدق ومطابقة الواقع وتضعف بنفس الدرجة القيمة الاحتمالية للكذب، فاحتمال الصدق ومطابقة الواقع أصبح 70% واحتمال الكذب ينزل الى 30% وهكذا لو أفتى فقيه رابع وخامس وسادس وهكذا حتى يتحقق الاجماع بوجوب السورة وبتحققه ينتهي احتمال الكذب ويتولد اليقين بالصدق والمطابقة.

ولكن الالتزام بذلك مشكل جدا فإن مدارك الفقيه في الفتوى محصورة وليست غير محصورة لأن مدرك الفتوى إما الآية المباركة او الروايات المعتبرة سندا ودلالة وجهة، ومع عدم وجود آية او رواية معتبرة كذلك فلا محالة يكون مدرك فتوى الفقيه إما الظن وأنه يرى حجية مطلق الظن او يرى ان الرواية ضعيفة أيضا حجة فيفتي بذلك، او يفتي بمناسبة الحكم والموضوع مع حصول الاطمئنان له بذلك، ومع فتوى الفقيه الثاني على طبق فتوى الأول فلا يخلو اما ان يكون مدركه نفس مدرك الفقيه الأول وانه يرى حجية مطلق الظن او حجية مطلق الخبر ولو الضعيف او بمناسبة الحكم والموضوع او من جهة حسن الظن بالفقيه الأول فإذا كانت فتوى الثاني مطابقة لفتوى الأول من جهة حسن الظن فضمها الى فتوى الأول لا يؤثر شيء.

نعم إذا كان فتواه مستندة الى حجية الظن مطلقا او حجية الرواية الضعيفة فضمها الى فتوى الفقيه الاول يؤثر في تكبير القيمة الاحتمالية للصدق وتضعيف القيمة الاحتمالية للكذب.

فمن اجل ذلك لا يمكن تطبيق حساب الاحتمالات في المقام لمحصورية مدارك الفتوى في هذه الأمور السابقة مع عدم وجود آية او رواية معتبرة سندا ودلالة وجهة في المسألة. وهذه الأمور عند اجتماعها لا تفيد القطع بالواقع ولا تفيد اليقين بمطابقة الاجماع للواقع ولا اليقين بالصدق.

هذا مضافا الى ان الاجماع عند القدماء لو كان مفيدا لليقين بالصدق ومطابقته للواقع على حساب الاحتمالات فمعناه انه لا يمكن مخالفته مع ان المتأخرين في كثير من المسائل ومنها مسألة تنجس ماء البئر بالملاقاة فإن القدماء اجمعوا على انفعاله بالملاقاة ولكن المتأخرين خالفوا القدماء وأفتوا بعدم انفعال ماء البئر بالملاقاة وانه معتصم كالكُر.

فلو كان اجماع القدماء كاشفا عن صدق القضية وعن مطابقته للواقع فكيف يمكن للمتأخرين مخالفة الاجماع؟ فهذا شاهد على ان اجماع المتقدمين لا يكون كاشفا عن قول المعصوم(ع) لا بالملازمة العقلية ولا بالملازمة العادية ولا بحساب الاحتمالات.

هذا مضافا الى ان حساب الاحتمالات إنما يتم فيما إذا كان كل من التواتر والاجماع معلوما بالوجدان، واما مع كون التواتر معلوما بالتعبد وكذلك الاجماع فلا يمكن تطبيق حساب الاحتمالات، والمفروض في المقام ان الاجماع منقول بخبر الواحد والتواتر منقول بخبر الواحد، فيكون التواتر ثابت بالتعبد لا بالعلم الوجداني والاجماع ثابت بالتعبد لا بالعلم الوجداني. وحساب الاحتمالات فيما إذا كان كل احتمال معلوما بالوجدان حتى يكون بضم بعض الاحتمالات الى بعض يؤثر في تكبير القيمة الاحتمالية للصدق وتضعيف القيمة الاحتمالية للكذب بنفس الدرجة.

فالنتيجة أنه لا يمكن إثبات ان الاجماع مطابق للواقع وكاشف عنه بحساب الاحتمالات.

واما النقطة الثالثة: وهي هل الملازمة بين التواتر وبين ثبوت القضية المتواترة عقلية او لا؟

والجواب: أن في المسألة قولين:

القول الأول: وهو قول الفلاسفة وهو ان الملازمة بينهما عقلية ومبنية على المنطق الأرسطي، لأن الفلاسفة جعلوا التواتر من القضايا الست الاولية والبديهية، فإذا اخبر جماعة عن قضية ووصل عددهم الى حد التواتر حصل اليقين بصدق القضية المتواترة على أساس حكم العقل باستحالة تواطؤهم على الكذب اتفاقا وصدفة لأن الصدفة لا تدوم أبدا، فالعقل يحكم مسبقا باستحالة تواطؤ المخبرين على الكذب، فالملازمة بين التواتر وبين العلم بصدق القضية المتواترة عقلية والحاكم بها العقل في المرتبة السابقة.

والخلاصة ان الملازمة بين التواتر وبين صدق القضية المتواترة عقلية ومبنية على مبدأ عقلي في المرتبة السابقة وهو استحالة دوام الصدفة وهو من القضايا الأولية عند مشهور الفلاسفة كمبدأ التناقض ومبدأ العلية وما شاكلهما.

القول الثاني: ان العلم بصدق القضية المتواترة مستند الى نفس التواتر لا الى حكم العقل في المرتبة السابقة، فإذا اخبر جماعة بقضية وبلغ عددهم حد التواتر حصل العلم بصدق القضية المتواترة من تراكم الأخبار بحساب الاحتمالات، وليس هذا العلم مستندا الى حكم العقل في المرتبة السابقة، بل هو مستند الى نفس التواتر وتراكم الأخبار، لأن قضية التواتر كالقضية التجريبية في الأمور الحسية، فكما ان حصول العلم واليقين في التجربة الحسية مستند الى نفس التجربة لا الى حكم العقل في المرتبة السابقة، فالحديد يتمدد بالحرارة بالتجربة ولكن في المرة الأولى يكون احتمال الصدفة موجود وفي المرة الثانية من التجربة يضعف احتمال الصدفة وهكذا الى ان يكون لديه عدة تجارب فيحصل له اليقين بان الحديد يتمدد بالحرارة وان الصدفة مستحيلة او من جهة تراكم هذه التجربة بحساب الاحتمالات فإنه يفيد اليقين بصدق هذه التجربة ومطابقتها للواقع، او ان تكرر التجربة يكشف عن ان في الحديد خصوصية ذاتية وهذه الخصوصية الذاتية تقتضي تمدده بالحرارة وهذه الخصوصية الذاتية مقومة للحديد كتقوم النوع بالجنس والفصل، وتكرر التجربة يكشف عن هذه الخصوصية الذاتية.


[1] بحوث في علم الاصول، تقرير بحث السيد الشهيد الصدر للسيد محمود الشاهرودي، ج4، ص319.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo