< قائمة الدروس

آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

37/04/13

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: الاجماع

ينبغي لنا التنبيه على مسائل الثلاث والتمييز بينها:

المسألة الأولى: مسألة الاجماع المنقول.

المسألة الثانية: التواتر.

المسألة الثالثة: الاستقراء، وما يعبر عنه بالعلوم التجريبية.

أما المسألة الأولى وهي الاجماع المنقول، فإذا كان الناقل ثقة فالإجماع ثابت لأن الناقل يرى الاجماع او يسمع به فيكون نقله عن حس ومع وثاقته يكون مشمولا لدليل حجية أخبار الثقة، وأما الاجماع المبحوث عنه في المقام والذي هو مطابق للواقع وكاشف عن رأي المعصوم فهو مشروط بشرطين:

الشرط الاول: أن يكون هذا الاجماع بين الفقهاء المتقدمين، وهم من يقارب عصرهم عصر أصحاب الأئمة عليهم السلام. واما اجماع الفقهاء المتأخرين فلا أثر له ما لم يكن ناشئا عن اجماع بين الفقهاء المتقدمين.

الشرط الثاني: ان لا يكون له مدرك من الآيات او الروايات، واما إذا كان له مدرك كذلك فالمرجع هو المدرك دون الاجماع.

فالإجماع المبحوث عنه في المسألة هل هو كاشف عن الواقع او ليس بكاشف هو الاجماع التعبدي الذي ليس له مدرك واضح من الآيات والروايات، فهذا الاجماع إذا تحقق بين الفقهاء المتقدمين لا يخلو ان يكون مدركه ـــ بعد العلم ان فتاويهم ليست جزافا وبلا مبرر وهو خلف فرض كونهم عدول وثقة ولا يمكن ان يفتون جزافا وبلا مدرك ـــ هو ان الفقيه يرى حجية مطلق الظن او انه يرى حجية مطلق الرواية ولو الضعيفة، أو أن مدرك فتواه مناسبة الحكم والموضوع الموجب لحصول الوثوق بثبوت الواقع.

فإذن منشأ الاجماع انما هو هذه الامور المحصورة.

فإذا أفتى فقيه بوجوب السورة في الصلاة ولم يكن لوجوبها مدرك ظاهر من الآيات والروايات فلا محالة يكون مدركه اما مطلق الظن او الرواية الضعيفة او مناسبة الحكم والموضوع ولو من جهة ان الفاتحة لا تنفك عن السورة او شيء آخر من الاستحسانات.

ومن الواضح انه لا يحصل اليقين بالواقع من هذه الامور لأن الفقيه الثاني اذا افتى اما من جهة حسن ظنه بالفقيه الاول او من جهة انه يرى حجية مطلق الظن او يرى حجية مطلق الرواية او مناسبة الحكم والموضوع، فمدرك المجمعين لا يتجاوز عن هذه الامور المحصورة، ومن الواضح ان هذه الامور لا تفيد العلم الوجداني بالواقع فلا يمكن ان يكون الاجماع طريقا الى اليقين بثبوت الواقع ومطابقته له وان كان بين الفقهاء المتقدمين.

هذا مضافا الى ان اجماع القدماء لو كان حجة بحساب الاحتمالات فليس بإمكان المتأخرين مخالفتهم لأن اجماعهم كاشف عن ثبوت الواقع قطعا ويقينا فكيف بإمكان المتأخرين مخالفتهم؟ مع ان مخالفة المتأخرين للمتقدمين كثير في الفقه.

هذا من ناحية.

ومن ناحية أخرى ان حساب الاحتمالات إنما ينطبق فيما إذا كان الاحتمال يقينيا أي ثابتا بالعلم الوجداني، وإما إذا كان ثابتا بالعلم التعبدي فلا ينطبق عليه حساب الاحتمالات، والمفروض ان الاجماع قد ثبت بالتعبد لأن كل فتوى من فتاوى الفقهاء ثابتة بالتعبد لا بالعلم الوجداني.

هذا كله في الكبرى.

وأما الصغرى فهي غير ثابتة فليس بإمكاننا إحراز الاجماع بين الفقهاء المتقدمين لأنهم مختلفين في دعوى الاجماع بل من فرد واحد فإن الشيخ عليه الرحمة يدعي الاجماع في كتاب ويدعي خلافه في كتاب آخر، مضافا الى انه بنى حجية الاجماع على قاعدة اللطف، وسوف يأتي انها غير تامة.

وبعضهم يدعي الاجماع في المسألة مع انه لا قائل به كالإجماع على جواز الوضوء بالماء المضاف مع انه لم يقل به أحد من الأصحاب وهذا ليس الا من جهة تطبيق القاعدة وهي البراءة مع فرض ان الشك إنما هو في شرطية إطلاق الماء، فتجري أصالة البراءة عن الشرطية، فيكون المقام موردا لقاعدة البراءة وقاعدة البراءة أمر مسلم عند الكل فمن هذه الجهة أدعى الاجماع.

فكيف يمكن تحصيل الاجماع بين المتقدمين؟

وعليه فالصغرى غير ثابتة.

إلى هنا قد تبين ان الاجماع لا يمكن ان يكون كاشفا عن قول المعصوم(ع) بالملازمة العقلية ولا بالملازمة العادية ولا بحساب الاحتمال.

فإن أمكننا أثبات وصول الاجماع من زمن الأئمة إلينا بطرق صحيحة او متواترة فهو وإلا فليس بإمكاننا إثبات حجية الاجماع ولا طريق لنا الى إثبات وصوله الينا من زمن الأئمة(ع).

واما المسألة الثانية وهي مسألة التواتر، فإذا وصل الأخبار عن حس الى حد التواتر كالأخبار عن موت زيد او الخبار عن مجيء بكر يحصل اليقين بالقضية المتواترة، لأن محور الأخبار واحد وكل مخبر يخبر عن حسه ولا يكون تابعا لمخبر آخر ولهذا لا يمكن تواطؤهم على الكذب اتفاقا وصدفة لأن الصدفة لا تدوم وإنما الكلام في أن حصول اليقين بالقضية المتواترة هل هو من جهة تراكم الأخبار بحساب الاحتمالات او من جهة حكم العقل في المرتبة السابقة وهو استحالة تواطؤهم على الكذب اتفاقا وصدفة؟

والمعروف والمشهور بين الفلاسفة أن حصول اليقين بصدق القضية المتواترة إنما هو بحكم العقل في المرتبة السابقة لأن العقل يحكم باستحالة تواطؤهم على الكذب اتفاقا وصدفة إذ الصدفة لا تدوم أبدا.

وهناك من ذهب الى انه مستند الى نفس التواتر والى نفس الأخبار المتراكمة بحساب الاحتمالات لا الى حكم عقلي في المرتبة السابقة.

والظاهر بحسب الارتكاز هو القول الثاني، فإن اخبار هؤلاء الجماعة البالغة حد التواتر لا تكشف عن جامع ذاتي مشترك بينها، لأن كل خبر غير مربوط بخبر آخر إذ كل مخبر أخبر عن حسه ولا يكون تابعا لمخبر آخر، فلا يكون هناك اشتراك بجامع ذاتي بين هذه الأخبار وسوف نشير الى اكثر من ذلك.

واما مسألة الاستقراء فإن قضية (كل إنسان يجوع) إنما جاءت عن طريق التجربة لكثير من الاشخاص وهو يكشف عن خصوصية ذاتية في الانسان وهذه الخصوصية مقومة لإنسانية الانسان وهي التي تقتضي الجوع ولهذا تكون النتيجة بعد الاستقراء الناقص كبرى كلية (كل إنسان يجوع) فتكون النتيجة من الخاص الى العام لأن الاستقراء في الأفراد المحدودة.

وكذا لو فرض قضية اخرى وهي (كل حديد يتمدد بالحرارة) فإنها جاءت من استقراء أفراد كثيرة من الحديد فوجد انها كلها تتمدد بالحرارة وتراكم هذه التجارب يكشف عن خصوصية ذاتية في الحديد مشتركة بين أفراده هي التي تقتضي التمدد عند الحرارة ولهذا تكون النتيجة كبرى كلية (كل حديد يتمدد بالحرارة) فإن الاستقراء يكون ناقصا وبين أفراد خاصة ولكن النتيجة هي الكبرى الكلية، على خلاف النتيجة في المنطق فإنها تحصل من تطبيق الكبرى على الصغرى او تطبيق العام على الخاص، واما في الاستقراء فعلى العكس.

وفي الاستقراء كلام وهو هل اليقين الحاصل بالكبرى نتيجة تراكم التجربة بحساب الاحتمالات او انها نتيجة حكم العقل بوجود خصوصية ذاتية مشتركة بين الافراد في المرتبة السابقة؟

والظاهر هو الثاني فإنه المطابق للارتكاز والوجدان لأنه بقيام التجربة على افراد متعددين وحصول نفس النتيجة يحصل له اليقين بوجود خصوصية ذاتية مشتركة بين الافراد هي التي تقتضي التمدد عند الحرارة.

هذا كله من ناحية.

ومن ناحية اخرى يمكن تصنيف اليقين الى ثلاثة أصناف أو أربعة.

الاول: اليقين الذاتي وهو الذي يحصل من العوامل الذاتية النفسية كما إذا كان كثير القطع او كثير الشك كما لو حصل له الشك من سبب لا ينبغي حصول الشك منه او يحصل اليقين كذلك، وهذا اليقين لا يكون حجة على غيره ولا يجوز للغير ترتيب آثار اليقين عليه.

الثاني: اليقين الموضوعي وهو الذي يحصل من سبب موضوعي ولا يختلف باختلاف الافراد والزمان والمكان.

الثالث: اليقين الفلسفي وهو اليقين المنطقي وهو الذي يتكفل استحالة خلافه كاليقين الحاصل من الشكل الاول مثل العالم متغير وكل متغير حادث فالعالم حادث، فاليقين الحاصل بالنتيجة يقين فلسفي منطقي، وخلافه مستحيل.

ومن هذا القبيل اليقين الرياضي كاليقين الحاصل من الجمع بين العددين او من ضرب أحد العددين في العدد الاخر، وهذا اليقين أيضا يتكفل استحالة خلافه.

وهذا لا كلام فيه وانما الكلام في أن اليقين الحاصل من التواتر هل هو يقين موضوعي او يقين فلسفي وكذلك اليقين الحاصل من الاستقراء؟

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo