< قائمة الدروس

الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

37/04/26

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الشهرة
الوجه الرابع: ان الشهرة كالإجماع فكما ان الاجماع حجة وكاشف عن قول المعصوم(ع) فالشهرة أيضا كذلك كاشفة عن قول المعصوم(ع) غاية الامر ان الاجماع كاشف عن قول المعصوم بالعلم الوجداني واما الشهرة الفتوائية فهي كاشفة عنه بالعلم التعبدي.
والجواب عن ذلك:
أولا: ذكرنا المناقشة في الاجماع صغرى وكبرى، فإن الاجماع الذي يمكن تحصيله هو الاجماع بين المتأخرين فقط لأنه يمكن ان يرجع الى كتبهم ويحصَّل الاجماع منهم وأما الاجماع بين المتقدمين فلا طريق لنا اليه فإن وصول الاجماع من المتقدمين الى المتأخرين مبني على أحد طريقين:
الاول: أن يكون لكل واحد من المتقدمين كتاب استدلالي يتضمن الاجماع وواصل الينا.
ولكن مثل هذا الكتاب غير واصل من جميع المتقدمين، وذلك لأنه إما ان لا يكون لكل واحد منهم كتاب استدلالي أو كان ولم يصل الينا.
فالنتيجة انه ليس لنا طريق الى إحراز الاجماع بين الفقهاء المتقدمين. نعم نقل المتأخرين الاجماع من بعضهم ونقل آراء الآخرين في المسألة ومن الواضح ان نقل الآراء لا يدل على الاجماع، إذ يمكن ان يكون رأيهم مبني على قاعدة أخرى دون الاجماع في المسألة، فنقل الرأي في المسألة لا يدل على ان صاحب الرأي موافق للمجمعين ولعل رأيه مبني على دليل آخر عنده وعلى قاعدة أخرى ولهذا لا طريق لنا الى إحراز الاجماع بين المتقدمين.
الثاني: وصول هذا الاجماع الينا يدا بيد وطبقة بعد الطبقة.
وهو غير موجود فلا طريق لنا متواتر ولا طريق أحاد معتبر، فليس بإمكاننا إحراز الاجماع بين الفقهاء المتقدمين.
وعلى تقدير إحراز الاجماع بينهم ولكن لا نحرز ان هذا الاجماع اجماع تعبدي فلعله مبني على قاعدة كإجماع الشيخ فإنه بمني على قاعدة اللطف، وكذا السيد المرتضى فإنه قد يدعي الاجماع مبنيا على قاعدة عامة بين الفقهاء المتقدمين، وهم مَن يكون عصرهم قريبا من عصر أصحاب الأئمة(ع)، وعلى تقدير إحراز هذا الاجماع بين الفقهاء المتقدمين فقد تقدم ان الكبرى غير تامة فإن الاجماع لا يكون كاشفا عن قول المعصوم(ع) او عن ثبوت الحكم في الشريعة المقدسة لا بالملازمة العقلية ولا بالملازمة العادية ولا بالملازمة الارتكازية ولا بتراكم الفتاوى بحساب الاحتمالات ولا بوصول هذا الاجماع من زمن الأئمة(ع) اليهم يدا بيد وطبقة بعد الطبقة.
فالكبرى ممنوعة.
فإذن لا يكون الاجماع على تقدير ثبوته بين المتقدمين وكونه تعبديا لا يكشف عن قول المعصوم(ع) فضلا عن الشهرة.
وثانيا: مع الاغماض عن ذلك وتسليم ان الاجماع الثابت بين الفقهاء المتقدمين اجماع تعبدي وكاشف عن وصوله من زمن الأئمة(ع) اليهم يدا بيد وطبقة بعد الطبقة إلا انه لا يمكن الالتزام بذلك في الشهرة الفتوائية إذ لا يحتمل ان يكون الحكم المشهور واصلا من زمن الأئمة(ع) الى معظم الفقهاء يدا بيد وطبقة بعد الطبقة لأن ذلك لوكان محتملا لأشاروا اليه في كتبهم ولا يكون خلاف حينئذ في المسألة لو كان الحكم المشهور واصلا الى معظم الأصحاب من زمن الأئمة يدا بيد وطبقة بعد الطبقة، فلا يمكن للفقيه ان يخالف هذا الحكم الواصل من زمن الأئمة(ع) فوجود الخلاف في المسألة كاشف عن انه لم يصل الى معظم الأصحاب من زمن الأئمة(ع) يدا بيد وطبقة بعد الطبقة.
فالنتيجة انه لا يمكن إثبات ان الشهرة الفتوائية تكون حجة.
هذا تمام كلامنا في الشهرة الفتوائية.
ويقع الكلام في مبحث التواتر.
والغرض من هذا البحث أمران:
الأمر الأول: الإشارة الى ان بحث التواتر ومفرداته ليس من المسائل الأصولية لأن المسائل الأصولية مسائل نظرية تتكون من إعمال النظر والدقة بينما التواتر مفرداته مسائل قطعية او ضرورية، لأن علم الأصول موضوع لتكوين القواعد العامة والنظريات المشتركة وفق شروطها العامة في الحدود المسموح بها شرعا كما ان الفقه موضوع لتطبيق هذه النظريات المشتركة والقواعد العامة على عناصرها الخاصة ونتيجة هذا التطبيق هي الحكم الفقهي، فكما ان المسائل الأصولية مسائل نظرية كذلك المسائل الفقهية مسائل نظرية، ومن هنا تكون نسبة الأصول الى الفقه نسبة العلم النظري الى العلم التطبيقي لأن الفقه علم تطبيقي ويكون البحث فيه عن تطبيق القواعد العامة والنظريات المشتركة على عناصرها الخاصة وهي المسائل الفقهية ونتيجة هذا التطبيق هي الأحكام الشرعية.
فتكون نسبة علم الأصول الى علم الفقه نسبة العلم النظري الى العلم التطبيقي كنسبة المنطق الى سائر العلوم.
الأمر الثاني: ان اليقين الحاصل من التواتر بصدق القضية المتواترة هل هذا اليقن يقين عقلي حاصل من المقدمة العقلية السابقة وتطبيقها على عناصرها الخاصة او ان هذا اليقن معلول للتجربة وتراكم الاحتمالات وتقيمها؟ فهنا قولان:
القول الاول: قول المناطقة وهو ان هذا العلم الوجداني الحاصل بصدق القضية المتواترة هو نتيجة الأخبار الهائلة والمتعددة عن قضية واحدة وقد بلغ عددها الى حد التواتر فإذا وصل عددها الى هذا الحد حصل اليقين بصدق القضية المتواترة من جهة حكم العقل بامتناع تواطؤهم واجتماعهم على الكذب وهذا التعريف للتواتر مبني على مقدمتين:
المقدمة الأولى: مقدمة محسوسة وهي الأخبار المتعددة الكثيرة البالغة حد التواتر.
المقدمة الثانية: مقدمة عقلية وهي حكم العقل باستحالة تواطؤهم واجتماعهم على الكذب.
وتطبيق هذه الكبرى على الصغرى نتيجتها اليقين بصدق القضية المتواترة.
ولكن هذه النتيجة تتوقف على:
مقدمة ثالثة: وهي ان الصدفة لا تدوم نهائيا.
فالنتيجة ان المناطقة يقولون ان التواتر من القضايا البديهية الستة الأولية. فإن الصغرى فيها محسوسة والكبرى عقلية في المرتبة السابقة والنتيجة هو اليقن بصدق القضية المتواترة وهي القضية الواحدة كما وكيفا ومكانا وزمانا، فاليقن بصدق هذه القضية منوط بتطبيق الكبرى العقلية التي هي من القضايا الستة الضرورية الأولية وهي حكم العقل بامتناع تواطؤهم على الكذب وهذا الحكم العقلي مبني على حكم عقلي آخر وهو استحالة الصدفة نهائيا.
هذا هو قول المناطقة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo