< قائمة الدروس

الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

37/04/29

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: التواتر
أما التواتر المعنوي فهو متمثل في إخبار عدد هائل عن قضية واحدة وموضوع واحد بعبارات مختلفة وصيغ متعددة إما بالمطابقة او بالالتزام او بالتضمن او بغير ذلك من الدلالات اللفظية فالجميع كانوا مخبرين عن قضية واحدة وموضوع واحد تارة بالمطابقة واخرى بالالتزام وثالثة بالتضمن وهكذا كالأخبار عن شجاعة علي بن أبي طلب(ع) فإنه اخبار بألسنة مختلفة في الروايات والتواريخ بكافة انواعها وأقسامها فإنهم قد يخبرون عن شجاعته عليه السلام تارة بالتضمن وأخرى بالالتزام واخرى بالمطابقة وكالأخبار عن جود حاتم فإنه أخبار متواتر ولكن عن موضوع واحد بعبارات متشتتة والفاظ مختلفة تارة بالمطابقة وأخرى بالالتزام وثالثة بالتضمن فهذا هو التواتر المعنوي أي ان هذا المعنى ثابت قطعا سواء كانت هذه الالفاظ او هذه الأخبار ثابتة او لم تكن ثابتة، ولكن هذا الموضوع الواحد والقضية الواحدة ثابتة يقينا أي حصل اليقين بثبوت هذه القضية الواحدة من هذه الالفاظ المختلفة والمتعددة.
ثم ان العوامل التي لها تأثير كبير ولها دور أساسي في حصول اليقين بالقضية المتواترة عدة عوامل:
العامل الاول: العامل الكمي الموضوعي.
العامل الثاني: العامل الكيفي الموضوعي.
العامل الثالث: العامل الذاتي.
فإن هذه العوامل لها دور كبير في حصول اليقين بالقضية المتواترة.
أما العامل الكمي فإنه إذا بلغ عدد الأخبار عن قضية واحدة وموضوع فارد الى حد التواتر حصل اليقين بالقضية المتواترة من جهة حكم العقل باستحالة تواطؤهم على الكذب اتفاقا وتصادفا لحكم العقل بأن الصدفة لا تدوم، فحكم العقل باستحالة تواطؤهم على الكذب وإن كان ممكنا ذاتا إلا انه مستحيل وقوعا، فيحصل اليقين بصدق القضية المتواترة، لأن احتمال تواطؤهم على الكذب مستحيل بحكم العقل لأن الصدفة لا تدوم.
ومن هنا يظهر ان اليقن الحاصل في القضية المتواترة بالتواتر المعنوي أسرع من اليقين الحاصل بالقضية المتواترة في التواتر الاجمالي، لأن اليقين الحاصل بصدق القضية المتواترة في التواتر المعنوي يوجد فيه مضعفين:
المضعف الاول: احتمال كذب كل خبر من اخبار المخبرين في نفسه.
المضعف الثاني: وهو اشتراكهم في المصالح والدوافع للكذب في القضية الواحدة وفي الموضوع الواحد فإنهم قد اجمعوا واتفقوا على الكذب في موضوع واحد وقضية واحدة فبطبيعة الحال هناك مصلحة مشتركة ودوافع مشتركة تدفعهم الى الكذب في هذه القضية فيكون هناك عامل إضافي يضعف القيمة الاحتمالية للكذب في التواتر المعنوي.
فمن اجل ذلك يكون حصول اليقن بصدق القضية المتوترة في التواتر المعنوي أسرع من حصول اليقين بصدق القضية المتواترة في التواتر الاجمالي.
واما العامل الكيفي فلا شبهة في ان له دورا بارزا في حصول اليقين بالقضية المتواترة والعامل الكيفي تارة يكون بصفات المخبر ككون المخبر ثقة او عادلا فإنه فرق بين اخبار مائة ثقة وبين اخبار مائة مجهول الحال او غير ثقة وفرق بين اخبار ألف ثقة وبين إخبار ألف مجهول الحال او غير الثقة فلا شبهة في ان اليقين بالقضية المتواترة اسرع في حال كان المخبر بها ثقة منه في حال كون المخبر مجهول الحال او كون المخبر غير ثقة او غير العدول.
وقد يكون العامل الكيفي في العواطف فإذا فرضنا ان المخبرين بهذه القضية من اهل العواطف فإن هذه الصفة تؤثر في الاسراع بحصول اليقين.
وقد يكون لها دخل في إبطاء حصول اليقين كما لو لم يكونوا المخبرين من اهل العواطف فإن هذه الصفة توجب بطئ حصول اليقين بصدق القضية المتواترة.
وكيف ما كان فخصوصية المخبر من حيث كونه ثقة او غيره وكونه عاطفيا او لم يكن عاطفيا لها دخل في الاسراع بحصول اليقين او بطئه.
واما العامل الذاتي كالوسوسة فإنها تارة توجب الاسراع في حصول اليقين وتارة اخرى توجب بطئ حصول اليقين من جهة انه شكاك او وسواس فهذا يختلف باختلاف الموارد ولكن يقين الوسواس لا حجية له ولا أثر مترتب على يقين الوسواس.
ثم ان اليقين الحاصل بالقضة المتواترة معنويا اسرع من حصول اليقن بالقضية المتواترة في التواتر الاجمالي، واما اليقين اللفظي فهو متمثل بأخبار جماعة عن قضية واحدة بلفظ واحد وبصيغة واحدة كالقرآن الكريم فإنه نزل من النبي الأكرم الى الناس ووصل بالتواتر بنفس اللفظ الصادر من النبي الأكرم(ص) بدون أي زيادة ونقيصة وأي تحريف فهذا هو التواتر اللفظي وكذلك مسألة الغدير فإن أصل هذه المسألة ثبتت بالتواتر اللفظي.
فإذن التواتر اللفظي متمثل في أخبار جماعة عن موضوع وقضية واحدة بلفظ واحد وصيغة واحدة واليقين الحاصل بصدق القضية المتواترة في هذا التواتر أسرع من اليقين الحاصل بصدق القضية المتواترة الحاصل من التواتر الاجمالي واليقن الحاصل بصدق القضية المتواترة من التواتر المعنوي، لأن في هذا اليقين هناك ثلاث عوامل مضعفة للقيمة الاحتمالية للكذب:
العامل الأول: احتمال الكذب في أخبار كل واحد من المخبرين في نفسه.
العامل الثاني: اشتراكهم في الدوافع للكذب في موضوع واحد وفي قضية واحدة بأن تكون المصلحة مشتركة بينهم في الداعي على الكذب.
العامل الثالث: ان يكون الكذب بلفظ واحد.
وهذا في نفسه غير محتمل، بأن يكون جميع المخبرين أخبروا عن القضية كذبا بلفظ واحد اتفاقا وصدفة فهذا في نفسه غير محتمل.
فمن اجل ذلك يكون حصول اليقين بصدق القضية المتواترة بالتواتر اللفظي أسرع من حصول اليقين بها في التواتر الاجمالي والتواتر المعنوي.
ثم انه ليس للتواتر ضابط عام في جميع الموارد لاختلافه باختلاف الموارد والمقامات، حيث ان للعامل الكيفي تأثيرا كبيرا وبارزا في حصول اليقين بصدق القضية المتواترة كما إذا كان المخبر ثقة او عدلا او إذا كانت القضية المتواترة قضية ارتكازية ومرتكزة في أذهان الناس فإن لها دورا كبيرا في الاسراع بحصول اليقين بها، فبطبيعة الحال يختلف باختلاف الخصوصيات المكتنفة بالقضية ككونها قضية مرتكزة او كون المخبرين بها ثقات او عدولا.
هذا تمام كلامنا في التواتر وأقسامه.
والكلام بعد ذلك يقع في حجية خبر الواحد.
لا شبهة في أن هذه المسألة من أهم المسائل الأصولية لأن عملية استنباط الحكم الشرعي في جميع أبواب الفقه منوط بهذه المسألة، وقد أشرنا فيما سبق أن المسائل الأصولية والمسائل الفقهية مسائل نظرية، واما المسائل الفقهية الضرورية القطعية فقليلة جدا ولا تتجاوز نسبتها الى جميع الأحكام الفقهية عن نسبة 6% بنسبة تقريبية، وفي المسائل الفقهية الضرورية والقطعية لا موضوع للاجتهاد والتقليد فإن نسبتها الى المجتهد والعامي على حد سواء فلا يرجع العامي الى المجتهد فيها لأنها ضرورية كوجوب الصلاة ولا موضوع للتقليد فيه، والمسائل القطعية أيضا كذلك لأن رجوع العامي الى المجتهد في المسائل الفقهية النظرية لأن إثبات الأحكام الشرعية في تلك المسائل يتوقف على عملية الاستنباط وهي تطبيق القواعد العامة والنظريات المشتركة الثابتة في الأصول على عناصرها الخاصة في الفقه ونتيجة ذلك هي الحكم الفقهي الشرعي.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo