< قائمة الدروس

آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

37/06/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أدلة حجية خبر الواحد – آية النبأ

كان كلامنا في وجوب التبيّن وهل هو وجوب نفسي او وجوب غيري او وجوب شرطي او انه وجوب إرشادي؟ فهنا عدة محتملات:

المحتمل الأول: أن وجوب التبين وجوب نفسي.

المحتمل الثاني: أنه وجوب غيري.

المحتمل الثالث: أنه وجوب شرطي.

المحتمل الرابع: أنه وجوب إرشادي.

أما المحتمل الأول وهو أن وجوب التبين وجوب نفسي فهو غير محتمل لأن الوجوب النفسي ناشئ من المصلحة الملزمة في متعلقه ومن الواضح انه ليس في التبين مصلحة ملزمة تقتضي وجوبها فإن وجوب التبين قد عُلّل في نفس الآية المباركة من جهة (أن لا تصيبوا قوما بجهالة) وليس وجوبا نفسيا. هذا مضافا إلى أن كون وجوب التبين وجوبا نفسيا لا ينسجم مع مادة التبين فإن مادة التبين ظاهرة في العلم والطريق الى الواقع ووجوب التبين انما هو للوصول الى الواقع لا في نفسه فاحتمال ان وجوب التبين وجوب نفسي غير محتمل.

وأما الاحتمال الثاني وهوم ان وجوب التبين وجوب غيري فقد اختاره المحقق العراقي[1] (قده) بتقريب ان وجوب التبين مقدمة لتحصيل الظن بخبر الفاسق بمطابقة خبر الفاسق.

ولكن هذا الاحتمال أيضا غير محتمل إذ يرد عليه:

أولا: أن التبين ظاهر في العلم والوضوح ولا أقل الاطمئنان وحمل التبين على الظن خلاف الظاهر وبحاجة الى عناية زائدة وقرينة تدل على ذلك والا فلا شبهة في ان التبين ظاهر في العلم وفي الوضوح والظهور ولا أقل من الاطمئنان وأما حمله على الظن وإرادة الظن منه فخلاف الظاهر وبحاجة الى عناية زائدة وقرينة على ذلك.

وثانيا: مع الإغماض عن ذلك فلا يكون الظن حجة حتى يكون وجوب التبين مقدمة لحصول الظن فإن الظن في نفسه لا يكون حجة حتى تجب مقدمته. هذا مضافا الى ان خبر الفاسق قد يصيب الظن بالواقع، فلو كان وجوب التبين لأجل تحصيل الظن فلا بد من تقيده بما إذا لم يحصل الظن بالواقع من خبر الفاسق فإذا حصل الظن بالواقع في المرتبة السابقة فلا معنى لوجوب التبين عندئذ ويكون وجوب التبين لغوا ومن تحصيل الحاصل، فلا بد من تقييده بما إذا لم يحصل الظن بالواقع من خبر الفاسق. وهذا التقييد بحاجة الى قرينة ولا قرينة على ذلك لأن الآية تدل على وجوب التبين مطلقا سواء أفاد خبر الفاسق الظن بالواقع او لم يفد.

وثالثا: ومع الإغماض عن ذلك أيضا فالعمل بخبر الفاسق غير واجب لا عقلا ولا شرعا إذ لا يحكم العقل بوجوب العمل بخبر الفاسق ولا دليل من الشرع على وجوب العمل بخبر الفاسق نعم إذا كان خبر الفاسق متكفلا للحكم الالزامي كالوجوب او الحرمة فيكون منشأً للشك في ثبوت هذا الحكم، فتكون الشبهة شبهة حكمية والشبهة الحكمية قبل الفحص يجب التبين فيها عن وجود الدليل على الحكم المشكوك ــ الذي هو مدلول خبر الفاسق ــ ولا يمكن الرجوع الى الأصل المؤمن فيها، وبعد الفحص إن وجد دليل على ذلك فهو يعمل بهذا الدليل لا بخبر الفاسق، وإن لم يجد دليلا فالمرجع هو أصالة البراءة لا العمل بخبر الفاسق فخبر الفاسق منشأٌ للشك وللشبهة الحكمية لأن الشبهة الحكمية منشؤها اما عدم النص والمراد من عدم النص إما عدم وجوده أصلا أو وجود النص الضعيف ولا يكون حجة كخبر الفاسق او تعارض النصين وتساقطهما.

وإذا كانت قبل الفحص وجوب التبين فيها فإن تبين ولم يجد دليلا على الحكم فالمرجع أصالة البراءة في المقام.

وأما إذا كان مدلول خبر الفاسق الحكم الالزامي في الشبهة الموضوعية فالمرجع من الأول هو أصالة البراءة دون العمل بخبر الفاسق لعدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية.

فإذاً خبر الفاسق يكون منشأً للشك فقط ولا أثر له غير ذلك غاية الأمر إن كان منشأً للشك في الشبهة الحكمية وجب الفحص فيها، وبعد الفحص إذا لم يجد دليلا فالمرجع هو أصالة البراءة.

فالنتيجة أن ما ذكره المحقق العراقي(قده) من أن وجوب التبين وجوبا غيريا لا يرجع الى معنى محصل.

وأما الاحتمال الثالث وهو ان وجوب التبين وجوب شرطي فقد اختاره شيخنا الانصاري[2] (قده) فهو شرط لحجية خبر الفاسق فحجية خبر الفاسق مشروطة بالتبين وبالفحص وأما حجية خبر العادل فغير مشروطة بالتبين وبالفحص.

فإذاً الآية المباركة تدل على وجوب الفحص عند مجيء الفاسق بخبر فإن وجوب العمل بخبر الفاسق مشروط بالتبين والفحص والآية تدل بمفهومها على انتفاء وجوب الفحص عند انتفاء خبر الفاسق، فإذا لم يجيء الفاسق بخبر لم يجب التبين فينتفي التبين بانتفاء المشروط لأن الشرط ينتفي بانتفاء المشروط فوجوب التبين ينتفي بانتفاء خبر الفاسق.

وأما إذا جاء العادل بخبر فهل يجب الفحص والتبين عنه او لا يجب التبين عنه أي هل يجب العمل بخبر العادل مطلقا سواء تبين او لم يتبين او لا يجوز العمل بخبر العادل سواء تبين او لم يتبين؟ إذ الآية بمنطوقها تدل على ان وجوب العمل بخبر الفاسق مشروط بوجوب التبين وتدل بمفهومها على انتفاء وجوب التبين بانتفاء خبر الفاسق واما إذا وجد خبر العادل فهل يجب العمل به مطلقا سواء تبين او لم يتبين او لا يجب العمل بخبر العادل مطلقا سواء تبين او لم يتبين؟

ولا يمكن الأخذ بالاحتمال الثاني وهو عدم جواز العمل بخبر العادل سواء تبين او لم يتبين إذ لا زم ذلك أن يكون خبر العادل أسوء من خبر الفاسق وهو لا يمكن فإن خبر الفاسق يجب العمل به عند التبين وأما خبر العادل فلا يجب العمل به حتى عند التبين فيكون خبر العادل أسوء من خبر الفاسق.

فإذاً الآية المباركة بمفهومها بضميمة هذه المقدمة تدل على حجية خبر العادل مطلقا سواء تبين او لم يتبين.

هكذا ذكره شيخنا الانصاري(قده).

والجواب عن ذلك واضح فإن وجوب التبين إنما هو لتحصيل العلم او الاطمئنان بالمسألة لا لوجوب العمل بخبر الفاسق وأن العمل بخبر الفاسق مشروط بالتبين، ليس الأمر كذلك وإنما وجوب التبين إنما هو لتحصيل العلم والاطمئنان بالمسألة ولا أثر لخبر الفاسق أي كان هناك خبر للفاسق أو لم يكن فإن حصل العلم بالمسألة يعمل بالعلم وإن لم يحصل العلم والاطمئنان لم يعمل بالمسألة من جهة خبر الفاسق فلا أثر لخبر الفاسق.

إلى هنا قد ظهر أن هذه أن هذه الاحتمالات الثلاثة غير تامة ولا يمكن الأخذ بشيء منها.

ومن هنا فالصحيح أن وجوب التبين وجوب إرشادي إرشاد إلى عدم حجية خبر الفاسق ولهذا يجب تحصيل العلم او الاطمئنان بالمسألة وعدم وجوب التبين إرشاد الى حجية خبر العادل.

فالنتيجة أن الآية المباركة تدل بمنطوقها على عدم حجية خبر الفاسق وبمفهومها على حجية خبر العادل.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo