< قائمة الدروس

آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

37/06/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أدلة حجية خبر الواحد – آية النبأ

ذكر بعض المحققين(قده)[1] على ما في تقرير بحثه ان القضية الشرطية تنقسم إلى أقسام:

القسم الأول: القضية الشرطية المسوقة لبيان تحقق الموضوع كقولنا: [إن رزقت ولدا فاختنه] و[إذا طلعت الشمس فالنهار موجود].

القسم الثاني: ان يكون الموضوع الجامع بين الشرط وبين غيره مثلا في الآية المباركة الموضوع هو طبيعي النبأ والشرط إنما هو حصة خاصة من النبأ وهي الحصة التي جاء بها الفاسق فهذه الحصة شرط والشرط غير الموضوع والاختلاف بينهما في الكلية والفردية.

القسم الثالث: أن يكون الشرط من حالات الموضوع كما في مثل [إن جاءك زيد فأكرمه] أو [إن جاءك عالم فأكرمه] فإن مجيء العالم من حالات العالم فهو من الحالات الطارئة على الموضوع.

وعلى هذا فلا شبهة في أن القسم الأول من القضية الشرطية خارجة عن محل الكلام وحالها حال القضية الحملية فلا تدل على المفهوم لأن الشرط والموضوع شيء واحد في الخارج وتعليق الجزاء على الموضوع تعليق واحد وليس هنا تعليقان للجزاء أحدهما على الموضوع والآخر على الشرط فلا يكون الحكم في هذه القضية إلا ثبوت واحد وهو ثبوته لموضوعه وارتباطه به لأن الشرط عين الموضوع في الخارج أو أنه جزء الموضوع او انه قيد مقوم للموضوع فعلى جميع التقادير ارتباط الحكم بالموضوع ارتباط واحد وليس هنا ارتباطان.

وأما القسم الثاني فالقضية الشرطية في هذا القسم تدل على المفهوم لأن الموضوع باق ولا ينتفي بانتفاء الشرط لأن الطبيعي لا ينتفي بانتفاء فرده والمفروض ان الموضوع طبيعي النبأ والشرط هو فرده الذي جاء به الفاسق، فالقضية الشرطية تدل بمفهومها على ثبوت وجوب التبين لطبيعي النبأ عند مجيء الفاسق بحصة منه وتدل بمفهومها على انتفاء وجوب التبين عن طبيعي النبأ عند عدم مجيء الفاسق بحصة منه.

فالقسم الثاني من القضية الشرطية لا شبهة في دلالته على المفهوم.

وأما القسم الثالث فهو واضح أنه داخل في محل الكلام لأن الشرط من حالات الموضوع وليس حصة من الموضوع او فردا منه كمجيء العادل او العالم او مجيء زيد فلا شبهة في ان هذا القسم من القضية الشرطية يدل على المفهوم داخل في محل الكلام.

وإنما الكلام في أن أي قسم من هذه الأقسام ينطبق على القضية الشرطية في الآية المباركة؟

ذكر(قده) على ما في تقرير بحثه أن القسم الثاني ينطبق على القضية الشرطية في الآية المباركة وأن الموضوع هو طبيعي النبأ والشرط حصة خاصة منه وهي الحصة التي جاء بها الفاسق وهنا حصة أخرى من الموضوع وهي الحصة التي جاء بها العادل.

فيكون معنى الآية المباركة إن جاءكم فاسق بنبأ وجب التبين عن طبيعي النبأ وإن جاءكم عادل بنبأ لم يجب التبين عن طبيعي النبأ.

وعلى هذا فالقضية الشرطية في الآية المباركة تدل على المفهوم.

وللمناقشة فيه مجال من وجوه:

الوجه الأول: انه لا شبهة في أن القضية الشرطية في الآية المباركة ظاهرة في أن الموضوع نبأ الفاسق، وعلى هذا فالقضية الشرطية في الآية المباركة داخلة في القسم الأول لأنها مسوقة لبيان تحقق الموضوع فإن الموضوع نبأ الفاسق وهو إنما يتحقق بمجيء الفاسق به فإذا جاء به الفاسق تحقق الموضوع وإن لم يجئ به الفاسق لم يتحقق الموضوع.

ودعوى ان ضمير التبين يرجع الى طبيعي النبأ فهو الموضوع في الآية الكريمة مدفوعة إذ لا شبهة في أن ضمير التبين يرجع الى نبأ الفاسق لا الى طبيعي النبأ. وقد تقدم ان إرادة طبيعي النبأ منوط بأحد امرين:

الأمر الأول: أن تكون كلمة النبأ معرفة بلام الجنس وحينئذ تدل اللام على ان المراد نه طبيعي النبأ أي جنس النبأ وحينئذ يكون الموضوع هو طبيعي النبأ لا النبأ الخاص وهو نبأ الفاسق.

ولكن الأمر ليس كذلك فإنّ كلمة النبأ ليست معرفة في الآية الكريمة بلام الجنس.

الأمر الثاني: ان تكون كلمة النبأ متقدمة على الشرط والمفروض في الآية الكريمة ليس كذلك فإن كلمة النبأ متأخرة عن الشرط لا متقدمة عليه فإن الوارد في الآية المباركة إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ولم يرد في الآية المباركة النبأ إن جاء الفاسق به وجوب التبين عنه. فإذاً لا تكون كلمة النبأ متقدمة على الشرط بل هي متأخرة عنه ولهذا تكون الآية الكريمة ظاهرة في أن القضية الشرطية فيها مسوقة لبيان تحقق الموضوع فلا تدل على المفهوم.

الوجه الثاني: مع الإغماض عن ذلك وتسليم ما ذكر فلا يمكن ان يكون الموضوع طبيعي النبأ لأن الموضوع لو كان كذلك كان المعنى وجوب التبين عن طبيعي النبأ عند مجيء الفاسق بفرد منه، واما إذا جاء العادل بفرد منه وبحصة منه لم يجب التبين عن طبيعي النبأ، ومن الواضح ان طبيعي النبأ ينطبق على نبأ الفاسق ونبأ العادل معا أي على كل نبأ متحقق في الخارج لأن انطباق الطبيعة على أفرادها قهري، فطبيعي النبأ كما ينطبق على نبأ الفاسق كذلك ينطبق على نبأ العادل فكيف يمكن وجوب التبين عن طبيعي النبأ المنطبق على نبأ العادل فلازم ذلك أن الفاسق إذا جاء بحصة من النبأ وبفرد منه وجوب التبين عن طبيعي النبأ وإن كان منطبقا على نبأ العادل وهذا مما لا يمكن الالتزام به وهو خلاف الضرورة والوجدان.

وكذلك الحال في طرف المفهوم فإن العادل إذا جاء بفرد من النبأ وبحصة خاصة منه لم يجب التبين عن طبيعي النبأ وإن كان منطبقا على نبأ الفاسق فمعناه انه لم يجب التبين عن نبأ الفاسق باعتبار انه فرد من النبأ ومصداق لطبيعي النبأ والمفروض نفي وجوب التبين عن طبيعي النبأ وهذا مما لا يمكن الالتزام به ومعناه انه لا فرق بين نبأ العادل ونبأ الفاسق.

فمن أجل لا يمكن ان يكون الموضوع في الآية المباركة طبيعي النبأ والشرط حصة خاصة منه وهي الحصة التي جاء بها الفاسق

الوجه الثالث: لو تنزلنا عن ذلك وفرضنا ان الموضوع هو طبيعي النبأ المتخصص بحصة خاصة وهي الحصة التي جاء بها الفاسق والحصة التي جاء بها العادل في طرف المفهوم فإن المراد من أن الموضوع طبيعي النبأ الطبيعي المتخصص بحصة خاصة وهي الحصة التي جاء بها الفاسق فإن الفاسق إذا جاء بنبأ يوجب تخصص الطبيعي بحصة خاصة وكذلك العادل إذا جاء بنبأ يوجب تخصص طبيعي النبأ بحصة خاصة.

ولكن على هذا يلزم إشكال أن الموضوع في المنطوق غير الموضوع في المفهوم لأن الموضوع في المنطوق طبيعي النبأ المتخصص بحصة خاصة وهي الحصة التي جاء بها الفاسق والموضوع في المفهوم طبيعي النبأ المتخصص بحصة خاصة وهي الحصة التي جاء بها العادل. فيكون موضوع المنطوق غير موضوع المفهوم ومثل ذلك خارج عن محل الكلام فإن محل الكلام في دلالة القضية الشرطية على المفهوم في ان يكون الموضوع في المنطوق والمفهوم واحدا غاية الأمر ان القضية الشرطية تدل بمنطوقها على ثبوت الجزاء للموضوع عند ثبوت الشرط وبمفهومها تدل على انتفاء الجزاء عن الموضوع عند انتفاء الشرط والموضوع على كلا التقديرين شيء واحد كما في [إن جاءك عالم فأكرمه] فالموضوع هو العالم وهذه القضية الشرطية تدل على وجوب إكرام العالم عند مجيئه وتدل بمفهومها على انتفاء وجوب إكرام العالم عند عدم مجيئه فيكون الموضوع هو العالم في المنطوق والمفهوم فهذه القضية الشرطية هي محل الكلام.

واما في المقام فالموضوع في المنطوق غير الموضوع في المفهوم وهو خارج عن محل الكلام.

هذا مضافا إلى انه على هذا تكون القضية الشرطية في الآية المباركة مسوقة لبيان تحقق الموضوع فإن الموضوع حصة خاصة من النبأ وهذه الحصة إنما توجد بمجيء الفاسق بها وإذا لم يجئ الفاسق فلا وجود لها فيكون الشرط محقق للموضوع، فلا مفهوم لها.

الوجه الرابع: ما ذكرناه من ان القضية الشرطية في الآية المباركة الموضوع ليس هو طبعي النبأ والموضوع أفراد النبأ لأن القضية الشرطية في الآية المباركة قضية حقيقية لا قضية طبيعية والموضوع في القضية الحقيقية قد أُخذ مفروض الوجود في الخارج فيكون الموضوع هو الأفراد سواء كانت موجودة ام كانت معدومة ولكنها توجد في المستقبل، فالموضوع هو الأفراد ولكن تحت عنوان عام، فموضوع الحجية الأفراد المندرجة تحت عنوان انتزاعي وهو خبر العادل وموضوع عدم الحجية الأفراد المندرجة تحت عنوان عام وهو خبر الفاسق.

وعلى هذا فلا محالة تكون القضية الشرطية في الآية المباركة مسوقة لبيان تحقق الموضوع فإذا جاء الفاسق بفرد من النبأ وجوب التبين عنه ومن الواضح ان مجيء الفاسق بالنبأ محقق للموضوع وهو الفرد.

فإذاً القضية الشرطية في الآية المباركة مسوقة لبيان تحقق الموضوع فلا تدل على المفهوم.

فالنتيجة ان ما ذكره بعض المحققين على ما في تقرير بحثه لا يمكن المساعدة عليه.

وأما القسم الثالث فعدم انطباقه على القضية الشرطية في الآية المباركة واضح لأنه تصرف في الآية المباركة لأن الموضوع في القسم الثالث نبأ المخبر إن جاء به الفاسق وجوب التبين عنه فيكون الفسق من حالات الموضوع وبانتفاء الفسق لا ينتفي الموضوع كالمجيء الذي هو من حالات الموضوع الذي هو العالم مثلا.

ولكن لا يمكن تطبيق الآية المباركة على ذلك فإن صيغة الآية المباركة لا تنسجم مع هذا القسم وهو مجرد افتراض لا واقع موضوعي له بالنسبة الى الآية المباركة نعم هو في نفسه صحيح إذا كانت القضية الشرطية كذلك بأن يكون الشرط من حالات الموضوع فتكون القضية دالة على المفهوم وداخلة في محل البحث.

ثم انه قد يستشكل على دلالة الآية المباركة على المفهوم بأن مفادها إرشاد الى عدم حجية خبر الفاسق ومرد الإرشاد الى الأخبار عن عدم حجية خبر الفاسق والقضية الشرطية إذا كانت اخبارية فلا تدل على المفهوم وإنما تدل على المفهوم إذا كانت إنشائية. وحيث ان مفاد الآية المباركة إرشاد واخبار عن عدم حجية خبر الفاسق ولا تتكفل حكما شرعيا مولويا فلا تدل على المفهوم.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo