< قائمة الدروس

آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

37/06/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أدلة حجية خبر الواحد – آية النبأ

الى هنا قد تبيّن أن الآية المباركة لا تدل على المفهوم والقضية الشرطية فيها مسوقة لبيان تحقق الموضوع لأن الموضوع في القضية الشرطية فيها هو نبأ الفاسق ونبأ الفاسق إنما يتحقق بمجيئه فيكون الشرط قيدا مقوما للموضوع ومحققا له ولا فرق من هذه الناحية بين أن يكون الشرط عين الموضوع في الخارج او جزئه او قيده المقوم له، فعلى جميع التقادير يكون الحكم معلق على الموضوع بتمام قيوده وبتمام أجزائه فليس هنا إلا تعليق واحد وهو تعليق الحكم على الموضوع وهو تعليق عقلي وانتفاؤه بانتفاء الموضوع قهري وليس من المفهوم بشيء.

فمن أجل ذلك القضية الشرطية في الآية المباركة لا تدل على المفهوم.

الوجه الثاني: في عدم دلالة الآية المباركة على المفهوم من جهة ان الآية المباركة إرشاد الى عدم حجية خبر الفاسق ومرد الإرشاد الى الأخبار فكأن المولى أخبر عن عدم حجية خبر الفاسق إذا جاء به، والقضية الشرطية إذا كانت خبر فلا تدل على المفهوم.

وعلى هذا فالقضية الشرطية في الآية المباركة بما أن مفادها إخبار ولا تكون متكفلة للحكم الشرعي المولوي فلا تدل على المفهوم.

ولكن هذا الوجه غير تام وذلك لما ذكرنا من أن دلالة القضية الشرطية على المفهوم منوط بأن تتوفر في القضية الشرطية الأركان الثلاثة.

الركن الأول: ان يكون الشرط قيدا للحكم لا للموضوع بمعنى أن الموضوع لا ينتفي بانتفاء الشرط فالشرط لا يكون قيدا مقوما للموضوع بل هو قيد للحكم وأجنبي عن الموضوع.

الركن الثاني: أن يكون تعليق الجزاء على الشرط وراء تعليقه على الموضوع وفي مرتبة متأخرة عنه وفي طوله.

الركن الثالث: أن يكون تعليق الجزاء على الشرط مولويا وبعناية من المولى واما تعليق الحكم على الموضوع فهو عقلي وذاتي حيث لا يتصور ثبوت الحكم بدون ثبوت الموضوع.

فإذا توفرت في القضية الشرطية هذه الأركان الثلاثة فهي تدل على المفهوم بلا فرق بين أن تكون القضية الشرطية إنشائية أم كانت اخبارية.

وعلى هذا فالموضوع في الآية المباركة إن كان طبيعي النبأ فعندئذ تتوفر الأركان الثلاثة فالموضوع طبيعي النبأ والشرط مجيء الفاسق به فالشرط ليس محققا للموضوع وليس قيدا مقوما له وبانتفاء الشرط لم ينتف الموضوع فعندئذ يكون معنى الآية المباركة إن جاء الفاسق بالنبأ وجب التبين عنه وإن جاء العادل به لم يجب التبين، فتدل الآية المباركة على المفهوم سواء كان مفادها الإنشاء او كان مفادها الأخبار.

ولكن تقدم أنه لا يمكن ان يكون الموضوع طبيعي النبأ هذا مضافا إلى أن القضية الشرطية في الآية المباركة قضية حقيقية وليست قضية طبيعية كي يكون الموضوع طبيعي النبأ والقضية الحقيقية الموضوع فيها قد أخذ مفروض الوجود في الخارج فإن الموضوع هو الأفراد الخارجية سواء كانت محققة في الخارج ام مقدرة وستوجد في المستقبل. فالموضوع هو الأفراد تحت عنوان عام انتزاعي كخبر الفاسق او خبر العادل وما شاكل ذلك.

فإذا كان الموضوع في الآية المباركة أفراد النبأ لا طبيعي النبأ، لأن وجوب التبين إذا كان إرشادا الى عدم حجية أخبار الفاسق كما ان عدم وجوب التبين إرشاد الى حجية خبر العادل فمن الواضح ان الحجية موضوعها الأفراد الخارجية وليس موضوعها طبيعي النبأ وكذلك موضوع عدم الحجية فمن اجل ذلك تكون القضية الشرطية في الآية المباركة قضية حقيقية، والموضوع فيها قد أخذ مفروض الوجود في الخارج.

فالنتيجة ان هذا الإشكال غير صحيح لو قلنا بتمامية دلالة الآية المباركة على المفهوم بأن كانت الأركان الثلاثة متوفرة فيها سواء كان مفادها الخبار أم كان مفادها الإنشاء.

ثم ان مفاد الآية المباركة وإن كان إرشادا إلا انه يتضمن المولوية أيضا فإنه إرشاد الى عدم الحجية وحكم الشرع بعدم الحجية او حكم الشرع بالحجية حكم مولوي، فالآية إرشاد الى حجية خبر العادل وإرشاد الى عدم حجية خبر الفاسق وهذا الإرشاد تضمن جعل الحكم المولوي نظير الأوامر والنواهي الواردة في العبادات والمعاملات كالأمر بالستر في الصلاة او بالقراءة فيها فهو امر إرشادي الى جزئية القراءة في الصلاة وشرطية الستر فيها وهكذا الأمر بالطهارة في الصلاة فهو إرشاد الى شرطية الطهارة في الصلاة، والشرطية حكم مولوي.

واما في الدلالة على المفهوم فلا فرق بين أن يتضمن الإخبار الحكم المولوي أو يكون إخبارا صرفا فالقضية الخبرية إذا توفرت فيها الأركان الثلاثة فهي تدل على المفهوم وإن كانت اخبارية محضة فلا فرق من هذه الجهة بين القضايا الشرطية الإنشائية والقضايا الشرطية الإخبارية في الدلالة على المفهوم فالدلالة على المفهوم منوطة بتوفر الأركان الثلاثة إخبارية كانت القضية أو إنشائية.

إلى هنا قد تبين أن الآية المباركة لا تدل على المفهوم من جهة مفهوم الشرط.

الجهة الثانية: الاستدلال بالآية المباركة على عدم حجية خبر الفاسق بمفهوم الوصف.

وقد استدل على ذلك بوجوه عمدتها وجهان:

الوجه الأول: ما ذكره[1] السيد الاستاذ(قده) وحاصله: ان الوصف يدل على المفهوم لا كمفهوم الشرط فإن مفهوم الشرط انتفاء سنخ الحكم بانتفاء الشرط وانتفاء طبيعي الحكم بانتفاء الشرط واما مفهوم الوصف فهو ليس كذلك فإن الوصف يوجب تخصيص الحكم بحصة خاصة ويدل على ان الحكم لم يثبت للطبيعي بنحو الإطلاق ويدل على ان الحكم المجعول في القضية مختص بحصة خاصة ومجعول لحصة خاصة فإذا قال المولى: [اكرم العالم العادل] فإن العادل يدل على ان وجوب الإكرام لم يجعل لطبيعي العالم وإن كان فاسقا وإلا لزم كون التقيد بالعدالة لغوا، فوصف العدالة يدل على ان الحكم المجعول حكم خاص وهو مجعول لحصة خاصة من العالم وهي الحصة المقيدة بالعدالة وانتفاء هذا الحكم بانتفاء العدالة وهذا هو معنى دلالة الوصف على المفهوم، فهو يدل على أن الحكم المجعول في القضية لم يجعل لطبيعي الموضوع بل لحصة خاصة منه وهي الحصة المقيدة بالوصف. وهذا نحو من المفهوم.

ثم ذكر(قده) بعد ذلك أن الوصف إنما يدل على المفهوم إذا كان دالا على أنه علة منحصرة للحكم فإذا دل الوصف بقرينة داخلية او خارجية على انه علة منحصرة للحكم فهو يدل على انتفاء سنخ الحكم بانتفاء الوصف لأنه يدل على انتفاء سنخ الحكم عن طبيعي الموضوع بانتفاء الوصف كما إذا فرضنا ان وصف العدالة يدل على انه علة منحصرة لوجوب الإكرام فبطبيعة الحال يدل على انتفاء طبيعي وجوب الإكرام عن طبيعي العالم مطلقا في أي حال من الحالات وهذا معنى أنه يدل على انتفاء سنخ هذا الحكم.

ولكن هذا البيان غير تام وذلك لأن الوصف إذا دل على انه علة منحصرة للحكم المجعول في القضية بواسطة قرينة حالية او مقالية فهو يدل على الحصر فيكون هذا من مفهوم الحصر وليس من مفهوم الوصف، ومحل الكلام إنما هو في مفهوم الوصف، أي الوصف بما هو وصف يدل على المفهوم او لا يدل؟ ونقصد بالوصف مطلق القيد وأما إذا دل الوصف على المفهوم بسبب القرائن الداخلية او الخارجية على الحصر فتكون دلالته على المفهوم بالحصر لا مفهوم الوصف.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo