< قائمة الدروس

آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

37/06/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أدلة حجية خبر الواحد – آية النبأ

إلى هنا قد استطعنا ان نخرج بهذه النتيجة وهي ان الآية المباركة لا تدل على حجية خبر العادل بمفهوم الشرط.

وأما بمفهوم الوصف فقد استدل بها على حجية خبر العادل بمفهوم الصف وذلك بوجوه:

الوجه الأول: ما ذكره السيد الأستاذ[1] (قده) من أن الوصف يدل على المفهوم ولكن مفهوم الوصف ليس كمفهوم الشرط فإن مفهوم الشرط انتفاء سنخ الحكم عن الموضوع بانتفاء الشرط. وأما الوصف فهو يدل على ان الحكم المجعول في القضية لم يجعل لطبيعي الموضوع بل هو مجعول لحصة خاصة من الموضوع وهي الحصة المقيدة بالوصف، فإذاً مفهوم الوصف وسط بين مفهوم الشرط وبين مفهوم اللقب مثل [أكرم زيدا] أو [اكرم عالما] فإنه لا يدل على الاختصاص بل يدل على ان وجوب الإكرام ثابت لزيد أو ثابت للعالم. واما إذا قال المولى: [أكرم عالما عادلا] أو [اكرم رجلا عالماً] فإن التقييد بالعالم يدل على ان وجوب الإكرام المجعول في هذه القضية لم يجعل للعالم مطلقا ولو كان فاسقا وإلا لزم كون تقييده بالعدالة لغوا بل يدل على ان الحكم المجعول في هذه القضية مجعول لحصة خاصة من العالم وهي الحصة المقيدة بالعدالة أو ان الحكم المجعول في القضية لم يجعل لطبيعي الرجل بل هو مجعول لحصة خاصة منه وهو الرجل العالم، فإذاً الوصف يدل على هذا التخصيص وهذا نحو من المفهوم غاية الأمر وسط بين مفهوم الشرط وبين مفهوم اللقب.

هكذا ذكره السيد الاستاذ(قده).

وللمناقشة فيه مجال

فإن المفهوم في اصطلاح الأصوليين عبارة عن انتفاء طبيعي الحكم بانتفاء الشرط او الوصف او الغاية او ما شاكل ذلك، فإن الوصف إنما يدل على المفهوم إذا كان قيدا للحكم لا قيدا للموضوع كما هو الحال في الشرط. فالشرط يدل على المفهوم إذا كان قيدا للحكم لا للموضوع وكذلك الوصف إذا كان قيدا للحكم لا للموضوع فهو يدل على المفهوم باعتبار انه على هذا يكون الحكم معلقا على الوصف وراء ارتباطه بالموضوع وفي مرتبة متأخرة عنه وفي طوله ولهذا يدل على انتفاء هذا الحكم عن الموضوع بانتفاء الوصف.

وفرق بين ان يكون الوصف قيدا للموضوع وبين أن يكون قيدا للحكم فإن الوصف إذا كان قيدا للموضوع فهو قيد لترتب الملاك على الموضوع. وأما إذا كان قيدا للحكم فهو قيد للحكم في مرحلة الجعل. وقيد لاتصاف الفعل بالملاك في مرحلة المبادئ. فهو قيد للحكم في مرحلة الجعل وشرط للملاك في مرحلة المبادئ وكذلك الحال في الشرط إذا كان قيدا للحكم في مرحلة الجعل فهو قيد لاتصاف الفعل بالملاك في مرحلة المبادئ.

فمن أجل ذلك يدل على المفهوم أي انتفاء الحكم عن الموضوع بانتفاء الشرط وانتفاء الحكم عن الموضوع بانتفاء الوصف.

إلا ان الأمر في مقام الإثبات ليس كذلك فإن الوصف في مقام الإثبات قيد للموضوع فإذا قال المولى: [اكرم العالم العادل] أو [أكرم الرجل العادل او العالم] فإن العادل قيد للعالم لا قيد للوجوب وكذا العادل قيد للعالم لا للوجوب والعالم قيد للرجل وهو الموضوع لا قيد للحكم ففي مقام الإثبات الوصف قيد للموضوع لا قيد للحكم وكونه قيدا للحكم بحاجة الى عناية زائدة ثبوتا وإثباتا. فهو بحاجة الى قرينة تدل على ذلك وإلا فظاهر القضية أن الوصف قيد للموضوع لا للحكم، فإذا كان قيدا للموضوع فمفاده تخصيص الحكم بحصة خاصة من الموضوع وهي الحصة المقيدة بالوصف وهذا التقييد منشأه ظهور القيد في الاحتراز. فإن كل قيد مأخوذ في لسان الدليل ظاهر في الاحتراز وحمله على التوضيح بحاجة الى قرينة. وطالما لم تكن هناك قرينة على ان هذا القيد للتوضيح فهو ظاهر في الاحتراز، فالقيد في نفسه ظاهر في الاحتراز فإذا كان ظاهرا في الاحتراز فهو يدل على ان الحكم المجعول في القضية مجعول لحصة خاصة من الموضوع وهي الحصة المقيدة بالوصف.

فإذاً ما ذكره السيد الاستاذ(قده) ليس من المفهوم في شيء.

وأما انتفاء هذا الحكم بانتفاء الوصف فمن جهة ان انتفاء الوصف يوجب انتفاء الموضوع وانتفاء الحكم بانتفاء الموضوع قهري وليس من المفهوم في شيء. لأن المفهوم مدلول لفظي كالمنطوق وأما انتفاء الحكم عن الموضوع فهو قهري وليس من المفهوم في شيء.

فالنتيجة أن ما ذكره السيد الاستاذ(قده) لا يمكن المساعدة عليه.

الوجه الثاني: ما ذكرناه في مبحث الوصف أن الوصف يدل على المفهوم بنحو السالبة الجزئية أو الموجبة الجزئية. فإن المولى إذا قال: [أكرم العالم العادل] فإنه يدل على ان ملاك وجوب الإكرام لم يكن في تمام حصة العالم سواء كان فاسقا ام كان عالما نحويا او صرفيا او عالما في المنطق او في الفقه او في الأصول أو في الفلسفة او في الطب او ما شاكل ذلك. فإن التقييد بالوصف يدل على ان ملاك وجوب الإكرام لم يكن موجودا في جميع حالات العالم وإلا لكان التقييد بالعدالة لغوا، فمن جهة اللغوية هذا التقييد يدل على ان ملاك وجوب الإكرام غير موجود في جميع حالات العالم بنحو سلب العموم، وسلب العموم مساوق للقضية الجزئية فإن سلب العموم غير عموم السلب لأن عموم السلب قضية استغراقية وقضية كلية مساوقة للقضية السالبة الكلية. واما سلب العموم فمساوق للقضية الجزئية.

فإذاً مفهوم هذا التقييد سلب العموم المساوق للقضية الجزئية ولا يدل هذا التقييد على عدم ثبوت الملاك في بعض حالات العالم فإن تقييد العالم بالعادل لا يدل على ان ملاك وجوب الإكرام لم يكن موجودا في بعض حالات العالم وإنما يدل على ان ملاك وجوب الإكرام لم يكن موجودا في جميع حالاته وإلا لكان التقييد بالعدالة لغوا.

فإذاً مفهوم القضية الوصفية سلب العموم المساوقة للقضية الجزئية على تفصيل ذكرناه في بحث المفهوم.

الوجه الثالث: ما ذكره شيخنا الأنصاري[2] (قده) من أنه اجتمع في الخبر وصفان: الوصف الذاتي وهو خبرية الخبر والوصف العرضي وهو كونه خبر فاسق، فقد اجتمع في الخبر وصفان احدهما ذاتي والآخر عرضي ومن الواضح ان الوصف الذاتي طالما يكون صالحا بان يكون سببا وعلة لوجوب التبين فلا يصل الدور الى الوصف العرضي فالتعليل بالوصف العرضي حينئذ قبيح عرفا وركيك عرفا مثلا تعليل نجاسة الدم بملاقاته للبول فإن هذا التعليل قبيح عرفا فالدم في نفسه نجس لا من جهة ملاقاته للبول أو تعليل نجاسة البول من جهة ملاقاته للدم فإن هذا التعليل غير صحيح عرفا وقبيح بنظر العرف فإن البول في نفسه نجس.

وما نحن فيه كذلك فإن خبرية الخبر إذا كانت سببا لوجوب التبين فلا يصل الدور الى التعليل بفسق المخبر فإن الذاتي إذا كان صالحا للسببية فلا يصح التعليل بالعرضي فإن التعليل بالعرضي قبيح بنظر العرف وليس بعرفي. وفي الآية المباركة قد علل وجوب التبين بالوصف العرضي وهو كون المخبر فاسقا ولم يعلل بالوصف الذاتي.

ومن هنا نستكشف أن الوصف الذاتي لا يصلح ان يكون علة لوجوب التبين إذ لو كان الوصف الذاتي صالحا لوجوب التبين فلا فرق بين خبر العادل وخبر الفاسق فإن الوصف الذاتي موجود في كلا القسمين من الخبر فكما هو موجود في خبر الفاسق كذلك موجود في خبر العادل. فتعليل وجوب التبين في الآية المباركة بالوصف العرضي يدل على ان الوصف الذاتي لا يصلح ان يكون علة فمن اجل ذلك يدل على ان وجوب التبين ثابت لخبر الفاسق ولم يثبت لخبر العادل. فمن أجل ذلك تدل الآية المباركة على حجية خبر العادل وعدم حجية خبر الفاسق.

هكذا ذكره شيخنا الأنصاري(قده).

وقد يناقش فيه بمناقشتين:

الاولى: أن الخبرية أيضا ليست وصفا ذاتيا بل هي وصف عرضي كالفسق فكما ان فسق المخبر وصف عرضي فكذلك الخبرية وصف عرضي.

وهذه المناقشة غريبة جدا فإن المراد من الوصف الذاتي أي ذاتي باب البرهان لا الذاتي في باب المنطق أي الجنس والفصل. والمستشكل تخيل ان المراد من الذاتي هو ذاتي باب المنطق أي الجنس والفصل فمن أجل ذلك قال ان خبرية الخبر وصف عرضي وليس بذاتي، فالمراد من الذاتي في مقابل العرضي في المقام هو ذاتي باب البرهان أي انه لا ينفك عن الذات فطالما تكون الذات موجودة فهذا الوصف موجود بينما الوصف العرضي قد ينفك عن الذات فوصف كون المخبر فاسقا ينفك عن الخبر كما إذا كان الخبر من العادل.

فإذاً هذه المناقشة مبنية على الخلط بين الذاتي في باب البرهان وبين ذاتي باب المنطق.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo