< قائمة الدروس

آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

37/06/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أدلة حجية خبر الواحد – آية النبأ

تحصل مما ذكرنا أن ما ذكره شيخنا الأنصاري(قده) من أن في الآية المباركة قد اجتمع على النبأ وصفان: أحدهما ذاتي وهو نبأية النبأ، والآخر عرضي وهو كون المخبر به فاسقا وفي الآية اناط وجوب التبين بكون المخبر فاسقا أي بالوصف العرضي، وهذا يدل على ان الوصف الذاتي لا يصلح ان يكون علة، لأن الوصف الذاتي لو كان علة فلا يصح التعليل بالوصف العرضي، كما لا يصح تعليل نجاسة البول بملاقاته للدم وبالعكس، لأن نجاسته في نفسه وذاتية له فلا يصح تعليله بأمر خارجي، فإذاً التعليل بالوصف الخارجي يدل على ان الوصف الداخلي لا يصلح لأن يكون علة.

هذا ما ذكره شيخنا الأنصاري(قده) فمن اجل ذلك تدل الآية المباركة على المفهوم أي على حجية خبر العادل وعدم حجية خبر الفاسق.

وقد استشكل على ما ذكره الشيخ الأنصاري بأمرين:

الأمر الأول: أن كلا الوصفين عرضي، فكما أن وصف كون المخبر فاسقا عرضي كذلك وصف خبرية الخبر أيضا عرضي، لا أن احدهما ذاتي والآخر عرضي.

ولكن هذا الإشكال مبني على الخلط بين الذاتي في باب البرهان والذاتي في باب المنطق، فإنه تخيّل أن مراد الشيخ من الذاتي ذاتي باب المنطق وهو الجنس والفصل والمفروض ان خبرية الخبر ليس ذاتيا بمعنى الجنس والفصل بل هي عرضية، ومن الواضح ان غرض الشيخ من الذاتي ذاتي باب البرهان أي لوازم الشيء التي لا تنفك عنه، فخبرية الخبر لا تنفك عنه مع انها عرضية وليست بذاتية بمعنى الجنس والفصل. هذا هو مراد الشيخ من الذاتي وهو ذاتي باب البرهان فقد اجتمع في الخبر وصفان وصف لا ينفك عنه أبدا ووصف قد يكون موجودا فيه وقد لا يكون موجودا فيكون منفكا عنها.

وفي الآية المباركة حيث اناط وجوب التبين بالوصف العرضي فهذا يعني ان الوصف الذاتي لا يصلح لأن يكون علة. فتكون علة وجوب التبين هي الوصف العرضي، وهو كون المخبر فاسقا فتدل الآية على حجية خبر العادل وعدم حجية خبر الفاسق.

هذا أولاً.

وثانياً: لو سلمنا أن كل من الوصفين يصلح ان يكون علة لوجوب التبين في عرض الآخر فكما أن وصف الخبرية يصلح ان يكون علة لوجوب التبين كذلك وصف كون المخبر فاسقا يصلح ان يكون علة لوجوب التبين، فإذا فرضنا ان كلا منهما صالح لذلك في عرض الآخر في مقام الثبوت إلا ان الآية المباركة في مقام الإثبات قد اناطت وجوب التبين بكون المخبر فاسقا فالآية من هذه الناحية ظاهرة في أن الوصف العرضي هو علة لوجوب التبين لا الصف الذاتي، ومن الواضح ان هذا الظهور حجة، ولا يمكن رفع اليد عن حجية هذا الظهور إلا بوجود قرينة ولا قرينة في المقام لا في الآية المباركة ولا من الخارج.

فإذاً الآية المباركة ظاهرة في اناطة وجوب التبين بالوصف العرضي وهو كون المخبر فاسقا. ولا بد من الأخذ بهذا الظهور لأن الظهور حجة ولا يجوز رفع اليد عن حجيته إلا بقرينة على ذلك.

الإشكال الثاني على الشيخ عليه الرحمة: أنا لو سلمنا ان المجعول في الآية المباركة وجوب التبين فوجوب التبين لا يخلو إما ان يكون مجعولا مقيدا بكون المخبر فاسقا او مجعولا مطلقا أي أعم من كون المخبر فاسقا أم عادلا. ففي مقام الثبوت كلا الأمرين محتمل وهو ان وجوب التبين المجعول في الآية المباركة لا يخلو حاله في مقام الثبوت إما أن يكون مجعولا للخبر مقيدا بكون المخبر به فاسقا او مجعولا مطلقا سواء كان المخبر فاسقا ام عادلا ولا ثالث لهما، لاستحالة الاهمال في الواقع من الشارع المقدس ولا يعقل ان لا يكون الواقع لا مقيدا ولا مطلقا بل مهملا.

واما في مقام الإثبات فالآية المباركة قد اناطت وجوب التبين بكون المخبر فاسقا وهذا لا يدل على حجية خبر العادل وعدم حجية خبر الفاسق، فإن هذا التعليق وهذه الإناطة إنما هي للتنبيه على فسق الوليد، أي ان الوليد الذي جاء بهذا الخبر هو فاسق، فوجوب التبين في الآية المباركة إنما هو للتنبيه على فسق الوليد ولا يدل على ان خبر العادل حجة وخبر الفاسق غير حجة فتصبح الآية مجملة فلا تدل على حجية خبر العادل مطلقا وعلى عدم حجية خبر الفاسق كذلك، وإنما تدل على فسق الوليد فقط فمن هذه الناحية الآية المباركة تصبح مجملة.

وهذا الإشكال أيضا غير تام. أما بحسب مقام الثبوت فإن التقابل بين الإطلاق والتقييد في مقام الثبوت إما ان يكون من تقابل العدم والملكة كما هو مختار المحقق النائيني(قده)، أو من تقابل التضاد كما هو مختار السيد الأستاذ(قده)، أو من تقابل الإيجاب والسلب كما قويّناه، فإذا كان التقابل بينهما بنحو العدم والملكة فيكون الإطلاق عبارة عن العدم الخاص في مورد قابل للتقييد، واما إذا كان التقابل بينهما من تقابل التضاد فيكون الإطلاق أمر وجودي فكما ان التقييد أمر وجودي فكذلك الإطلاق أمر وجودي وهو عبارة عن لحاظ عدم القيد واللحاظ امر وجودي ومن أجل ذلك يكون التقابل بينهما من تقابل التضاد، وإما إذا كان التقابل بينهما من تقابل السلب والإيجاب أي تقابل التناقض فإن الطلاق امر عدمي والتقييد أمر وجودي فيكون الإطلاق عبارة عن عدم لحاظ القيد وهو أمر عدمي والقيد أمر وجودي فيكون التقبل بينهما من تقابل التناقض.

هذا بحسب مقام الثبوت واما في مقام الإثبات فالآية الكريمة قد اناطت وجوب التبين بكون المخبر فاسقا، ومن الواضح أن هذه الإناطة ليست جزافا وبلا نكتة فهذا غير معقول، فبطبيعة الحال هذه الإناطة من جهة ان خبر الفاسق لا يكون حجة والحجة إنما هي خبر العادل وليس هذه الإناطة للتنبيه على فسق الوليد فقط حتى تكون الآية المباركة مجملة بل اناطة وجوب التبين بكون المخبر فاسقا تدل على ان هذه الإناطة ليست جزافا ومبنية على نكتة وتلك النكتة هي أن خبر الفاسق لا يكون حجة فيجب التبين عنه ومنها خبر الوليد، فيجب التبين عنه وكذلك تدل الآية على حجية خبر العادل غاية الأمر أن هذا التقييد إنما يدل على حجية خبر العادل إذا كان يدل على الحصر. ولكن دلالة هذا التقييد على الحصر مبنية على أحد أمرين:

الأمر الأول: ان يكون للقيد مفهوم.

الثاني: أن يكون في القيد أداة الحصر.

ولكن كلا الأمرين مفقود في الآية المباركة، أما القيد فقد تقدم انه لا يدل على المفهوم. واما الثاني فلأن القيد فارغ عن أداة الحصر.

فمن أجل ذلك لا تدل الآية المباركة على المفهوم من جهة اناطة الوجوب بالوصف العرضي وهو كون المخبر فاسقا، فلا تدل على حجية خبر العادل وعدم حجية خبر الفاسق إلا ان يكون القيد متضمنا لأحد امرين:

الأول: ان يكون القيد دالا على المفهوم.

الثاني: ان يكون دالا على الحصر.

ولكن كلا الأمرين غير متوفر.

فإذاً ما ذكره شيخنا الأنصاري(قده) من ان تعليق وجوب التبين على الوصف العرضي وهو كون المخبر فاسقا يدل على المفهوم لا يمكن المساعدة عليه.

ومن هنا ذكر المحقق النائيني(قده)[1] ان غرض الشيخ الأنصاري من إناطة وجوب التبين في الآية المباركة بالوصف العرضي وهو كون المخبر فاسقا مراده من الوصف العرضي العرفي في مقابل الوصف الذاتي وهو خبرية الخبر ونبأية النبأ وتقييده بهذا الوصف يدل على المفهوم بمناسبة الحكم والموضوع الارتكازية.

ثم أشكل عليه المحقق النائيني(قده) أن مجرد إناطة وجوب التبين بالوصف العرضي العرفي بمناسبة الحكم والموضوع الارتكازية لا يكفي للدلالة على المفهوم بل الدلالة على المفهوم مبنية على أحد امرين آخرين:

أحدهما: ان يكون للقيد مفهوم، والمفروض أنه ليس للقيد مفهوم.

والآخر: ان يكون القيد دالا على الحصر، والمفروض أنه لا يدل على الحصر.

فالنتيجة ان ما ذكره شيخنا الأنصاري(قده) من ان الآية الركيمة تدل على حجية خبر العادل وعدم حجية خبر الفاسق من جهة إناطة وجوب التبين بالوصف العرضي دون الوصف الذاتي لا يمكن المساعدة عليه.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo