< قائمة الدروس

آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الأصول

38/04/25

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: دليل الانسداد

اما على القول بالحكومة فلا يتصور الإهمال لا في الأسباب ولا في المراتب ولا في الموارد فإن الحاكم لا يتصور أن يشك في أن الحكم الصادر منه مطلق أو مهمل، وعلى هذا فالحاكم في باب الانسداد على القول بالحكومة هو العقل ولا يتصور أن يحكم العقل ولا يدري أن حكمه مطلق أو مهمل فلأجل ذلك لا يتصور الإهمال.

أما في الأسباب: فلأن موضوع الحجية بحكم العقل هو الظن من أي سبب حصل فلا خصوصية فيه للسبب ولا موضوعية له والمناط إنما هو على حصول الظن فإذا حصل الظن يحكم العقل بحجيته سواء كان حصوله من أخبار الثقة أو أخبار العدول أو الأخبار الموجودة في الكتب المعتبرة او من الإجماعات المنقولة أو من الشهرات الفتوائية او من حسن الظن بالجماعة فمن أي سبب حصل الظن فهو موضوع لحكم العقل بالحجية ولهذا لا يتصور فيه الإهمال.

نعم ذكر صاحب الكفاية(قده) أنه إذا كان هناك أسباب متعددة وبينها قدر متيقن فالنتيجة ليست مطلقة.

وسوف نبين ذلك.

وأما من حيث المورد: فأيضا لا إهمال في البين بل النتيجة مقيدة والعقل يحكم بحجية الظن وبمنجزيته مطلقا في غير المسائل التي أهتم الشارع بها وهي مسائل حفظ النفوس المحترمة ومسائل الفروج والأعراض ومسائل الاموال الخطيرة فإن الظن لا يكون حجة في تلك المسائل لا في حال الانفتاح ولا في حال الانسداد فالعقل يحكم بمنجزية الظن ومنجزيته مطلقا في سائر الموارد غير هذه المسائل، لأن الظن بهدر دم شخص لا يعول عليه وكذا لو ظن بان امرأة معينة ليست رضيعته فإنه لا يجوز له التزويج بها، فيجب الاحتياط في هكذا مسائل لمجرد الاحتمال.

واما من حيث المراتب: فأيضا لا إهمال فيها لأن العقل يحكم بحجية الظن الاطمئناني فإن وفى بمعظم الأحكام الفقهية فهو وإلا فلا بد من ضم ما يليه من الظنون إلا أن يفي بمعظم الأحكام الفقهية.

هذا ما ذكره صاحب الكفاية(قده).

أما ما ذكره من عدم الإهمال في الأسباب فالأمر فيه كما ذكر، لأن هناك فرقا بين باب الانفتاح وباب الانسداد لأن في باب الانفتاح موضوع الحجية الأسباب مثل خبر الثقة حجة او ليس بحجة سواء كان مفيدا للظن أو لا يكون مفيدا له، والاجماع المنقول حجة او ليس بحجة واخبار الآحاد حجة أولا فموضوع الحجية هو السبب سواء أفاد الظن الشخصي او لم يكن مفيدا له، لأن حجية خبر الثقة من باب إفادة الظن النوعي وإن لم يفد الظن الشخصي بل هو حجة فيما إذا كان الظن الشخصي على خلافه.

واما في باب الانسداد: فموضوع الحجية بحكم العقل هو الظن بما هو ظن من أي سبب حصل فمن أجل ذلك لا يتصور فيه الإهمال، سواء كان من السبب القوي او كان من السبب الضعيف، وعلى كل حال هذه الخصوصيات غير ملحوظة لأن المناط هو بحصول الظن في أفق النفس فإذا حصل من أي سبب كان كفى في حكم العقل بحجيته.

واما ما ذكره(قده): - من أنه إذا كان بين الأسباب قدرا متيقنا فالنتيجة ليست مطلقة - فلا يرجع إلى معنى محصل. فإن أراد بذلك القدر المتيقن في سببيته لإفادة الظن باعتبار ان بعضها أقوى من الآخر في إفادة الظن فيرد عليه أن النتيجة مطلقة وليست مهملة لأن كلا من هذه الأسباب مفيد للظن بلا فرق بين ما إذا كان هناك قدرا متيقنا بينها او لم يكن فجميع هذه الأسباب سبب لإفادة الظن ومفيدة للظن.

وإن أراد التيقن بحسب الأسباب: وأنه إذا كانت هناك أسباب متعددة وكان بينها قدر متيقن من حيث السببية فيرد عليه أن التيقن إنما هو ملحوظ في حال الانفتاح لأن موضوع الحجية في حال الانفتاح الأسباب سواء كانت مفيدة للظن ام لم تكن مفيدة له وأما في حال الانسداد فموضوع الحجية الظن بما هو ظن من أي سبب حصل ولا خصوصية ولا موضوعية للأسباب.

وأما ما ذكره من أنه لا إهمال من حيث المورد فالأمر كذلك على مسلكه(قده) من أن حال الظن في باب الانسداد كحال الاقطع في حال الانفتاح فكما أنه لا يتصور الإهمال في حجية القطع ومنجزيته من أي سبب حصل وفي أي مورد كان فإن القطع حجيته ذاتية ومن لوازم ذاته ومنجزيته يستحيل انفكاكها عنها فكذلك الظن في حال الانسداد فتكون حجيته ومنجزيته ذاتية فلأجل ذلك لا يتصور الإهمال في الموارد غير الموارد التي اهتم الشارع بالحفاظ عليها لعدم حجية الظن فيها لاهتمام الشارع في الحفاظ عليها حتى في فرض الاحتمال، فلا يتصور الاهمال في الموارد على مسلكه(قده).

وأما بناء على معنى حكم العقل بحجية الظن عل القول بالحكومة أي ان الظن يوجب صرف تنجيز العلم الإجمالي إلى مورده وانحلال هذا التنجيز عن موردي الشك والوهم ولهذا لا مانع من الرجوع إلى البراءة العقلية في موارد الشك والوهم واما في موارد الظن فالعقل يحكم بتنجيز الظن.

وعلى هذا فأيضا لا يتصور الإهمال في الموارد ففي أي مورد يكون الظن موجودا فهو حجة ومنجز إلا في الموارد التي اهتم الشارع بالحفاظ عليها حتى في فرض الاحتمال.

وأما بناء على أن معنى الحكومة هو التبعيض في الاحتياط لأن العقل يحكم بتقديم الامتثال الظني على الامتثال الشكي والوهمي إذ ان أطراف العلم الإجمالي متفاوتة ففئة من اطرافه مشكوكة وفئة أخرى موهومة وفئة ثالثة مظنونة فالأمر يدور بين الامتثال الظني والامتثال الشكي والامتثال الوهمي ولا شبهة في ان العقل يحكم بتقديم الامتثال الظني على الامتثال الشكي والوهمي لأن الحاكم في باب الامتثال هو العقل فعندئذ أيضا لا إهمال في البين فإن في موارد الظن لا يكون هناك إهمال لأن الظن في أي مورد كان فهو منجز وحجة يجب العمل به والامتثال له في غير الموارد التي اهتم الشارع بالحفاظ عليها إذ لا يكون الظن فيها حجة.

واما من حيث المرتبة فأيضا لا إهمال فيها فإن العقل يحكم بحجية الظن بمقدار يفي بمعظم الأحكام الفقهية بنحو الكبرى الكلية لا أكثر ولا أقل.

هذا تمام كلامنا في دليل الانسداد.

وقد تبين أن مسألة الانسداد مسألة افتراضية لا واقع موضوعي لها فإنه لا يوجد بين علمائنا من يقول بالانسداد لأنهم متفقون على انفتاح باب العلمي غاية الأمر تختلف آراؤهم في حجية خبر الواحد فبعضهم يرى حجية خبر الثقة كما هو المعروف بين المتقدمين وبعضهم يرى حجية أخبار العدول وبعضهم يرى حجية أخبار الآحاد مطلقا وبعضهم يرى حجية أخبار الإمامي وإن كان فاسقا.

والحاصل انه لا يوجد منهم من هو قائل بالانسداد.

واما جملة من الإخباريين فيرون ان الأخبار الموجودة في الكتب الأربعة قطعية السند لا انها ظنية السند وإن كانت منقولة بخبر الواحد إلا انها قطعية السند.

وكيف ما كان فلا وجه لإطالة الكلام في مسألة الانسداد كما اطال الكلام في ذلك شيخنا الأنصاري(قده).

وقد تكلم بالتفصيل في ان نتيجة مقدمات الانسداد هل هي واصلة بنفسها او واصلة بطريقها أو غير واصلة مع أنه لا يترتب على هذه المسائل أي أثر شرعي فلا فائدة فيها.

بقي الكلام في مسألتين:

الأولى: هل يجوز الرجوع في الانسداد إلى قاعدة الاستصحاب أو القرعة أو فتوى الفقيه؟

أما الاستصحاب: فإن كان الدليل على حجيته الروايات فالمفروض انها لا تكون حجة فلا يكون الاستصحاب حجة إلا إذا كان الدليل على حجية الاستصحاب الأخبار المتواترة وهي غير موجودة أو ان حجيته ثابتة ببناء العقلاء وهذا أيضا غير ثابت لأن عمدة الدليل على حجية الاستصحاب الروايات وهي لا تكون حجة على القول بالانسداد، فلا يمكن التمسك بقاعدة الاستصحاب، ومع الإغماض عن ذلك فلا مانع من التمسك بالاستصحاب النافي للتكليف ولكن هذا الاستصحاب لا يجري في أطراف العلم الإجمالي إما لأنه قاصر في نفسه عن الشمول وإما لأنه يسقط من جهة التعارض فكما ان أصالة البراءة لا تجري في أطراف العلم الإجمالي كذلك الاستصحاب النافي للتكليف.

واما الاستصحاب المثبت للتكليف في الشبهات الحكمية فهو قليل، فضم هذا الاستصحاب إلى الأحكام الضرورية والأحكام القطعية لا يفي بمعظم الأحكام الفقهية ولا يحل مشاكل الإنسان الكبرى، هذا مضافا إلى عدم جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo