< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

31/11/16

بسم الله الرحمن الرحیم

خلاصة البحث

المرحلة الثانیة من معالجة الشبهة الحکمیة:

العلمي، أي الأمارات المعتبرة وهي: خبر الواحد ـ أو ظن مطلق ـ أو شهرة فتوائیة ـ أو قیاس ـ أو سیرة عقلائیة ـ أو استحسان، أو سد ذرائع، أو مصالح مرسلة، أو إجماع أهل المدنیة، أو إجماع الصحابة، أو قول الصحابي... .

ـ من الظن المطلقه هو ما یقابل الظن الخاص، وقد اشتهر بالقول بحجیته، صاحب القوانین «ره» بناء علی دلیل الإنسداد

ـ الشهرة فالمراد منها الشهرة الفتوائیة دون الشهرة الروائیة والعملیة.

ـ القیاس: هو تسریة حکم معلوم علی موضوع إلی موضوع آخر لاشتراک الحکمین في العلة.

والمعتبر من القیاس ما کان منصوص العلة وظاهرها ومفهوم الموافقة، والقیاس المنهي عنه هو ما کان مظنون العلة.

ـ السیرة العقلائیة: هي مسلک عقلائي وتشمل العادات وقد تبانی علیها العقلاء لسدِّ حاجاتهم. وهي تختلف عن حکم العقلاء کحکهم بحسن العدل وقبح الظلم، لأنها من أحکام العقل العملي وأحکامه قطعیة: فیکون من المرحلة الأولی.

ولن أتعرض للباقي لعدم حجیته عند علمائنا فلا یلیق بهذا المختصر.

المرحلة الثانیة: الأمارات المعتبرة.

في الشبهة الحکمیة إذا لم تصل إلی قطع من المصادر التي ذکرناها ننتقل إلی المرحلة الثانیة وهي العلمي، أي الأمارات المعتبرة، وهي کلّ ظن قام الدلیل علی حجیته من حیث الکشف، وتسمی بالعلمي نسبة إلی العلم وهي مرحلة الأدلة الظنیة التي تعامل معاملة العلم في وجوب العمل به.

والعلمیَّات التي یبحث عنها المکلَّف، هي کلّ معتبر وحجة من خبر واحد، أو شهرة فتوائیة أو ظن مطلق أو قیاس أو سيرة عقلائية (إن قام الدلیل علی حجیة الجمیع) أو استحسان أومصالح مرسلة أو سد ذرايع أو إجماع أهل المدينة أو إجماع الصحابة، أو قول الصحابي...

خبر الواحد: الخبر علی قسمین: المقطوع الصدور وغیر مقطوعه والمقطوع الصدور: إما خبر متواتر أو خبر آحاد محفوف بالقرینة وغیر مقطوع الصدور ینقسم بلحاظ اعتباره إلی : معتبر أي ما ثبت الدلیل علی حجیته ووجوب العمل به وغیر معتبر وقد قسّم بلحاظ سنده إلی: صحیح: وهو ما کان رجال السند کلهم صحیحي المذهب عدولاً. حسن: وهو ما کان من رجال السند من الممدوحین. موثق: وهو ما کان من رجال السند غیر صحیحي المذهب ولکنهم ثقاة. ضعیف: ما کان في سنده خلل یؤدي إلی عدم اعتباره. وبلحاظ حالاته إلی: مشهور: وهو ما اشتهر في الکتب الروائیة وعلی ألسن الأصحاب. مستفیض: وهو ما کان له أکثر من طریق ولکنه لم یبلغ حد التواتر. وغيرهما.

وهناک تقسيمات أخری بلحاظات أخری، بل ذکر علماء الحديث والدراية في نفس الأقسام التي ذکرناها أقساماً.

وکل هذه الأقسام تدخل في العلمي أي في المرحلة الثانیة.

الظن المطلق:

أي الظن الحاصل من أي سبب کان، ویقابله الظن الخاص، وهو ما نشأ من سبب خاص کالظن الحاصل من الشهرة.

وهذا الظن استدل صاحب القوانین(ره) علی حجیته بدلیل الإنسداد ورفضة المعظم.

الشهرة الفتوائیة:

الشهرة على ثلاثة اقسام: روائية وعملية وفتوائية.

أما الشهرة الروائية: فهي اشتهار رواية أو حديث عند الرواة أو في كتب الحديث والروايات. سواء أاتحد الراوي في الطبقة الأولى، كما إذا كان الراوي زرارة فقط ولكن بعد ذلك اشتهرت عند الرواة، أم تعدّد على وجه لا تلحق بالتواتر. وهذه الشهرة هي التي جعلت من المرجحات عند تعارض الروايتين.

وأما الشهرة العملية: بأن يكون عمل الأصحاب على طبق إحدى الروايتين مستندين إليها عاملين بها. والنسبة بين هذه الشهرة والشهرة الروائية العموم من وجه، إذ ربما لا تكون الرواية مشهورة عند الرواة كما إذا لم تكن إلا في كتب حريز مثلاً وعمل الأصحاب على طبقها، وربما ينعكس الأمر كما إذا كانت الرواية مشهورة عند الرواة ولكن لم يُعمل بها، وربما يجتمعان. ولا إشكال في أنَّ الشهرة العملية على هذا الوجه تكون من المرجِّحات عند تعارض الروايتين علی القول بالترجيح بل هي أولى من الشهرة الروائية. لأنَّ عمل الأصحاب بها يكشف عن إعتبارهم لها.

وهذه الشهرة تكون قبل تدوين كتب الفتوى وقبل الإستنباط وزمانها هو الزمان المعاصر أو القريب جداً للأئمة (ع) حيث كان العمل على طبق الروايات من دون أن يكون هناك استنباط وفتوى.

وأما الشهرة الفتوائية: وهي ما اصطلح عليه بالمشهور وهي ذهاب مشهور الفقهاء إلى فتوى بعينها بغض النظر عن دليلها بين فقيه وآخر. والمهم من هذه الشهرة هي ما كانت بين القدماء القريبين من عصر الأئمة (ع) لأنها تكشف عن أدلّة خفيت علينا كما قال أكثر الفقهاء.

والقسمان الأوّلان من الشهرة یرجعان إلی خبر الواحد، لأنّ الشهرة الروائیة هي اشتهار خبر، والشهرة العملیة عمل بخبر، لذا لا یکونان قسمين مقابل الخبر والظن المطلق. نعم الشهرة الفتوائیة تکون قسماً مقابلهما لأنها لا ترجع إلیهما.

القیاس:

وهو تسریة حکم معلوم علی موضوع إلی موضوع آخر لاشتراک الحکمین في العلة.

وهذه العلة:

إما أن تکون منصوصة.

وحینئذٍ یکون القیاس معتبراً لإثبات الحکم علی الموضوع المشکوک من باب عموم العلة.

وإما أن تکون ظاهرة واضحة تکاد تکون أقوی من النص.

وهو قیاس الأولویة، وتسریة الحکم إلی المشکوک أولی من المعلوم عرفاً، ولذا ألحق بالألفاظ، للدلالة الإلتزامیة وسمّي مفهوم الموافقة. مثل قوله تعالی: "... فَلاَ تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ ..." موضوعه الأبوین ومتعلق الحرمة قول «أفٍ»، وهو یدل بالأولویة والموافقة علی حرمة الضرب والأذی، فحرمتهما وإن لم تذکر في نص لکنها أولی من قول «أف» عرفاً.

وإما أن العلة ظاهرة.

وهذا أیضاً قیاس معتبر، لأنّ الظهور في العلة ينقح صغری من صغریات الکبری وهي حجیة الظهور.

هذه هي الأقسام الثلاثة المعتبرة من القیاس.

القسم الرابع من القیاس، هو قیاس العلة المظنونة، أو ما یسمى بالعلة المستنبطة التي لم تصل إلی مرحلة الظهور.

وهذا القسم، وإن کان سیرة عقلائیة ویعامل معاملة الواقع عند العرف العام، ولکن قد ورد النهي عنه:

" عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللّٰهِ الْعَقِيلِيِّ، عَنْ عِيسَى بْنِ عَبْدِ اللّٰهِ الْقُرَشِيِّ، قَالَ: دَخَلَ أَبُو حَنِيفَةَ عَلىٰ أَبِي عَبْدِ اللّٰهِ عليه السلام، فَقَالَ لَهُ: «يَا أَبَا حَنِيفَةَ، بَلَغَنِي أَنَّكَ تَقِيسُ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «لا تَقِسْ؛ فَإِنَّ أَوَّلَ مَنْ قَاسَ إِبْلِيسُ حِينَ قَالَ: «خَلَقْتَنِي مِنْ نٰارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ» فَقَاسَ مَا بَيْنَ النَّارِ وَالطِّينِ، وَلَوْ قَاسَ نُورِيَّةَ آدَمَ بِنُورِيَّةِ النَّارِ، عَرَفَ فَضْلَ مَا بَيْنَ النُّورَيْنِ، وَصَفَاءَ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ».

مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيىٰ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمٰنِ بْنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ: عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّٰهِ عليه السلام، قَالَ: «إِنَّ السُّنَّةَ لَاتُقَاسُ، أَ لَاتَرىٰ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَقْضِي صَوْمَهَا وَلَا تَقْضِي صَلَاتَهَا؟ يَا أَبَانُ، إِنَّ السُّنَّةَ إِذَا قِيسَتْ مُحِقَ الدِّينُ».

الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْوَشَّاءِ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي شَيْبَةَ الْخُرَاسَانِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّٰهِ عليه السلام يَقُولُ: «إِنَّ أَصْحَابَ الْمَقَايِيسِ طَلَبُوا الْعِلْمَ بِالْمَقَايِيسِ، فَلَمْ تَزِدْهُمُ الْمَقَايِيسُ مِنَ الْحَقِّ إِلَّا بُعْداً، وَإِنَّ دِينَ اللّٰهِ لَايُصَابُ بِالْمَقَايِيسِ».

ولذا یکون هذا القسم من القیاس باطلاً إجماعاً عند الإمامیة، وهو محل خلاف أیضاً عند العامة سعة وضیقاً.

قد يقال: أنَّ أصالة عدم حجية الظن تکفي لردِّ جواز العمل بالقياس فلماذا کان هذا النهي من الإمام الصادقعليه السلام ؟

والجواب: إنَّ هذا النهي دفع وهم ثبوت حجيته، حيث إن هذا النوع من القياس سيرة عرفية عند عدم الدليل.

ملاحظة:

هذا النوع من القياس يختلف عن وحدة المناط، حيث إنَّ المناط هو ما يدور الحکم وجوداً وعدماً، مداره في مقام الإثبات وللعمل به يجب أن يصل إلی مرحلة الظهور، فيکون معتبراً،أما هذا القياس فليس ظهوراً، بل مجرد ظن بالعلة.

ولترکيز الإصطلاح نقول:

هذا هو تعريف المناط وهنا يظهر الفرق بينه وبين الملاک، حيث إن الملاک هوما يدور الحکم وجوداً وعدماً مداره في مقام الثبوت.

وهنا نشير إلی أن ما يقال في مقاصد الشريعة هي ما يمکن أن نستظهره في المناطات الظاهرة، أي المدارات التي تصل إلی مستوی الظهور.

سیرة العقلاء:

من العلمي أیضاً سیرة العقلاء.

وتختلف السیرة عن الحکم بأنّ السیرة مسلک عقلائي ذهبوا إلیه لسدِّ حاجاتهم، کالعمل بخبر الواحد لسدِّ حاجة تبادل المعلومات، ویعاملون السیرة علی أنها کاشفة عن واقع ولذا کانت من العلمي، أي أنها من الأمارات.

أما حکم العقلاء فهو حکم، عبِّر عنه بحکم العقل العملي کحکم العقل بأن العدل حسن وأنّ الظلم قبیح وأنّ الکذب قبیح وغیر ذلک مما بحثه الکلامیون والأصولیون في مسألة التحسین والتقبیح العقلیین. وحکم العقل قطعي، فلا یدخل في العلمي بل في القطع الوجداني أي في المرحلة الأولی.

وهناک أمارات ظنیة أخری عند أبناء العامة اختلفوا في اعتبارها وعدمه، واختلفوا في سعتها وضیقها کالاستحسان، وسدِّ الذرائع، والمصالح المرسلة، وقول الصحابي، والإجماع في بعض تعریفاته عندهم کإجماع أهل المدینة، وسیرة الصحابة، ولا داعي للتطرق إلیها في هذا المختصر.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo