< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

31/11/17

بسم الله الرحمن الرحیم

خلاصة البحث

عند فقدان المرحلة الثانیة، أي عند عدم وجود دلیل لخصوص العنوان المشتبه، نبحث عن دلیل عام یشمل هذا الموضوع، وینتقحه أصلان: أصالة العموم وأصالة الإلطلاق.

وهذه هي المرحلة الثالثة. فهي مرحلة تنقیح مضامین الأدله العامة الشاملة بعمومها للعنوان.

فمثلا: سندات الخزینة عقد أشک في صحته ولا یوجد دلیل بعنوانه فأبحث عن عنوان عام مثلا: أوفوا بالعقود لیشمله بعد إجراء أصالة العموم.

ثم لو تنافی دلیلان: فإما أن یجمع بینهما العرف بأحد أمور خمسة: التخصیص ـ التقیید ـ الحکومة ـ الورود ـ الجمع العرفي بالمعنی الأخص.

وإلا استحکم التعارض وجرت أحکام باب التعارض:

القاعده الأولیة: التساقط علی المشهور أو التخییر.

القاعدة الثانویة: التخییر أو الاحتیاط أو الترجیح بالمعرمجات التي ذکروها.

المرحلة الثالثة: أصل لفظي من دليل عام.

وهي البحث عن دلیل عام یشمل العنوان المشکوک، وذلک بإعمال الأصول اللفظیة، وهي هنا أصالة العموم وأصالة الإطلاق وترجع إلی أصالة الظهور عند مشهور المتأخرین.

وهذه مرحلة مضامین الأدلة العامة عند فقدان المرحلة الثانیة. والأصول اللفظیة تنقح مضامین العلمي، ولکني أفردتها بالذکر لأنها تأتي في المرتبة الأخیرة من العلمیات، أي مع وجود خبر حجة من عنوان خاص لا مجال لجریان الأصول اللفظیة في دلیل عام. وإفراد الأصول هي خطوة أفضل لترتیب مجاري الأدلة في ذهن الطالب.

وقد وقع الکلام في أنّ الأصول اللفظیة، هل ترجع إلی أصالة عدم القرینة، أو إلی أصالة الظهور أو أنّها تعبدیة.

ونحن نؤید رجوعها إلی أصالة الظهور.

أما عدم رجوعها إلی أصالة عدم القرینة : فلأنّها لیست أصولاً عدمیة. وأما أنّها لیست تعبّدیة : فلأنه لیس للعقلاء بما هم عقلاء من يتعبدهم وما یتعبّدون فیه، بل ما یذهبون إلیه هو لسدِّ الحاجات، وحاجة البیان والتبیین یتم سدُّها بالأخذ بالظهور.

ثم إني لم إذکر أصالة الحقیقة، لأنها تنقح مضمون نفس العنوان المشکوک الخاص، لا العنوان العام.

والمرحلة الثالثة هي مرحلة تنقیح مضامین الأدلة العامة عند فقدان المرحلة الثانیة، لأنّ الأصول اللفظیة تنقح مضامین العلمي، ولکنّي أفردتها بالذکر لأنها تأتي في المرتبة الأخیرة من الإستدلال بالعلمیات، أي مع وجود خبر حجة في العنوان الخاص لا مجال لجریان الأصول اللفظیة في دلیل عام.

وإفراد الأصول هي خطوة أفضل لترتیب مجاري الأدلة في ذهن الطالب.

مثلاً: صحة بیع الصبي:

نبحث عن علمي ـ وهي المرحلة الثانیة ـ فإن لم نجد نبحث عن دلیل عام یشمل هذا المورد مثل « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ...» أو «...وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ...» حیث نعمل أصالة العموم ـ وهذه هي المرحلة الثالثة.

ثم إنه لو تعارض دلیلان في بادئ الأمر ـ أي تنافی مدلولهما في مقام الجعل، فإن العرف لوسمعهما، فإما أن یجمع بینهما بأحد أمور خمسة وإلا استحکم التعارض.

والأمور الخمسة هي:

التقیید :

بأن یحمل المطلق علی المقیّد، ومعنی الحمل علیه هو بیان المراد الجدي منه. ولا بد من ظهور في التقیید وهو غالباً ما يكون في المختلفین سلبا وإیجابا، أما إذا کانا سلبیین إو إیجابیین فإن کان ظهورٌ وإلا حُمِل علی أفضل الأفراد أو علی محامل أخری.

کما لو قال أعتق رقبة، ثم قال: لا تعتق الکافرة. فالجمع بینهما یکون بوجوب عتق الرقبة المؤمنة.

التخصیص:

بأن یحمل العام علی الخاص إي یکون الخاص مبیّنا للمراد الجدي من العام ولذا فهو یقدّم علیه.

وذلک مثل: « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ...» ثم قال: «...وَحَرَّمَ الرِّبَا...» والجمع بینهما یکون بالالتزام بکل العقود عدا عقد الربا.

الحکومة:

بأن یکون أحد الدلیلین حاکما علی الآخر. وذلك بأن یکون أحد الدلیلین ناظرا إلی موضوع الآخر توسعة أو تضییقاً، فهو تخصیص للموضوع أو توسیع ولکن بعنایة التعبد.

مثلاً: الطواف صلاة، فتثبت أحکام الصلاة للطواف إجمالاً.

الورود:

بأن یکون أحد الدلیلین واردا علی الآخر، أي مخرجا له عن موضوعه فیکون تخصصا تعبداً، فیکون المقدَّم هو الدلیل الوارد.

وذلک مثل ورود الأمارات علی الاُصول العملیة العقلیة.

فإن موضوع البراءة العقلیة وهي قبح العقاب بلا بیان هو عدم البیان. وکل أمارة صالحة أن تکون بیانا، ولکن لیس بیانا حقیقیاً بل بیان تعبدي. فتخرج عن موضوع البراءة العقلیة.

وکذلک أصل الاحتیاط العقلي أي وجوب دفع الضرر المحتمل. موضوعه عدم المؤَمِّن، وکل أمارة صالحة أن تكون مؤَمِّناً.

وأیضاً أصل التخییر بین الوجوب والحرمة موضوعه عدم المرجِّح، وکل أمارة صالحة لأن تکون مرجحا.

طبعا لا بد أن تکون معتبرة. والکلام نفسه أیضاً في الاُصول العملیة الشرعیة فهي مقدَّمة علی الأصول العقلیة من باب الورود.

الجمع العرفي بالمعنی الأخص:

إذا استمع العرف إلی دلیلین متعارضین فقد یجمع بینهما بأحد الأنواع الخمسة: التقیید أو التخصیص أو الحکومة أو الورود أو الجمع العرفي بالمعنی الأخص، وکلها جمع عرفي بالمعنی الأعم، لأنها جمیعا خاضعة لظهور عرفي بالجمع بینهما.

وأما الجمع العرفي بالمعنی الأخص فهو إذا لم یکن ظهور في أحد الأربعة الأولی، وجمع بینهما العرف عند سماعه لهما بالتصرف فیهما أو في أحدهما.

مثلاً:

رواية « الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمَاعَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ سَكَنٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَضَّاحٍ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ ثَمَنُ الْعَذِرَةِ مِنَ السُّحْتِ ».

ورواية « مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيىٰ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحَجَّالِ، عَنْ ثَعْلَبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُضَارِبٍ: عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّٰهِ عليه السلام، قَالَ: لَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْعَذِرَةِ ».

فإن العرف یجمع بینهما بأن المراد فی الأول العذرة التي لا نفع فیها، وبالثانی ما فیها نفع.

ومثال آخر:

" عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ شَرِيفِ بْنِ سَابِقٍ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ أَبِي قُرَّةَ: عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّٰهِ عليه السلام، قَالَ: «مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلَّا وَ فِيهِ دُعَابَةٌ». قُلْتُ: وَ مَا الدُّعَابَةُ؟ قَالَ: «الْمِزَاحُ » " معارض برواية أخرى " وَقَالَ علي عليه السلام : مَا مَزَحَ رَجُلٌ مَزْحَةً إِلَّا مَجَّ مِنْ عَقْلِهِ مَجَّةً " حیث یجمع بینهما بکراهة المزاح الهازل واستحباب المزاح الذي یدخل السرور علی قلوب الآخرین.

الفرق بین الجمع العرفي والجمع التبرعي:

یقابل الجمع العرفي الجمع التبرعي، والأول هو أن الناس عندما تسمع المتعارضین تجمع بینهما بأحدی الکیفیات الخمسة، وأما الثاني فإن الناس لا تجمع بینهما، بل المکلَّف نفسه یخترع لهما تخصیصا أو تقییدا بحیث یمکن الجمع بینهما، ولا دلیل علیه سوی أدلة حجیة الخبر والتي تدل بإطلاقها علی شمول الحجیة لهذین الخبرین، ولا یمکن الأخذ بهما إلا بالتصرف فیهما أو بأحدهما. وهو مردود، إذ لا دلیل علی هذا ونمنع شمول أدلة حجیة الخبر لهذا الصنف.

تنبیهان:

الأول:

الحکومة والورود یجریان أیضاً عند معارضة الأصول العملیة بعضها لبعض. کتقدیم الأصول الشرعیة علی الأصول العقلیة کما مرَّ، وکتقدیم الاستصحاب علی الأصول الأخری.

الثاني:

أن الأمارات والاُصول یجریان عند عدم العلم أي عند الشک الشامل لحالات الظن والشک والوهم في اصطلاح المناطقة لکن یفترقان في أنّ الأمارة موردها الشک والأصل موضوعه الشک.

والفرق بین الموضوع والمورد أن الموضوع يکون ملحوظاً ولابد من تحققه قبل الحکم أو الخبر أو الأصل أو غیر ذلک مما یکون مصباً له أي کما یقال:‌ العرش ثم النقش. أما المورد فلا یشترط سبقه ألا تری أنک تأخذ بالخبر الموثوق وإن کان مضمونه غیر ملتفت إلیه أصلاً قبل الأخبار؛ بينما أنت لا تجري الأصل العملي إلا بعد البحث عن الدليل وعدم الوصول إلى نتيجة فتحتار وتشك، وبعبارة أخرى يتحقق الشك فيجري فيه الأصل.

التعارض:

فإن لم یکن بین المتعارضین أحد هذه الخمسة استحکم التعارض.

وحینئذٍ فالقاعدة الاولیة هي التساقط علی المشهور ولکن تضافرت الروایات في علاج المتعارضین، فکانت القاعدة الثانویة، أي بعد الأخذ بالأخبار العلاجیة.

والقاعدة الثانویة هي التخیییر مطلقاً ـ أي سواء وجد المرجح أم لا ـ علی ما نسب إلی المشهور أو الترجیح بأحد المرجحات: من کون أحدهما أقرب إلی الواقع، أو أحدث تاریخاً، أو أشهر، أو موافقاً للکتاب حیث ورد عن الائمّة(ع) :

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى الْحَلَبِيِّ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ الْحُرِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّٰهِ عليه السلام يَقُولُ: «كُلُّ شَيْ‌ءٍ مَرْدُودٌ إِلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَكُلُّ حَدِيثٍ لَا يُوَافِقُ كِتَابَ اللّٰهِ، فَهُوَ زُخْرُفٌ».

مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ وَغَيْرِهِ: عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّٰهِ عليه السلام، قَالَ: «خَطَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله بِمِنىٰ، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، مَا جَاءَكُمْ عَنِّي يُوَافِقُ كِتَابَ اللّٰهِ، فَأَنَا قُلْتُهُ، وَمَا جَاءَكُمْ يُخَالِفُ كِتَابَ اللّٰهِ، فَلَمْ أَقُلْهُ».

أو مخالفا لفقهاء السلاطین ـ في ظرف مصادرة السلطات لحرّیة الطرف الآخر حیث یستکشف من ذلک أن الروایة الموافقة للسلطة قد وردت تقیّة - أو کون الراوي أفقه أو أورع، أو غیر ذلک مما ذکروه في علم الأصول ـ .

وبالنتیجة:

اتجاهان لدی العلماء حالیاً:

إما أن نقول بالتخییر بین الأدلة. وإما أن نقول بالترجیح مع وجود المرجح، وإلا فسلوک الاحتیاط أو الرجوع الی الأصل مع عدمه.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo