< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

32/11/15

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب النكاح / الزواج المدني / مراجعة

قبل أن نستأنف البحث سنحاول تلخيص ما مضى، ونذكر نقاط أساسية تفيدنا في كتاب النكاح وفي غيره.

أولا : سنذكِّر بالمنهجية العامة، كيف نصل إلى الحكم الشرعي،

ثانيا : سنذكِّر بالمنهجية العامة في العقود بشكل عام،

ثالثا : سنذكِّر بالمنهجية العامة في كتاب النكاح بشكل خاص. كيف أصل إلى الأحكام،

رابعا : سنذكِّر بمسألة الشرط الفاسد من غيره الذي جعلناه مقدمة لمسألة الزواج المدني.

أما التذكير بالمنهجية العامة:

ذكرنا أن الشبهات ثلاثة: شبهة حكمية وشبهة مفهومية وشبهة مصداقية، ولا رابع لها. وذكرنا لماذا لم نذكر الشبهة الموضوعية والشبهة العنوانية، وقلنا أن كل الشبهات ترجع إلى هذه الثلاثة.

إذن المرحلة الأولى: أن نقسم الشبهات، وأن أضع المسألة في أي خانة في أي مكان، هل هي حكمية؟ أو مفهومية؟ أو مصداقية؟.

فإذا كانت الشبهة حكمية: ومرادنا منها الشبهة في الحكم بعد وضوح المفاهيم والمصاديق، مثلا الدخان حرام أو حلال؟ فالدخان واضح معناه ومصداقه لكن لا أدري حكمه. فالشبهة الحكمية مرادنا منها خصوص اشتباه الحكم.

وقلنا ان معالجتها تكون بأربع كلمات: أبحث عن علم فإن لم أجد فعلمي، فإن لم أجد فأصل لفظي من غير العلميات، فإن لم أجد فأصل عملي، هكذا البرنامج.

والعلم يأتي من اسباب: إما علم وجداني أو إجماع قطعي أو سيرة قطعية التي هي نوع من الاجماع، إجماع عملي، أو خير متواتر أو خبر محفوف بقرينة تفيد القطع. هذا هو العلم وهو نادر في الأحكام الشرعية.

إذا لم اجد علما، انتقل إلى مرحلة العلميات. العلميات هي: ما كان من شأنه ان يفيد ظنا لكنه غير معتبر اساسا ويحتاج إلى دليل لاعتباره.

وهي سنذكرها بغض النظر عن حجيتها وعدم حجيتها: خبر الواحد، الظن المطلق، الشهرة الفتوائية وليس الشهرة الروائية والعملية، القياس، الاجماع المنقولالاستحسان، سد الذرائع، يمكن أن تصل إلى أحد عشر بابا أو سببا لأسباب الظن.

هذه العلميات التي يجب اعتبارها حتى يأخذ بها فإن لم اجد ولا علمي كما في مسألة الدخان انتقل إلى مرحلة الاصل اللفظي الذي ينحصر بأصلين، أصل العموم واصل الاطلاق والذي هو يرجع إلى أصالة الظهور.

فإذا لم أجد أصلا لفظيا انتقل إلى مرحلة الأصل العملي التي هي أربعة أصول: الاستصحاب، التخيير، البراءة، والاحتياط.

هذه مراحل كيفية معالجة الشبهة الحكمية، إذا احتملت حكم ليس هناك معنى بأن آتي بالأصل اللفظي مع وجود علمي، كالخبر، وليس هناك مجرى للأصل العملي، البراءة والاحتياط مع وجود أصل لفظي. هذا البرنامج من أين أبدأ وأين انتهي في الشبهات الحكمية.

من هنا اعرف أين موقع مباحث الالفاظ أي موقع الملازمات العقلية، اين موقع مباحث الحجة.

الشبهة المفهومية كيف نعالجها:

مثلا: مفهوم الغناء ليس واضحا، مفهوم الولد، في ولد الزنى غير واضحا، مفهوم العدالة. هناك أمور مأخوذة في الاحكام. كيف اعالجها؟.

اولا اطرق باب الشارع، فإن لم أجد اطرق باب العرف، فإن لم أجد اطرق باب اللغة الاساسية، فإن لم أجد آخذ بالقدر المتيقن من المفهوم إن كان، فإن لم أجد حينئذ اصبح الدليل مجملا وابحث عن دليل آخر.

أما الشبهة المصداقية:

وهي في حال الحكم واضح والمفهوم واضح ولكن المصداق غير واضح مثلا: " اكرم العلماء "، الاكرام واضح معناه وجوب الاكرام، الوجوب والاكرام والعلماء، أي الحكم ومتعلقه وموضوعه واضح لكن لا أدري " زيد عالم " أو لا؟ " اكرم العلماء إلا الفساق " الامور واضحة، الحكم الوجوب، الاكرام المتعلق، العلماء الموضوع، لكن لا ادري " زيد " ما هو وضعه، عالم فاسق عادل، أي المصداق ماذا أصنع؟. هناك مراحل:

أولا : ابحث عن علم بالمصداق، والعلم له مدارك مصاديق تختلف عن مدارك أو اسباب تحصيل العلم في الشبهة الحكمية أو الشبهة المفهومية، في المصداق قد يأتي دور المختبرات في الدم، يأتي دور الفحص الجيني في معرفة الولد إذا ادى إلى يقين. ولذلك هذه العلوم التطبيقية، علم الطب، الفلك، الهندسة، المختبرات الجينات، إلى آخره اين دورها؟. ليس في بيان الأحكام ولا في المفاهيم بل في بيان تحديد المصاديق تُعين المكلف على اثبات المصداق وهذا دور مهم وليس عادي في اثبات المصداق.

إذا لم أجد علما انتقل إلى العلميات المثبتة للمصاديق من قبيل البينات، الظنون المعتبرة المثبتة للمصاديق خبر الواحد العدل، خبر الثقة،

إذا لم أجد انتقل إلى القواعد العامة لإثبات المصداق مثل قاعدة اليد قاعدة سوق المسلمين. اليد هذا ملك فلان ام ليس ملكه، اليد امارة على الملكية. قاعدة سوق المسلمين لبيان الحلية والحرمة لهذا المصداق.

إذا لم أجد قواعد انتقل إلى مرحلة الاصول الموضوعية لإثبات الموضوعات.

إذا لم أجد أصبحت الشبهة مصداقية مستحكمة. وهناك آراء بحسب الشبهة المصداقية.

من هنا نجد ان مسألة الملازمات العقلية: أبحاث مقدمة الواجب، الاجزاء، اقتضاء النهي الفساد، اجتماع الامر والنهي. هذه المباحث أين موقعها؟.

موقعها في الشبهات الحكمية أو في المفاهيم اللفظية؟. بعيارة أخرى: إذا قلنا انها من مباحث الالفاظ اصبحت دلالات، وصارت تنفعني في تنقيح معنى الالفاظ، وإذا كانت ملازمات عقلية اصبحت لتنقيح الاحكام، ولذلك إذا قلنا انها ملازمات عقلية لا معنى للتعبير عنها بالدلالة، لان معنى الدلالة الفاظ ولذلك قالوا اقتضاء النهي الفساد وليس دلالة النهي على الفساد، الاقتضاء شيء والدلالة شيء آخر.

مباحث الالفاظ أين موقعها؟ في الشبهات المفهومية هي تنقيح اصالة الظهور، تنقيح صغريات مباحث حجية الظهور.

مباحث الحجة أين موقعها؟ في تنقيح صغريات العلمي في الشبهات الحكمية التي ذكرناها في خبر الواحد حجة أو لا؟ السيرة حجة أو لا؟ وإلى آخره.

هذا ملخص المنهجية العامة في كل الاستنباطات في كل الاحكام سواء كانت في المعاملات أو في العبادات.

أما المنهجية العامة في العقود

إذا شككنا بأن الصيغة شرط في عقد النكاح او لا؟ العربية شرط في عقد النكاح؟ الماضوية شرط أو لا؟ مسألة الزواج المدني الذي شرعنا البحث فيها؟ عقد الفضولي؟ المباشرة شرط في عقد النكاح او لا؟. ما هو البرنامج الذي هو أهم شيء، عندما اركز البرنامج، من أين ابدأ وأين انتهي تسهل الأمر وتصبح من التطبيقات.

البرنامج هو التالي:

ابحث عن علم، اقطع بالشرط او عدمه، فإن لم أجد علما ابحث عن أمارة عن علمي، هل هناك نصوص تبحث اشتراط الفعل الماضي مثلا. فإن لم اجد علميا ابحث عن أصل لفظي، وإجرائه يجب أن اثبت أولا، أو ان آتي بتطبيق العنوان، أن اطبق عنوان النكاح، البيع، الإجارة حين اطبقها اثبت احكامها، انه كما ذكروا أن الاحكام تابعة لعناوينها. فإذن يجب أن احقق العنوان إذا حققت العنوان يجري الأصل اللفظي، أقول: هذا بيع بأصالة الاطلاق اطرد الشروط فكل شرط مشكوك اطرده بأصل الاطلاق الذي لا يمكن اجرائه قبل اثبات العنوان، كعنوان البيع عنوان النكاح او غير ذلك. ولذلك بحثوا مسألة الحقيقة الشرعية والحقيقة اللغوية، مباحث الالفاظ اكثرها على هذا. يعني المشتق، الصحيح والاعم لأجل هذه النقطة، لأجل اثبات العنوان. في المشتق هل العنوان يثبت للمتلبس بالمبدأ أو الاعم؟.

مرحلة إثبات العنوان إذا أثبته استطيع إجراء الأصالات اللفظية، أصل الإطلاق، العموم إلى آخره.

عند إثبات الأصالات اللفظية اطرد كل الشروط، يعنى مثلا: هل صيغة الماضي هي شرط في عقد النكاح، أقول: هذا عقد نكاح باللغة الفرنسية او الفارسية، هذا عقد نكاح اشك في اشتراط لفظ الماضي أو العربية مجرد اطلاق عقد نكاح عليه اطرد الشروط جميعا، استطيع أن أقول أن كل الشروط ليس مطلوبة لإثبات العنوان، " النكاح سنتي " مطلق كما ذكروا، { وإن كنت على خلاف هذا } تزوجوا مثلا، اطلاقات الزواج النكاح ثبت العنوان أصبحت أصالة الاطلاق موجودة فكل الشروط المشكوكة استطيع أن أقول: أنا في حِلِّ منها ليس شرطا لإثبات العنوان، حينئذ تصح أصالة الاطلاق او العموم وتثبت احكام النكاح جميعا لان هذا النكاح النتيجة، البوذيون إذا عقدوا نكاحا مثلا نقول هذا نكاح حينئذ اشتراط اللغة العربية، الاصل عدم الاشتراط.

إذن يجب اثبات العنوان فإذا ثبت العنوان استطيع إجراء أصالة الإطلاق وأصالة العموم، يعني الأصالات اللفظية، فإذا لم يجرى الاصل اللفظي لأمر ما، مثلا لا استطيع اظهار الاصل اللفظي، وذكرنا ان الاصول اللفظية ترجع إلى اصالة الظهور، إذا لم يكن هناك ظهور بالإطلاق، فلا استطيع اجراء هذه الاصالة، ليست المسألة هندسية او مسطرة، اصالة الاطلاق واصالة العموم.

إذن الاصول اللفظية لم استطيع اجراءها تأتي مرحلة الاصل العملي.

والاصل العملي في المعاملات يختلف عن الاصل العملي في العبادات، في العبادات غاليا عند الشك في شرط أو جزء يكون الاصل العملي من تطبيقات الأقل والاكثر الارتباطيين، بينما في المعاملات الاصل العملي اصل الفساد أو اصالة عدم ترتب الاثر، وبينّا الفرق بين اصل الفساد واصل عدم ترتب الاثر، هناك فرق بينهما عند الاصوليين وعند الفقهاء في الاصطلاح.

س: تطبيق الأقل والاكثر ارتباطيين يكون في الاجزاء أو كثيرا عن الشرائط، الشرط واحد والاجزاء مركب.

ج: بل بالعكس يشمل الشرائط أيضا بل من ابرز مصاديقها الشرائط، يعني الأقل والاكثر ارتباطيين الشرط لا يكون إلا ارتباطيا بعكس الجزء، يمكن أن يكون لا ارتباطيا، يمكن أن يكون استقلاليا.

الشرط أيضا مركب الشرط له مدخلية إما في الماهية أو في الاحكام، قد يكون للشرط مدخلية في الماهية ليس مجرد اجزاء، بل اكثر من هذا الشرائط لا تكون إلا ارتباطيا، وهو من اوضح المصاديق بعكس الاجزاء التي يمكن ان تكون استقلالية ويمكن أن تكون ارتباطية.

ولذلك نتائج: في الاصول اللفظي اطرد الشروط، في الاصل العملي يجب الاتيان بالشرط حتى يتم الحكم أو المطلوب، يختلف حينئذ في الاصل اللفظي نتيجة عدم وجوب الاتيان بالشرط كعدم وجوب الاتيان بالعربية والماضوية في الاصل العملي يجب الاتيان بالشرط، تختلف النتيجة بين الاصل اللفظي والاصل العملي، في الاصل اللفظي انفي الشرط أما في الاصل العملي فيجب الاتيان به والسبب لأنه مثلا: انا شككت أن الماضوية أو العربية شرط في عقد النكاح أو لا؟ حينئذ ماذا اصنع؟. في الاصل اللفظي اقول هذا نكاح، فاشتراط العربية يحتاج إلى دليل، أي عندما أقول: هذا نكاح يعني اجريت اصالة الاطلاق بإطلاق النكاح عليه لا يشترط العربية لإثبات العنوان.

في مرحلة الاصل اللفظي لا يجب الاتيان بالشرط، بينما في مرحلة الاصل العملي يقول لك الاصل الفساد، يعني انت اردت ان تأتي بعقد نكاح فالأصل فساده إلا أن تأتي بالشرط، حينئذ يجب الإتيان بالعربية حتى احرز صحة العقد، لا يتم احراز العقد إلا بإتيان الشرط.

هذا البرنامج العام في كل العقود ومنها ايضا عقد النكاح.

اليوم لخصنا العقود ولخصنا المنهجية في عقد النكاح غدا سنلخص كل الادلة التي مرت ونبدأ من مسألة هل فساد الشرط يقتضي فساد المشروط أو لا؟.

ولكن بعض الدقائق لتلخيص الأدلة التي ذكرناها سابقا.

ادلة الشروط التي ذكروها:

إذا شككنا في أن العربية شرط؟ أو الماضوية شرط؟ إذا شككنا في عقد الزواج المدني صحيح أو لا؟ الشكوك التي ذكروها في الشرائط والاجزاء، تقريبا الادلة هي التالي:

أولا : قالوا بالإجماع، اجمعوا على اشتراط اللغة العربية. وذكرنا معنى الاجماع ما فيه.

ثانيا: قالوا بروايات خاصة في اشتراط العربية أو الماضوية، وبينّا أن هذه الروايات لا تدل على العربية ولا على الماضوية ولا على غير ذلك.

ثالثا: الاحتياط في الفروج، وردنناها بأمرين:

الاول: أن نفس الاصالة لم تثبت وإن اشتهرت على السنة الفقهاء.

الثاني: بالنسبة لعقد النكاح بالخصوص بالنسبة للشروط بالخصوص لو قلنا بها لا تشمل الصيغة، لان روايات الصيغة مبنية على التسهيل، لسان الصيغ التي وردت في الروايات مبنية على التسهيل، " كنا نزوج فتياتنا فتياننا ونحن نتعرق على الخوان " . هذه اصالة الاحتياط في الفروج.

رابعا: ما ذكره الشيخ الانصاري (ره) من التفريق بين النكاح والزنى بالصيغة. وأيضا رددنا ذلك.

خامسا: ما ذكروه من لزوم الهرج والمرج. وقلنا ابدا نحن نشترط العقد وعدم اتيان العقد بالعربية او بالماضوية لا تؤدي إلى الهرج ولا مرج.

سادسا: ما ذكروه من الأصل العملي أن في العقد الفساد. ورددناه أنه مع وجود الاطلاقات والعمومات اللفظية، كما ذكرنا في المنهجية مع وجود الاصل اللفظي لا يجري الاصل العملي اصلا، لا تصل النوبة اليه.

هذه الادلة الرئيسية التي ذكروها في كل الشروط والاجزاء والشرائط، ذكرناها مع ردودها واجوبتها. غدا نشرع في بحث الزواج المدني.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo