< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

32/11/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب النكاح \ الزواج المدني \ الفرق بين الحكم والحق والملك

وصل بنا الكلام في معرفة الشروط الفاسدة من غيرها في الفرق بين الحق والحكم والملك.

وسنبين ذلك مختصرا، نبين الفرق بينها، وعند الشك ما هو الذي ينبغي البناء عليه، أنه حق أو حكم.

أولا : في الفرق بينهم من جهة المعنى اللغوي

لغة الحق بمعنى الثابت " لقد حق القول عليهم " أي ثبت القول عليهم، والثلاثة بهذا المعنى حق. الملك أمر ثابت والحق والحكم، وأيضا الحكم بالمعنى اللغوي يشمل الثلاثة.

والملك ملكتك بالمعنى اللغوي جعلته في كنفي ولذلك يكون له طرفان، هو لك وله عليك، وبهذا يفترق التمليك المجاني عن الإبراء. التمليك المجاني مثل الهبة الوصية. والإبراء هو إفراغ الذمة من دون أية مسؤولية، إذا أبرأت ذمتك ليس عليك أية مسؤولية. أما الهبة والوصية فكما هي للموهوب له والموصى إليه لكن عليه مسؤوليات تجاهه، تجاه هذا المملوك الموروث، من باب الحفظ والنفقة. أنت إذا أعطيتني شاة صارت في كنفي فهي لي استفيد منها وهي أيضا مسؤولية يجب علي علفها وغير ذلك ، وبهذا يفترق التمليك المجاني عن الإبراء.

ثانيا : في الفرق بينهم من جهة المعنى اللإصطلاحي

وأما المعنى الاصطلاحي وهو ما يهمنا، فيجمع الجميع أنها جعل واعتبار محض، وإنما عبرنا محض نقصد به أنه اعتبار من دون أن يكون له منشأ انتزاع، وذلك أن الأمور بشكل عام أربعة، اثنان متأصلان واثنان غير متأصلين، بلحاظ التحقق الخارجي.

أما المتأصلان فهما الجوهر والعرض يجمعهما بيتان من الشعر.

زيد طويل ازرق ابن مالك في بيته ذا اليوم كان متكي

بيده غصن لواه فالتوى فهذه عشر مقولات سوى

واثنان غير متأصلين وهما الاعتباري والانتزاعي.

الانتزاعي ما له منشأ انتزاع في الخارج مثلا الفوقية، فالفوقية مفهوم منتزع من صورة خارجية لولاها لما استطعت هذا الانتزاع. اصطلاحا الانتزاع هو ما له منشأ انتزاع، أما الاعتباري فهو ما ليس له منشأ انتزاع، مثل الملكية، الزوجية، طبعا هذا اصطلاح وقد يستعمل أحيانا، بعض الأصوليين يستعملون الانتزاعي مكان الاعتباري والاعتباري مكان الانتزاعي. لكن هي ألفاظ لم ترد في نص، وقلنا أن الألفاظ إنما نبحثها لماذا؟ لأحد أمرين. إما أن تكون في نص فاحتاج إلى بحثها، لأن الأحكام تابعة لعناوينها، يعني أريد أن اثبت العنوان فإذا ثبت العنوان ثبت المعنون.

وإما أن يكون العنوان موجودا في نص شرعي آية أو رواية فلا بد من تحقيق معناه، الغناء موجود فلا بد من تحقيق معناه حتى اثبت له الأحكام لأن الأحكام تابعة لعناوينها.

وإما لا تكون موجودة بل هي في كلمات الفقهاء فاحتاج إلى بيان معناها حتى لا يتكلم كل منا في واد، مثل كلمة ريبة في الأمور الجنسية، غير موجودة في الروايات أو النصوص، ولكن اخذوا أبحاثا في معنى الريبة، النظر بريبة، حتى لا يتكلم كل منا في واد.

وهذه الثلاثة: الحق والحكم والملك، امور اعتبارية، محض اعتبار مجعولة من الجاعل. هذا بالمعنى اللغوي.

أما المعنى الاصطلاحي الفرق بين الحق والحكم بهذا المعنى.

أما الحكم فهو، جعل تكليف أو وضع متعلق بفعل الإنسان من حيث المنع عنه،- الخمر حرام مثلا -، أو رخصة فيه، - شرب الماء حلال - أو ترتب الأثر عليه في أمور المعاملات فيجعل الرخصة حكم والفعل موضوعه وهو لا يسقط بالإسقاط و تنقل بالنواقل سواء كانت النواقل إرادية، مثل نقل الملكية بالبيع أو نواقل قهرية مثل الإرث. لماذا لا يسقط بالإسقاط ولا ينقل بالنواقل؟. لأن أمر الحكم بيد الحاكم لا بيد المحكوم عليه، من بيده الوضع بيده الرفع.

نعم كيف يسقط الحكم؟ بأحد أمرين:

إما بالامتثال.

أو بخروجه موضوعا، فإذا خرج عن موضوعه سقط، مثل تقصير المسافر، هذان الأمران هما اللذان يسقطان الحكم.

أما الحق فهو سلطنة وهناك فرق بين السلطة والسلطنة. السلطنة مجعولة للإنسان على غيره سواء كان هذا الغير شخصا أو عرضا أو كلاهما، فالشخص كحق الأبوة وكحق المجني عليه على الجاني. والعرض كحق التحجير إذا حجرت ارض الموات أصبح لي حق الاختصاص بها، فإذا أحييتها ملكتها.

أوكلاهما أي مؤلف من عرض وشخص كالعين المستأجرة.

ثم إن الحق على المعروف على قسمين: منها ما يسقط بالإسقاط وينقل بالنواقل، ومنها لا يكون كذلك.

والمراد من الإسقاط هو قطع طرف التعلّق عن متعلَّقه، مما يؤدي إلى العفو.

والمراد من الناقل، الناقل هو تحويل طرف الإضافة من صاحب الحق إلى غيره بعوض أو مجانا.

من وجهة نظري أن الحق هو إعطاء سلطة من شخص على عرض أو شخص أو كليهما، ولا أرى أن الحق لا يقبل الإسقاط، ولو فرضنا أنه توهم أن بعض الحقوق لا تقبل الإسقاط بالواقع هي حكم وأن عبر عنها بحق. بعضهم عرّف الحق بأنه القابل للإسقاط والنقل، والحكم ما ليس قابلا للإسقاط والنقل. ولكنه تعريف بالأثر الذي يؤدي إلى الدور، يعني إذا كان حقا يقبل الإسقاط وإذا كان يقبل الإسقاط فهو حق.

حتى نوضح الفكرة جيدا نعطي مثالا معاشا في الفرق بين الحق والحكم كما ذكرنا في السير على الطريق إلى جهة اليمين هذا حكم لا يقبل الإسقاط ولا يقبل النقل بيعا أو معاوضة، لا استطيع ولا يسقط لا من الشارع الذي جعله.

مثال الحق حق المرور من أرض إلى أخرى لي حق أن أعاوض عليها، أنت ترى بنفسك الفرق بينهما، هذا سيفيدنا كثيرا.

النقطة الثانية : كيف التمييز بينهما بحسب الأدلة كل على حدا فان سقط بالإسقاط هذا يدل على أنه حق، إذا ثبت صحة نقله أيضا يدل على أنه حق وذلك بنحو الإنِّ إي من المعلول إلى العلة.

في حال الشك، مثلا الحضانة حق أو حكم؟ ماذا أفعل؟.

الحق والحكم أمران وجوديان وليس أمرا وجوديا والآخر عدمي، وهذا يقتضي أن أصالة احدهما لا تثبت الآخر لأنه أصل مثبت، في كل أمر يدور بين طرفين أو أطراف، الأمر بينهما كعلم إجمالي، وإما، أصالة احدهما لا تعني ثبوت الآخر لأن ثبوت الآخر كان باللازم العقلي، والأصل كما درسنا في علم الأصول، لا يثبت لوازمه العقلية والعرفية والعادية. وهذا في كل أمر يدور بينهما.

إذن أصل عدم احدهما لا يثبت الآخر.

ولذلك نتبع الأدلة في كل أمر على حدة، أولا نرى العلميات، فالأصل اللفظي فإن لم نجد نصل إلى مرحلة الأصل العملي. وذكرنا أن الأصل العملي عند الشك في أي جزء أو شرط أو مانع في العبادات من تطبيق مسألة الأقل والأكثر الارتباطين، وفي المعاملات تجري أصالة عدم ترتب الأثر أو أصالة الفساد.

فلو فرضنا أسقطت امرأ لي فالأصل فساد الإسقاط فيبقى الأمر على ما كان، فلو أسقطت الحضانة بناء على أنها بالنسبة للرجل حكم.

فلو أسقطت الحضانة فهل تسقط الحضانة بالإسقاط، الأصل عدم صحة الإسقاط الإسقاط فاسد أي يبقى الأمر على ما كان. لو عاوضت عليها أي نقل. فالأصل عدم صحة النقل الأصل عدم صحة المعاوضة، بهذا يكون الأصل الفساد أي يبقى الأمر على ما كان عليه.

إلى هنا ننتهي من ترتيب إجمالي للحق والحكم والملك، ونبدأ غدا إن شاء الله بأمرين: الأمر الأول أحكام الزواج المدني، نأخذ بعض الأمثلة، هي حقوق أو أحكام، هذه الأحكام تخالف الشرع ؟ هي شروط فاسدة أو لا؟ نأخذ بعض الأمثلة ثم نبحث مسألة: لو فرضنا أنه لا يؤدي إلى الفساد، فهل يؤدي إلى خيار الفسخ أو لا؟.

والحمد لله رب العالمين.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo