< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

32/11/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب النكاح \ الزواج المدني \ الفرق بين الحكم والحق والملك

 

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على نبينا محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين وعلى من تبعهم بصدق وإخلاص وإيمان إلى قيام يوم الدين. اللهم أخرجنا من ظلمات الوهم، اللهم افتح علينا أبواب رحمتك يا ارحم الراحمين ربي اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي.

بينَّا أمس الفرق بين الحكم والحق والملك، وكيفية التمييز بينها، والقاعدة عند الشك، إذا شككت أنه حق أو حكم.

اليوم طالما أن الكلام كان في الزواج المدني فلنأخذ بعض تطبيقات من الزواج المدني كيف يشترط أمر في متن العقد، فاسد أو صحيح، وإذا كان فاسدا هل يفسد العقد أو لا؟.

مثال أول : المادة 26 من مشروع القانون المدني الذي اقترحه إلياس الهراوي رئيس الجمهورية اللبناني السابق، يقول: { لا يصح الطلاق بالتراضي } أي حتى لو تراضيا على الطلاق، الطلاق غير صحيح، طبعا هذه المادة غُيِرت في المشاريع الأخرى، هذا التعبير " لا يصح "، يدل بوضوح على عدم صحة الطلاق لو تم بين الزوج والزوجة ولو كان بالتراضي فالطلاق غير صحيح، ونحن نعلم أن الطلاق شرعا لو كان بشروطه فهو صحيح وهو حكم، يعني صحة الطلاق من الرجل إن كان بشروطه حكم مجعول من قبل الشارع، من قبيل قوله: { شرب الماء حلال }، إذن هو حكم يعني كما ذكرنا لا يسقط بالإسقاط ولا ينقل بالنواقل، لماذا لا يسقط بالإسقاط؟. لأنه كما ذكرنا أمس الحكم أمره بيد الجاعل، بيد الحاكم لا بيد المحكوم عليه، والمثال الذي طرحناه، وجوب سير السيارات إلى جهة اليمين، هذا لا يستطيع أحد أن يسقطه، لا يستطيع إسقاطه إلا الذي جعله، { من بيده الوضع بيده الرفع } وقلنا ان الحكم يسقط: إما أن الجاعل يسقطه أو بالامتثال أو بخروجه عن الموضوع، فيما عدا ذلك الحكم لا يسقط.

هذه المادة، { لا يصح الطلاق بالتراضي }، من أوضح مصاديق ما ورد في قوله (ع) " حرّم حلالا " الرواية المشهورة في كتب الروايات" المؤمنون عند شروطهم إلا ما أحل حراما أو حرم حلالا " لأننا قلنا أن في هذه الفقرة " حرم حلالا " تحتاج إلى بيان وتفسير لان معظم الشروط تمنع، لان التحريم كاف بمعنى المنع، الشروط هي مانعة من الحلال، لذلك قلنا " حرم حلالا " بمعنى إسقاط حكم.

من هنا نلفت النظر إلى الفرق بين نوعين من الشروط: تارة يشترط في العقد عدم صحة الطلاق، وهذا باطل قطعا، لأنه إسقاط حكم، إسقاط جعل، الطلاق صحيح أنت أسقطته.

وتارة يشترط في العقد أن لا يطلقها، تقول له: " بشرط أن لا تطلقني "، هناك فرق بينهما.

الأول إسقاط حكم، والثاني عدم العمل بحكم، وهذا من قبيل: " زوجتك نفسي بشرط أن لا تشرب من الماء الفلاني أو لا تذهب إلى فلان " .

عدم تفعيل حكم مع بقائه، وهذا لا مانع منه بالمبدأ، وهذا مبحث يحتاج إلى بيان إلى بحث، سنبحث هذا الموضوع عند الكلام في أحكام الشروط في عقد الزوجية إن شاء الله تعالى.

مثال آخر: المادة 27 البند السادس السبب الثالث من أسباب الطلاق: { الغيبة المنقطعة خمس سنوات على الأقل }. وهنا أمور:

الأمر الأول : أن الغيبة المنقطعة ليست المراد منها فقدان الزوج أو الزوجة ، فقدان الشريك، بل المراد منها غياب معلومٌ منقطعٌ له حد.

الأمر الثاني : أن الطلاق إن كان من قبل الزوج فهو صحيح لا لأجل الشرط بل لكون الطلاق بيده، لا لأجل الخمس سنوات غيبة منقطعة بل لأنه في الشرع الطلاق بيده، مجرد أن تتم شروط الطلاق يصح، فطلاقه بعد خمس سنوات من مصاديق كلي أن الطلاق بيده، فالطلاق صحيح ليس لأنه من أسباب الطلاق.

الأمر الثالث : في هذا الباب الطلاق إن كان من قبل الزوجة في حال كان الغائب هو الزوج، فهو باطل إجماعا لأنه إسقاط حكم، الطلاق بيد من أخذ بالساق، وإجماعا أن الطلاق بيد الرجل لا بيد المرأة. وهذا الكلام نبحثه في باب الطلاق إن شاء الله. فالزوجة عندما تطلِّق هذا خلاف الشرع خلاف المجعول، هو إسقاط حكم ليس أنه حق، فهذا الشرط أيضا باطل، نعم إذا غاب الرجل خمس سنوات عنها شرعا لها الحق أن ترفع أمرها إلى الحاكم الشرعي، وهنا ينظر ويرى، وحينئذ إذا ثبتت أسباب الطلاق يطلقها الحاكم طلاقا إن لم يطلقها زوجها، وهذا لا مانع منه وليس إسقاط حكم.

مثال ثالث : السبب الثالث من أسباب الطلاق الجنون شروط مرور سنة كاملة على تثبت الأطباء من استحالة الشفاء }. هذا البند أيضا يخالف الشرع لان الجنون موضوع للفسخ وليس للطلاق. هنا لو كانت المرأة هي المجنونة مثلا إذا طلق الرجل فهذا تطبيق للشرع، لا توجد مشكلة، وليس للجنون، بل لان بيده الطلاق، مجنونه أم غير مجنونة لأنها زوجته، وهذا لا مشكلة فيه لو كان هكذا. هم يقولون لأن الجنون من أسباب الطلاق يعني يحق للطرف الأخر أن يطلق.

هنا الجنون ليس موضوعا للطلاق، هو موضوع لجواز الفسخ، يحق للطرف الآخر أن يفسخ بتفاصيل يذكرونها ولا نذكرها الآن لأنها ليست موضوعنا. هذا إسقاط حكم، هذا البند فاسد، شرط فاسد.

مثال رابع : الإرث { الذكر والأنثى سواء في الإرث }.

والارث اجماعا حكم، أنه:

أولا : أن يرث.

وثانيا : للذكر مثل حظ الأنثيين.

أنت عندما تسقط حكما شرعيا، فهذا البند باطل، هذا الشرط باطل حتى لو ذكرته في متن عقد الزواج. طبعا إلا أن ترث ثم تتنازل المرأة عن نصف أو جزء من ارثها أو كله، وهنا لا مشكلة، هنا تنازل بعد ارثها وليس إسقاط حكم. ولكن على أن لا يرث على أن يكون للذكر كالأنثيين، هذا إسقاط حكم، فالشرط باطل.

مثال آخر: العدّة، في بعض القوانين العدّة عشرة أشهر. فمعنى ذلك أن العدّة ليست ثلاثة أقراء أو حسب الحالات، الشهور أو الوضع، هناك كان عندي حكم شرعي ليس حقا وليس ملكا، ليس لي أن أتنازل عنه، أنا عند ذِكر هذا البند عشرة أشهر كأني اشترطه في المتن. إذا كانت المرجعية هي المحكمة المدنية، ولذلك يكون هذا البند شرطا فاسدا.

على أي حال البنود تختلف من بلد إلى بلد ومن قانون إلى قانون ومن مشروع قانون إلى مشروع قانون، نحن في لبنان إلى الآن هناك خمسة مشاريع، قوانين للزواج المدني تختلف في كثير من بنودها مثل المذاهب، لذلك نأخذ كل بند على حدة والمحكمة المرجعية هي التي تفرض شروطها.

أمر أخير أحب أن ننهي مسألتنا به: بنود الزواج المدني، الدوافع للزواج المدني.

في البدايات انطلق الزواج المدني من أوروبا وكان حاجة للناس، الناس لا تستطيعون تحمل أحكام الكنيسة، يريدون طلاقا، في الكنيسة ليس هناك طلاق، ويريدون انفصالا، ليس هناك انفصال، هناك هجر، ومعنى الهجر أن تبقى زوجته، لكن لا تستطيع أن تمارس أي شيء ولا هو يستطيع أن يفعل شيئا، سبع سنوات أو عشر سنوات على خلاف مذاهبهم. بدأت الصيحة في أوروبا ضدهم، فاخترعوا أمرا اسمه الزواج المدني أبعدوه عن الكنيسة وانطلقت الفكرة من هناك، بعد ذلك أرادوا نقله إلينا ونحن لسنا بحاجة إليه.

والدوافع الحقيقية: إذا رأيت هذه الأحكام والقوانين، هم أعطوا صورة لامعة للزواج المدني أنه حرية، لكن وجدنا من خلال هذه القوانين أنها ليست حرية. الطلاق بالتراضي ممنوع، أين الحرية؟ فإذا تراضيا على طلاق ممنوع،أينا لحرية ؟ هو مجرد إبعاد عن وضع ديني. إذن يريدون بأعماق الدوافع، على ما اعتقد إخراج الدين من الحياة الشخصية للإنسان، من الأحوال الشخصية. في المرحلة الأولى اخرجوا الدين من الحياة العامة، الاقتصادية والاجتماعية والعقارية والجزائية وغيره.

بداية إذا لاحظنا من حوالي مئة وخمسين سنة بدأت تصنف المحاكم إلى قسمين: محاكم شرعية، يعني أحوال شخصية، زواج، طلاق، إرث، وصايا إلى آخره.

ومحاكم مدنية يعني أمور مالية. جزائية. عقارية. اقتصادية إلى آخره.

يعني إيحاء للناس أن الدين لا علاقة له في أمور العقارات والجزائيات، حتى صار شبه مرتكز عند الناس. أخرَجوا الدين من ساحة الحياة العامة في غير الأحوال الشخصية الآن يريدون إخراج الدين من الأحوال الشخصية من الزواج والطلاق وغيره، بحجة أن المسيحي يريد أن يتزوج مسلمة أو غير ذلك، بحجة صهر المجتمع، ونحن نعلم أن الزواج لا علاقة له بصهر المجتمع ففي يوغسلافيا، سبعين سنة من الزواج المدني ثم عندما أرادت السياسة أن تفتعل أمرا مذهبيا طائفيا افتعلته. في إيرلاندا، عشرات السنين من الزواج المدني، ومع ذلك عندما تريد السياسة أن تفعل شيئا فعلته. والعكس الزواج بين السنة والشيعة من مئات السنين بل من صدر الإسلام عندما أرادوا شيئا من الفتنة فعلوه، نعم الزواج في المجتمع له أثر لكن الأثر الأكبر هو للتوجيه وللثقافة، ولعله إذا طبق الزواج المدني يبقى للدين ساحة واحدة وهي العبادات فقط، ثم بعد ذلك يمكن اختراع أمر يخرج الدين حتى العبادات والمساجد. عندما نريد القيم، القيم هي بيد الأنبياء ويجب أن تكون بيد الأنبياء، وعندما سحبت القيم الإنسانية من أيدي الأنبياء وجعلت للناس كانت المآسي على وجه الأرض، لأن الإنسان العادي يتبع الأوهام، دائما له جهة أو جهتين أو هوايتين، النبي مرسل من الله عز وجل ينظر للأمور بشكل واسع عام وليس من جهة واحدة.

إلى هنا نكون انتهينا من التطبيقات، غدا إن شاء الله نبحث مسألة هل أن فساد الشرط- هذه أمور فاسدة - يؤدي إلى فساد المشروط أو لا؟.

تارة نتكلم بشكل عام في كل العقود أولاَ. وثانيا في خصوص عقد النكاح.

 

والحمد للهرب العالمين.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo