< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

33/01/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب النكاح \ الزواج المدني \ صحة العقد مع فساد الشرط

وصلنا بنا الكلام إلى الدليل الثالث

الدليل الثالث:

ما ذكروه أو ما اشتهر بينهم حتى أصبح شبه متسالم أن النكاح فيه شائبة العبادة، والعبادة لا تتحمل الفسخ أو خيار الفسخ، فكذلك النكاح لا يتحمل ذلك.

إنما قالوا أن النكاح فيه شائبة العبادة، منشأ هذه المقولة لعله كثرة الروايات الواردة في استحباب الزواج والنكاح بكل أقسامه، بل وثواب الآثار المترتبة عليه، حتى غسل الجنابة، حتى ماء الغسل.

فقالوا: أن فيه شائبة العبادة وإنما لم يقولوا عبادة لأن ذلك يحتاج إلى دليل. هناك عقود عبادية، كالصدقة عقد عبادي، وهي عينها الهبة، جميع شروط الهبة موجودة في الصدقة، كل شروط الصحة وعدمها إلى آخره كلها موجودة في الصدقة، إلا أن الصدقة عقد لازم والهبة عقد جائز، عدا الاستثناءات، الأصل في الهبة الجواز، إذا وهبتك شيئا، لي الحق أن استرده بخلاف الصدقة إذا تصدقت ليس لي الحق بالرجوع.

قالوا الفرق بين الصدقة والهبة أن الهبة عقد توصلي لا عبادة فيه ولذلك جاز الرجوع، أما الصدقة فهي عقد عبادي، ولذلك قالوا أنه لا يجوز الرجوع فيه، العلاقة مع الله.

ولذلك فرقنا بين الوعد والنذر أو اليمين. الوعد يجوز خلفه، قالوا لأنه ليس مع الله أما النذر فهو مع الله.

ويرد عليه

أولا:

أن هذا العنوان فيه شائبة العبادة. لم يثبت، لا نسلم به وإن اشتهر على ألسنتهم، وقد نفاه كثيرون. نعم هو مفهوم متصيد، تصيد من نصوص الثواب، وطبعا على الرغم من أن عقد النكاح له أهمية كبرى في نظام المجتمع ونظرة الشارع إليه، مما جعل فيه ثوابا كبيرا وأحكاما كثيرة أيضا، عندما يحصل عقد الزواج ليس مجرد عقد هناك مستتبعات هناك آثار، أحكام كثيرة جدا، من النفقات إلى الحضانة إلى تربية الأولاد إلى البر، الإرث إلى آخره.

لكن اختلاف النكاح عن بقية العقود لا يعني أنه أصبح عبادة أو فيه شائبة العبادة، كل عقد يختلف عن الآخر، لكن كثرة الاختلاف لا تعني ثبوت عناوين تحتاج إلى دليل. هذا أولا.

ثانيا: إن مجرد كونه عبادة أصبح غير قابل للفسخ هناك عبادات قابلة للفسخ مع الاشتراط، من قبيل الإحرام والاعتكاف. في الاعتكاف نعلم أنه ثلاثة أيام، في اليوم الأول يستطيع المعتكف أن يخرج من المسجد في اليوم الثاني كذلك فإذا دخل اليوم الثالث لا يستطيع الخروج بعد، إلا إذا اشترط أي حين عقد نية الاعتكاف يشترط الخروج. فهذا الدليل أيضا لا نسلم به.

الدليل الرابع:

النكاح كما في الروايات إما ثلاثة أو أربعة: دائم نكاح بإرث، ونكاح بغير إرث وهو المنقطع، وملك يمين. وفي حديث آخر النكاح أربعة: الدائم والمنقطع وملك اليمين والتحليل. لذلك حدث خلاف بأن التحليل هو يعود إلى هذه الثلاثة أو هو أمر رابع، ولذلك قلنا أن هناك فرقا بين مفهوم النكاح ومفهوم الزواج. الزواج ينقسم إلى قسمين، وملك اليمين ليس زواجا. اختلاف التقسيم يعني اختلافا في المفهوم، قبول التقسيم إلى ثلاثة وهنا إلى اثنين يعني اختلاف المفهوم.

فالنكاح ثلاثة ومع الخيار لا يكون دائما، هذه نقطة التفت إليه بعض الفقهاء، قالوا: مع الخيار لا يكون دائما، لان إنشاء الشرط مرجعه إلى تضييق دائرة المنشأ، فخيار الفسخ ينافي الدوام.

وأما المنقطع فخيار الفسخ ينافيه أيضا، وذلك أن المنقطع مشروط فيه تعيين الأجل ومع الخيار لا يدري متى سيفسخ.

يريد أن يقول: أن الزواج دائم ومنقطع، أما الدائم فمجرد أن اشترط ضيقت الدائرة ككل العمومات، مثلا: " أكرم عالما " أمر مطلق فإذا قيّدته " بأكرم عالما مؤمنا " ضاقت الدائرة، وإذا قيدته " أكرم عالما مؤمنا، شاعرا " كلما زدت قيدا كلما ضاقت الدائرة إلى أن قد تنحصر بواحد، ومع ذلك يبقى كليا حتى ولو انحصر بواحد، كما في زمن آدم (ع) ليس هناك رجل آخر في الدنيا فلو صدر أمر إلى حواء بإكرام رجل لا يصبح آدم علما بل يبقى كليا عاما نكرة، كل ما في الأمر أنه انحصر بواحد، الانحصار لا يعني أنه أصبح علما بل يبقى نكرة عاما، يبقى اسم جنس.

في عقد الزواج حدث اشتراط، الشرط يقيد المشروط فتضيق دائرة المنشأ. فالمستدل على ثبوت الخيار يقال: أن إنشاء الشرط مرجعه إلى تضيق دائرة المنشأ، فخيار الفسخ ينافي الدوام – عندما تقول خيار الفسخ أي ليس دائما، يمكن أن يفسخ في أي وقت-. وأما المنقطع فخيار الفسخ أيضا ينافيه، لان المنقطع فيه تعين أجل، فلا معنى للفسخ وهو ينافي تعين الأجل.

إذن عقد النكاح المشروط بخيار الفسخ ليس دائما لأنه ينافي الدوام، وليس منقطعا لأنه ينافي التوقيت. لا دائم ولا منقطع، ولا هو ملك يمين، إذن هذا ليس نكاحا ولا هو تحليل، هذا عقد آخر، ولذلك قال بعض الفقهاء أن عقد الزواج بشرط الخيار عقد آخر ليس زواجا، عقد جديد مخترع.

يرد عليه:

أولا: أن خيار الفسخ لا ينافيه الدوام. كما في بقية العقود، البيع عقد، وطبيعة البيع الاستمرار خيار الفسخ لا يتناف مع استمراره، لذلك ذكرنا أن تقيد دائرة المنشأ لا يعني نفي الماهية، لم يصبح علما يبقى نكرة أسم جنس، ولو انحصر بواحد، ولم يصبح عقدا آخر، مفهوم رجل حتى ولو انحصر بشخص واحد يبقى اسم جنس نكرة، حتى لو لم يكن هناك أي فرد، انحصاره بشخص لا يعني انقلاب مفهومه. وهنا أيضا اشتراط الخيار لا يعني اختلاف مفهومه، مع تقيد دائرة المنشأ يبقى دائما.

فخيار الفسخ لا ينافي الدوام كما في بقية العقود، نعم يكون العقد مع خيار الفسخ متزلزلا لا أنه قد تغير مفهومه، لا يزال عقد بيع عقد نكاح، كل ما في الأمر أنه متزلزل لا ندري متى سيفسخ، والتزلزل لا يعني منافاة المفهوم وأنه أصبح عقدا آخر.

ثانيا: أن الخيار ثبت في بعض الأمور في عقد النكاح، خيار العيب والتدليس، ثبت هذا إجماعا ونصا، فهل تغيير مفهومه؟ هل تضيق دائرة المنشأ. هنا أدت إلى تغيير العنوان، فما زال عقد الزواج زواج ودائم ولو فيه خيار الفسخ.

ثالثا: أما بالنسبة للعقد المنقطع قالوا: إن التوقيت ينافي الخيار، الجواب: أنت تفرض كبرى غير مسلمة، لماذا نقول أن التوقيت ينافي الخيار؟. قد يقال مجرد التوقيت هو سينهي العقد، فما الداعي للخيار؟. هذه هي الفكرة الأساسية انه ليس عقدا منقطعا لأن المنقطع توقيت والتوقيت ينافي الخيار.

نقول: الإجارة لمدة معينة مثل: آجرتك الدار لمدة سنة، ومع ذلك يجوز فيها الخيار. التوقيت شيء والخيار شيء آخر، كل منها له أحكام تختلف عن الآخر.

الدليل الخامس:

اللزوم في عقد النكاح، حكم وليس حقا، والحكم لا يجوز فيه الفسخ والرجوع والتقايل لان الحكم رفعه ووضعه بيد الحاكم أو الشارع، أما الحق فهو سلطة معطاة إلى طرف فيحق له التخلي عنه. وذكرنا هذه المسألة تفصيلا في الفرق بين الحكم والحق.

فاللزوم في عقد النكاح حكم ولذلك لا يجوز فسخه ولا يجوز اشتراط خيار الفسخ، ولذلك الدليل على أنه

حكم وليس حقا أنه لا يقبل التقايل.

ولو جاز اشتراط الفسخ في عقد النكاح لصح التقايل.

ويرد عليه:

مقدمة: العقد أمر لازم، صحة التقايل في العقد أمر آخر ليس كل عقد قابل للتقايل، لا يوجد هكذا قاعدة، فالتقايل يحتاج إلى دليل، إلى إثبات، فمجرد عدم قبول التقايل لا يعني حكما باللزوم، إذ لعل منشأ عدم قبوله التقايل وجود بديل عن التقايل وهو الطلاق، بعكس البيع لا طلاق فيه بل هناك فسخ وتقايل، فلا يعني هذا أن اللزوم اصبح حكما ولا يجوز التنازل عنه.

الدليل السادس:

السيرة العقلائية ولعله بعد الإجماع أكثر الأدلة قوة، ويحتاج في رده إلى التفات. قالوا: أن السيرة العقلائية والمتشرعية والعرفية. على أن الزواج الدائم هو علقة ملزمة لا تقبل الانفكاك إلا بالطلاق. وهذا أمر ثابت وقلنا أن الشارع استخدم ما وضعه العقلاء حيث اخترعوا وضعية الزواج لترتيب أحكام، وسماه كثيرون حكما وضعيا، ونحن أسميناه استعمالا، كان موجودا قبل الإسلام وبعده، عند الكفار وغيرهم، فاستخدمه الشارع، اخترعه الناس لتنظيم العلاقة بين الرجل والمرأة، فاستعمله الشارع، هو عبارة عن استعمال كما استعمل الحروف والأرقام، شيء موجود استفاد منه، وتدخل في الشرائط والأحكام لكنه لم يتدخل في أصل المفهوم.

عندما تكون السيرة في كل الدنيا على أنه ليس هناك فسخ في النكاح في كل الأديان وعند الكفار والعلمانيين، كان عقد النكاح أمرا مستمر، ليس هناك شيء اسمه خيار الفسخ، نعم هناك طلاق، وفرق بين الفسخ والطلاق، وفرق بين الطلاق وإبطال العقد، وإن كان في تشريعات أخرى لا يفرقون بين الطلاق وإبطال العقد.

هناك فرق بين الفسخ والطلاق وإبطال العقد، في الأحكام والمفهوم. إبطال العقد يعني من أساسه. الفسخ من حين الفسخ، وله أحكام أخرى. الطلاق أمر آخر شرعه الشارع لكيفية الفراق. هناك ثلاثة مفاهيم إبطال الزواج، فسخ عقد الزواج، والطلاق.

فقالوا: إننا نجد في سيرة الناس السيرة العامة نجد أنه ليس هناك فسخ وإنما طلاق والشارع استخدم ما عند الناس أمضى ما عند الناس وحكم بما عندهم، يعني حكم بالزواج وهو لا يقبل الفسخ، فأصبح عدم قبول الفسخ سيرة عقلائة أمضاها الشارع.

فإذن عند الشارع أيضا ليس هناك فسخ، هذه السيرة لم يردع عنها الشارع بل أمضاها، إلا ما ثبت من أسباب الفسخ، بالعيب والتدليس.

ويرد عليه:

هذا مسلم أن السيرة على ذلك، جعلوا الزواج ووضعوه لتنظيم علاقتهم بدون فسخ. لكن لا نسلم أنهم جعلوه بدون فسخ، هذا القيد لا نسلم به فإنه وإن لم يوجد خيار فسخ في الزواج فلا يعني أن الزواج مبني على عدم الفسخ أو لا؟ الناس اعتادت على ترك الفسخ حتى ظننا أنه أصبح دخيلا في المفهوم.

بعبارة أخرى: السيرة متى تكون معتبرة شرعا، ليس مجرد أن الناس مشت على ذلك اعتادت بل في حالتين: إما أن يكون عدم الفسخ دخيلا في مفهوم الزواج وإما مبني عليه عقد الزواج.

وسيأتي الجواب في الدرس القادم.

 

والحمد لله رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo