< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

33/01/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب النكاح \ الزواج المدني \ صحة العقد مع فساد الشرط

كان الكلام في الدليل السادس: وهو السيرة العقلائية والمتشرعية والعرفية، كل أنواع السيرة التي يمكن ملاحظتها على ان الزواج بطبعه دائم، علقة ملزمة لازمة لا تقبل الانفكاك ولا تقبل التقايل، وانفكاكها بأمر وحيد وهو الطلاق، لا يكون الفراق والانفصال بين الزوجين إلا بالطلاق، وهذه سيرة عامة لم يردع عنها الشارع، لم يثبت خلافها، ولذلك نستطيع أن نقول أنها معتبرة.

والجواب: أن هذا غير مسلم، نسلم بثبوت مسلك الناس على ذلك، أنه لا يوجد خيار فسخ في الزواج لكن عدم اعتياد الناس على ذلك لا يعني أن هذه العادة أصبحت حجة معتبرة و" أوفوا بالعقود " تعني أن نفس العقد ممضى وأيضا لوازمه، فإذا أصبح اللازم دخيلا في المفهوم أو كان بحيث أن العرف يعتبره أمرا قانونيا، حين إذن يصبح معتبرا، أما مجرد عادة فلا يكون أمرا معتبرا.

فليس مجرد اعتياد الناس على شيء وكان متصلا يعصر المعصوم (ع) يصبح معتبرا وحجة.

والميزان في كون اللازم معتبرا في العرف هو التالي: إن كان تركه مستغربا فليس بقانوني عند العرف لأنه من باب ترك المألوف، وإن كان مستنكرا فهو قانوني لأنه من باب ترك الحق. وشتان ما بين الاستغراب والاستنكار، وما بين ترك المألوف وترك الحق، فإن الأول جائز والثاني باطل.

من باب التقريب ذكرنا أن صلاة النافلة، مثلا صلاة الليل إذا صلاها احد ماشيا ونحن نعلم إن صلاة الليل ماشيا لا يشترط فيها استقبال القبلة. عندما يقال أنك تستطيع أن تصلي كذلك ويستغرب منك ذلك، هناك استغراب لكن لا يستنكر ذلك لأنه أمر شرعي.

سمعت في التلفاز بالنسبة للزواج، أن شابا وفتاة سجلا زواجا لمدة سنتين قابلا للتجديد وذلك في اسبانيا، وبدأ المذيع يثني على هذا التطور في الفكر الاجتماعي عندهم.

التعليق على ذلك إن هذا الزواج زواج منقطع قابل للتجديد عند الطرفين، عندنا تطور في الفكر الاجتماعي قبلهم بكثير، لكن للوهلة الأولى أمر مستغرب، العاقدان بعد سنتين يراجعان أنفسهما فإن أرادا الاستمرار وإلا فلا، شيء غريب لكن هل خرجا عن أسم الزواج؟ أبدا. هل خرجا عن ماهية الزواج؟ لا يزال أسمه زواجا حتى عندهم، وليس عقدا جديدا آخر.

وسمعت من بعض الأخوة أنه في ألمانيا الآن يدرسون مسألة قانونية، هل يمكن في كل سبع سنوات أن يعاد النظر في عقد الزواج إذا أرادت الزوجة أو الزوج فسخ العقد؟.

السؤال هنا: عندما يبحثون هذه المسألة هل خرج عن مفهوم الزواج؟ أبدا. من يسمع يستغرب هذا العقد ولكن يقول أنه زواج، وغريب هذه الأحكام هذا النمط. الاستغراب شيء والاستنكار شيء آخر، لا يستنكرون ذلك ولو استنكروه لما بحثوه من الأصل، ولذلك نجد بعض أبناء العامة يستغرب مسألة الزواج المنقطع، ولولا النص الموجود لأصبح مشكلة. وقلنا في الغرب عندما يبحثون مسألة الزواج وفسخه، ونحن نعلم أن عندهم علاقات أخرى وهي شبه قانونية، علاقات جنسية بين الرجل والمرأة. الزواج والمساكنة والمصاحبة والزنا. وكل منها له أحكامه. المساكنة والمصاحبة والزنا ليس زواجا عندهم، له أحكام خاصة وتختلف كليا.

الشاهد فيما نقول أنهم بحثوا في انقطاع الزواج في خيار الفسخ ولم يخرج عن مفهوم الزواج. إذن الدوام ليس دخيلا في مفهوم العقد، ولا أنه من اللوازم التي لا تنفك عن مفهوم العقد، نعم اعتاد الناس على ذلك، والاعتياد لا يعني أبدا أننا لا نبحث به.

فائدة استطرادية: ذكرنا سابقا هناك ثلاثة تعبيرات عند الأصوليين والفقهاء يقولون: سيرة العقلاء، حكم العقلاء، بناء العقلاء.

ما الفرق بين هذه الثلاثة: قلنا أن السيرة عبارة عن مسلك، منشأه حاجة عقلائية، ولذلك يشمل العادات والتقاليد وغير ذلك، من قبيل ما هو عندنا عندما يكون هناك مناسبة موت اسبوع أو تشيع، صاحب العزاء هو الذي يصنع الطعام للمعزين. وسبب هذه العادة قدوم الناس من هنا وهناك فلا بد من واجب معين. وهذا خلاف الشرع المشروع، الناس هي التي تصنع الطعام لصاحب العزاء لثلاثة أيام. هذه العادة تخالف الشرع المروي، لكن سببها حضور المعزين من أمكنة مختلفة، العادة لها منشأ فإن انتهى المنشأ تنتهي العادة هذا المسلك.

فإذن السيرة هي مسلك، أما حكم العقلاء فهو حكم.

وهناك فرق بين حكم العقل وحكم العقلاء، فحكم العقلاء هو الآراء المحمودة والعقل العملي بحيث لو اجتمعوا لحكموا به، مثل: العدل حسن، ولا علاقة له بالعادات والتقاليد، أما حكم العقل فهو يحكم ولو كان منفردا، وهو حكم العقل النظري، مثل: واحد زائد واحد يساوي اثنين.

وهناك اصطلاح آخر وهو بناء العقلاء وقد يطلق أحيانا على السيرة أنه تبانوا على ذلك بمعنى أنه مسلكهم وذلك مثل العمل بالخبر الواحد، العمل به سيرة وقد تسمى بناء وليس حكما عقلائيا ولا عقليا. هذا هو الفرق وللأسف احيانا تستعمل بدل الكلمات مكان الأخرى وهو غير سليم استعمالا تساهليا، وتركيز المصطلحات أمر مهم لفهم ما يقال ويقرأ.

إذن الجواب على الاستدلال بالسيرة أن الدوام ليس دخيلا في مفهوم الزواج، ولذلك خيار الفسخ ثبت في العيب ولم يخرجه عن مفهوم الزواج، ثبت في التدليس ولم يخرجه عن مفهوم الزواج وكذلك ثبت في بعض الشروط. فإذا ثبت مفهوم الزواج ينطبق " أوفوا بالعقود " تأتي وتأتي كل الشروط أيضا.

بل يمنك القول إن العقلاء سيرتهم أو مبناهم على خلاف أنه ليس هناك خيار فسخ عند تخلف الشرط.

فلو أن زواجا تم على شرط فان لم يفعله قد يقال أن لها حق الفسخ حين ذلك مع تخلف الشرط. هذا عقلائيا غير مستنكر وإن كان ليس ديدنهم ذلك، ليست سيرتهم على ذلك.

الدليل السابع: أن تشريع عقد المتعة، العقد الموقت يدل باللازم عرفا على أن النكاح الدائم لا يقبل خيار الفسخ إذ لو كان خيار الفسخ جائزا في الدائم لكان مغنيا عن تشريع العقد المنقطع. الدليل هو لو كان خيار الفسخ صحيحا لاستغنينا به عن العقد المنقطع، ساعة تشاء تشترط ذلك وتفسخ، فنفس تشريع عقد منقطع معناه أنه ليس خيار الفسخ لذلك، هي تتحكم بالوقت أو هو. هذا دليل بعضهم. الفسخ يجعل الوقت بين الطرفين فلا معنى لتشريع الزواج الموقت.

والجواب: لا مانع من تشريع التوقيت، ولا تنافي مع خيار الفسخ، لان لكل منهما أحكامه. ألا ترى كما ذكرنا في المثال أن الإجارة تكون لوقت معين، ومع ذلك تقبل خيار الفسخ.

الدليل الثامن: ما دل على حصر الفراق في العقد الدائم بالطلاق. إذ لو كان الانفصال ممكنا بخيار الفسخ لبيَّنه.

نذكر الروايات: ما رواه في الكافي باسنادين: عن ابراهيم بن الفضل عن أبان بن تغلب قال: ( قلت لابي عبد الله (ع) فإني استحي أن اذكر شرط الايام – الحياء لاستغراب الناس في تحديد الايام والاسابيع – قال (ع) هو اضر عليك، قلت وكيف قال: لأنك إن لم تشترط كان تزويج مقام – دائم – ولزمتك النفقة في العِدَّة وكانت وارثا ولم تقدر على أن تطلقها إلا طلاق السنة ). - أي شاهدين وطهر إلى آخر الشروط -.

كيفية الاستدلال أن الإمام حصر الفراق بالطلاق ولم يذكر خيار الفسخ.

رواية أخرى: ما رواه الشيخ عن احمد بن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن موسى ابن سعدان عن عبد الله بن قاسم عن الشهاب بن سالم قال: ( قلت لابي عبد الله (ع): أتزوج المرأة متعة مرّة مبهمة، فقال: ذلك أشد عليك ترثها وترثك، ولا يجوز لك أن تطلقها إلا على طهر وشاهدين ).

الاستدلال بالرواية بنفس الكيفية السابقة، أنه حصر الانفصال بالطلاق، قال لا تستطيع أن تطلقها إلا على طهر وشاهدين. كلامنا في الروايتين في حصر الانفصال بالطلاق، ولو كان خيار الفسخ صحيحا لعلَّمه الإمام (ع) ذلك.

الجواب:

أولا: في اسناد الروايتين خلل.

وثانيا: أن مدلول الخبرين لا يشمل ما نحن فيه، فإنه في مقام بيان حكم ما لو لم يذكر الأجل بعد وقوع العقد، السائل لم يسأل الإمام كيف يتم الانفصال، ولو كان كذلك لكان جواب الإمام شاملا: إما بانتهاء المدة أو بالطلاق أو بخيار الفسخ أو بالارتداد، حينئذ يتم الكلام.

بل قال السائل هكذا فعلت، فماذا افعل؟.

الدليل التاسع: الروايات التي تدل على بطلان خيار الفسخ بدلالة بطلان شرطه، نصوص معتبرة. بمعنى أنه إذا اشترطت عليه أن لا يتزوج عليها، الإمام (ع) يجيب بان شرط الله قبل شرطكم.

هناك روايات صحيحة معتبرة متعارضة في المقام كيف نخرج من هذا التعارض؟. يأتي الكلام

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo