< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

33/03/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب النكاح/ العقد الفضولي/ أدلة الصحة

كان الكلام في النقض الذي وجهه صاحب الحدائق في الكلية، التي ذكروها وهي أن النهي عن المعاملة يقتضي فسادها وقال أعجب من هذه الكلية التي يخالفها حملهم للروايات على الفساد. يقول: ومن تتبع كتاب النكاح والبيع لوجد أن أدلة الفساد من الروايات، الرواية لا تقول إن هذا يؤدي إلى الفساد بل مضمونها نهي عن الجزء أو عن الشرط أو عن المعاملة بنفسها، فاستفادوا منها الفساد، فكيف هذه الكلية موجودة والروايات يستفيدون منها الفساد.

يقول: والذي يخطر بالبال انه تارة يكون النهي متعلقا بالمعقود عليه، فيدل على عدم قابليته وصلاحيته، فيكون دالا على الفساد، وتارة يكون النهي متعلقا باعتبار أمر خارج، من زمان ومكان أو حالة، فلا يدل على الفساد.

بل يقول " ربما لا يدل على الفساد " فتكون هذه القاعدة إنما هي في خصوص ما كان باعتبار خارج عن المقدور عليه، فصار النهي عن الفساد هو في خصوص هذه الجهة أي باعتبار ما هو خارج.

ثم يؤيد كلامه (ره) في المسالك في مسألة نكاح بنت الأخت وبنت العمة. قلنا إن هذا الكلام غريب منه (ره) من شخص في هذا المقام العالي فهو يقول: ( وما ذكروه من هذه الكلية – أي النهي لا يقتضي الفساد – إنما هو اصطلاح أصولي لا تساعد عليه الآيات والروايات على إطلاقها كما لا يخفى على من أعطى المسألة حقها من التتبع ).

نقول: الأصوليون ذكروا في مسألة النهي عن الفساد، على تعبيرين:

الأول: قسم اعتبر الكلام في دلالة صيغة النهي على الفساد، اعتبرها من باب الدلالة، وذلك أن صيغة " لا تفعل " تدل بالدلالة الالتزامية البينة بالمعنى الأخص أي بمجرد تصور الملزوم ننتقل إلى اللازم. بمجرد تصور النهي مباشرة ينتقل الذهن عقلا إلى الفساد، إن هذه المعاملة فاسدة.

وهؤلاء الذين قالوا هذا الكلام دلالة، أدرجوا المسألة في مباحث الألفاظ، لان هذه المباحث يدرس فيها صغريات حجية الظهور. كل ظاهر حجة، هذا اللفظ باي شيء هو ظاهر، هذه الصغريات هي التي تبحث في مباحث الألفاظ. النتيجة لفظ النهي كما يدل على زجر يدل أيضا على الفساد، كما انه موضوع للزجر والردع أيضا يلزمه الفساد عقلا بمعنى مباشرة ينتقل الذهن إلى الفساد، حيث يقول في حاشية الملا عبد الله " ولا بد من اللزوم عقلا أو عرفا ".

الثاني: وقسم آخر اعتبر البحث عقلي لا علاقة له باللفظ، فهل يحكم العقل بالفساد أو لا؟. والانتقال إلى الفساد ليس باللزوم البين بالمعنى الأخص، وهؤلاء جعلوا المسألة في باب الملازمات العقلية، كما جعلها الشيخ محمد حسين الأصفهاني (ره) الذي قسم الأصول على هذا التقسيم وتبعه على ذلك الشيخ محمد رضا المظفر (ره) عندما قسم الأبواب إلى مباحث الألفاظ والملازمات العقلية ومباحث الحجة والأصول العملية.

ويمكن الجمع بينهما بأن نقول: هل هناك اقتضاء للفساد عقلا أو لا؟. سواء كان بينا بالمعنى الأخص أو لا.

الإشكال على صاحب الحدائق

الإشكال أو التعليق على كلام صاحب الحدائق (ره) ان عدم اقتضاء الفساد لا يعني اقتضاء العدم. يعني لو قلنا إن العقل لا يحكم بالفساد عند النهي، لا يعني ذلك رفض الدلالة على الفساد حتى ولو من دليل آخر. العقل قد لا يدل على الفساد، واللفظ بنفسه لا يدل على الفساد بمعنى التلازم، ولكن لا يعني انه لا يمكن أن تستدل على الفساد بدليل آخر أو بقرينة أخرى، الأصوليون قالوا إن النهي لا يقتضي الفساد، لكن لم يقولوا بأنه يقتضي عدم الفساد، يمكن أن يكون دليل آخر، بعبارة أخرى إن القول بعدم اقتضاء النهي الفساد لا يتنافى مع الدلالة على الفساد من أدلة أخرى. وما ذكره (ره) من هذا القبيل. حينما يفصِّل بين كون النهي باعتبار عدم قابلية المعقود عليه، وباعتبار أمر خارج، هذا الاعتبار أمر خارج عن لفظ النهي وعن حكم العقل، مسألة أخرى، هذا التقسيم مسألة أخرى، نحن لا ننكر ذلك لكنه استدلال آخر هذا التفصيل لا علاقة له بالبحث الأصولي. البحث الأصولي يبحث عن النهي بذاته بغض النظر عن متعلقاته وعن ظرفه، فكما يبحث عن النهي هل يدل على الحرمة أو لا؟. بغض النظر عن متعلقها أو أمر خارج عنها.

نعم يمكن إن يقال: إن هذا التفصيل يصلح قرينة عامة، لان القرائن تارة خاصة وتارة عامة. أنت أيها المفصِّل إنما أتيت بقرينة عامة، انه إذا كان متعلق النهي بلحاظ المعقود عليه فهو يدل على الفساد إذا كان بلحاظ أمر خارج فلا يدل على الفساد، هذه قرينة عامة. لكن هذا لا يعني انه يتنافى مع البحث الأصولي.

فهذا التفصيل لا علاقة له بالبحث الأصولي كل ما في الأمر هو ليس قرينة خاصة، بل قرينة عامة، وإذا كان كذلك لا يعني انه يتنافى مع ما ذكرتموه، وعندما قالوا بهذا البحث لم ينفوا الفساد ولو مع القرائن الأخرى.

فلا تنافي بين هذه الكلية العامة وما ذكروه من استدلالات بالروايات على النهي.

الدليل السادس: ما أجابوا به على أن النفي إذا دخل على حقيقة أريد به نفي صفة من صفاتها. هذا الكلام ذكر في مسألة المجمل والمبين، وفي مسألة " لا ضرر ولا ضرار "، ذكروه وتوسعوا فيه عندما نقول: " لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد " أو نقول: " لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب " أو نقول: " لا علم إلا بعمل " أو " لا بيع إلا في ملك ". " لا " نافية للجنس معنى نفي الجنس نفي الماهية. هل يدل على نفي الماهية؟. لكن الماهية متحققة وجدانا، " لا علم إلا بعمل " العلم موجود.

إذن لا بد انه يدل على نفي الصفة، فإذن عندما يتسلط النفي على الماهية في المعاملات فالمراد هو نفي الصفة لوجود الماهية وجدانا. فما هي الصفة؟. فلا بد من قرينة إما عامة أو خاصة.

مثلا: " لا علم إلا بعمل " أي لا علم نافع إلا بعمل، فيكون الصفة المقدّرة لا علم نافع إلا بعمل، وليس لا علم موجود إلا بعمل.

" لا صلاة لجار المسجد إلا بالمسجد "باعتبار أن هناك قرينة انه لو صلى الإنسان وحده فالصلاة صحيحة ونعلم ذلك من إجماع الفقهاء وسيرتهم على ذلك، فالصلاة صحيحة، إذن لا صلاة كاملة ولا صلاة فاضلة.

" لا صلاة الا بفاتحة الكتاب " يدور الأمر بين نفي الصحة ونفي الكمال، ونفي الصحة اقرب إلى نفي الماهية فهل الأقربية قرينة عامة على المقدّر، ويؤدي إلى تشخيص صغرى حجية الظهور؟.

وكما ذكرنا في منهجية الاستنباط في الشبهة المفهومية: أولا نطرق باب الشارع، فان لم نجد نطرق باب العرف، فان لم نجد نطرق باب اللغة، فان لم نجد نأخذ بالقدر المتيقن، فان كان هناك قدر متيقن في البين أخذنا به وإلا أصبح الدليل مجملا ونبحث عن دليل آخر.

في مسألة " لا بيع إلا في ملك " هنا احتمالان:

الأول: بمعنى نفي الصحة

الثاني: نفي اللزوم.

الذين قالوا بصحة عقد الفضولي قالوا إن هذه الروايات تدل على نفي اللزوم. الذين قالوا بفساد عقد الفضولي قالوا: إن الروايات تدل على نفي الصحة.

المستدلون على الصحة قالوا انه نفي للزوم، قالوا: لو كانت الصحة هي المنفية لما صح بيع الوكيل والوصي والمأذون والولي، النتيجة انه لو كان التقدير" لا بيع صحيح " لفسدت هذه الأفراد، ولكنها صحيحة مما يدل على أن المنفي هو اللزوم.

والجواب:

أولا: كما ترى أن هذا عموم يمكن تخصيصه وما من عام إلا وقد خص، " لا بيع " النكرة في سياق النفي تفيد العموم " لا رجل في الدار" يعني عموم الرجل " لا بيع " عموم البيع. فأولا: يمكن التخصيص بالوكيل بالمأذون.

ثانيا: إن الإنصاف لو أن اللفظ لو ترك وشأنه لدل على الفساد فوزانه وزان " لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب " والتقدير: لا صلاة صحيحة إلا بفاتحة. هذا واقع الروايات، لو خليت ونفسها وشأنها لدلت على بطلان عقد الفضولي.

لكننا قلنا إن هذا من باب الظهور. الظهورات ليس تعبدية بل ظهورات، أصالة الإطلاق ليست تعبدية وأصالة العموم كذلك. وهنا نحن استظهرنا أن هذه الروايات موجهة إلى الأعراب وحينئذ نفهم انه لا علاقة بها بالتصحيح بل باللزوم والإجازة، موجهة لأعراب البشر، سواء كانوا هنا أو هناك من عرب أو غير عرب، ومعظم الدنيا أعراب. وقلنا مع هذا التوجيه حينئذ تدل على اللزوم، إذا لم يكن هذا التوجيه موجودا فكلام صاحب الحدائق وصاحب البلغة وفخر الدين (ره)، كلام معقول جدا، هذه الروايات " لا بيع إلا في ملك " تذهب إلى الفساد إذا لم نستظهر هذا المعنى.

هنا سنبين هذا الكلام.

والحمد لله رب العالمين .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo