< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

33/03/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب النكاح/ العقد الفضولي/ أدلة الصحة

عندما قلنا بصحة الفضولي في العقد فقد أسسنا لأصل يمكن الرجوع إليه في عقد النكاح.

ثم أن القول بصحة عقد الفضولي في النكاح أشهر منه في الصحة في بقية العقود، كثير ممن تردد في القول بصحة النكاح في بقية العقود لم يتردد في صحة النكاح في الفضولي، والسرُّ في ذلك أن الذين توقفوا في القول بصحة الفضولي في بقية العقود فهو بلحاظ عدم صدور روايات بالصحة سوى رواية عروة البارقي. وهي رواية عامة. بينما في نكاح الفضولي قد وردت عدة روايات صحيحة، فهناك مائز بينهما. ونستذكر صاحب البلغة عندما علَّق على رواية " لا يجوز أن تبيع ما ليس تملك " يقول: الإمام (ع) ينادي بالبطلان وفي مقابله ليس هناك أي رواية ولا أثر لصحة الفضولي في بقيّة العقود.في النكاح هناك روايات صحيحة في صحة عقد الفضولي، من هنا الفرق بين نكاح الفضولي وبقية العقود.

من هنا وجدنا أن القائلين بصحة نكاح الفضولي أكثر من القائلين بصحة النكاح في بقية العقود، والسر في ذلك وجود الروايات في النكاح بدون غيره، رغم أن النكاح فيه تشديد أكثر من البقية.

بعد هذه المقدمة البسيطة فلنشرع في بيان أدلة القائلين بالفساد ثم القائلين بالصحة.

أدلة القول بالفساد

يلخصها صاحب الرياض (ره) بقوله: خلافا لأحد قولي الشيخ في الخلاف والمبسوط، - للشيخ قولان قول بالصحة وقول بالفساد[1] .

فأفسد الفضولي من أصله وخلافا لفخر الدين صاحب إيضاح الفوائد، فأطلق الفساد، للأصل، وتوقيفية العقود الناقلة، والأخبار الناطقة بفساد النكاح بغير إذن الولي أو المولى،... ثم يذكر جملة من أخبار العامة والخاصة ويفندها – في الصحة – ثم يذكر الإجماع، -إذا أربعة أدلة،على الفساد: الأصل، توقيفية العقود، الأخبار، والإجماع .

في ترتيب الأدلة الأصل يكون أخيرا. وذكرنا مرارا أن الفقهاء كثيرا ما يدرجون الأدلة درجا من دون ملاحظة الأوليات والتقديمات. والسبب في ذلك أنهم كانوا فقهاء كبارا يكتبون لأمثالهم ولا يكتبون لطلاب أمثالنا، فسلفا يعتقد أن هذا الذي أتكلم معه فقيه يعرف التقديمات والاستدلالات. ولكن مسألة ترتيب الأدلة مسألة مهمة، من إي دليل نبدأ؟ وفي أيها ننتهي؟ إذا جرى الدليل الأول الثاني لا مجرى له .

فخر الدين ذكر دليلا خامسا، وافق الشيخ في البطلان، الشيخ فخر الدين في الإيضاح (ره) مضيفا إليه سائر العقود مستدلا عليه بان العقود سبب الإباحة فلا يصح صدوره من غير معقود عليه أو وليه، أو رضاه، ورضا الولي شرط والشرط متقدم.

هذان دليلان، أصبح عندنا ستة أدلة على الفساد، فخر الدين زاد دليلين: الأول عدم الأهلية. الثاني: الرضا المتقدم وليس الرضا اللاحق.

فلما كان الرضا شرطا والشرط هو سبب متقدم حينئذ الرضا المتقدم شرط، في الفضولي ليس هناك رضا متقدم إذن العقد باطل.

الأدلة الستة على الفساد هي: أولا: الإجماع. ثانيا: الأخبار. ثالثا: عدم الأهلية. رابعا: اشتراط رضا المعقود عليه المتقدم. خامسا: التوقيفية في العقود الناقلة. سادسا: الأصل العملي الفساد.

الدليل الأول: الإجماع

نقله الشيخ في الخلاف وهو لا يكشف عن رأي المعصوم (ع) بمختلف كيفيات الكشف التي ذكروها. صاحب رياض المسائل يقول: ( ودعوى الشيخ الإجماع على الفساد في الخلاف موهونة بمصير معظم الأصحاب بل عداه كافة سوى فخر الدين إلى المخالفة في هذه المسألة ) إذن المشكوك في الإجماع ليس فقط في الكبرى بل حتى في الصغرى، الإجماع مفقود، الشيخ يذكر الإجماع وذهب معظم الفقهاء إلى الصحة، فبوجود الشهرة المخالفة

الذاهبة إلى صحة نكاح الفضولي بل كادت تكون إجماعا لا يمكن استكشاف رأي المعصوم، لا بالحدس ولا باللطف ولا بالإجماع الدخولي.

إذن الإجماع لا يمكن أن يكون دليلا.

الدليل الثاني: الأخبار

الأخبار بعضها من العامة ذكروها واستدلوا بها، وبعضها من الخاصة.

أخبار العامة نذكر منها ما أخذناه من حاشية المسالك ص 161.

الرواية الأولى: ما في سنن الترمذي: ( أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل )[2] .

وفي غير الترمذي بلسان آخر ( نكاحها فاسد ).

هذه الرواية منقولة عن عائشة عن رسول الله (ص) ورواها في سنن الدارمي ج2 ص 137 ح 3 . وسنن ابي داوود ج 2 ص 229 ح 2083. وسنن الدار قطني ج 3 ص 221 ح 10. هذه المصادر على ما ورد في الحاشية.

الرواية الثانية: ما روي في مسند احمد بن حنبل ،وفي المستدرك على الصحيحين، عن أبي موسى الأشعري أن النبي (ص) قال: ( لا نكاح إلا بولي )[3] . سنناقش الروايات سندا ومتنا.

الرواية الثالثة: ما رواه في سنن أبي داوود وفي سنن ابن ماجة بتفاوت في بعض الألفاظ. ( أيما عبد نكح بغير إذن مواليه فنكاحه باطل )[4] .

يقول صاحب رياض المسالك: والأخبار العامة المناقشة فيها واضحة حيث أن راويها عائشة وأبو هريرة، ومعلوم حالهما مع انه أنكرها المحققون من العامة منهم، كما ذكر في المسالك والتذكرة.

ونقول: أما عائشة وأبو هريرة فأحولكم على كتابين من أبناء العامة، احدهما مفكر وكاتب، والآخر فقيه من علماء الحديث عندهم.

الكتاب الأول: الفتنة الكبرى عائشة. الدكتور طه حسين.

الكتاب الثاني: شيخ المضيرة أبو هريرة للشيخ محمود أبو ريا.

يذكران أحوالهما فلا أزيد على ذلك.

ثم إني راجعت المسالك فلم أجد إنكارا لفقهاء العامة لهاتين الروايتين، قد يكون في التذكرة، فلم أجد ذلك وقد يكون ذكر الإنكار في باب آخر.

وأما المضمون:

فهو احتمال كون المراد " لا نكاح إلا بولي " أن عقد النكاح المؤثر، هو خصوص ما كان برضا الولي.

نفس الكلام الذي ورد في " لا بيع إلا في ملك " و " لا يتم الشراء إلا برضا المالك ". لا بد من تقدير. وذكرنا مرارا أن الرضا لا دخالة له لا في المفهوم ولا في الصحة، الرضا شرط في التأثير، لذلك العقد صحيح ويتم من أهله.

والكلام في هذه الروايات عين الكلام في قولهم " لا بيع إلا في ملك " والنتيجة أن هذه الأخبار لا دليل فيها على الفساد.

 

والحمد لله رب العالمين.


[1] - تغير قول الفقيه لا يدل على ضعف، الشيخ الطوسي (ره) في نفس الكتاب احيانا في اوله له رأي وفي آخره يذهب إلى آخر، هذا يعني انه مستمر في البحث وغالبا يكون كذلك، لا أنه ضعف فيه، فوجود القولين او اكثر او رأيه هذا دليل على انه مستمر في البحث والتفكير في المسألة.
[2] - سنن الترمذي ج3 ص407و 408 ح1102 ب4 من ابواب عقد النكاح ح2.
[3] - مسند احمد بن حنبل ج4 ص418. والمستدرك على الصحيحين ج2 ص171.
[4] - سنن ابي داوود ج2 ص228 ح2079. وفي سنن ابن ماجة ج1 ص630 ح1960.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo