< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

33/05/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب النكاح/ أولياء العقد/ الحصر بخمسة - الأدلة

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على نبينا محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين

كان الكلام في الولاية على عقد النكاح، وقلنا ان الاصل إن لا ولاية لاحد على احد، فالولاية هي التي تحتاج إلى دليل، وبدأنا بالولايات التي اتفق على عدمها كولاية الاخ وولاية الام، وفي المسالك نبّه بالحصر على خلاف بعض الاصحاب القائلين بولاية الام، والقائل ابن الجنيد.

فإذن هناك من يقول بولاية الام، فماذا يمكن ان يكون لهم دليلا؟ ذكرنا الرواية الأولى

الرواية الثانية: محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن احمد بن محمد عن علي بن الحكم عن العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم عن احدهما (ع) يقول: ( لا تستأمر الجارية إذا كانت بين ابويها ليس لها مع الاب امر، وقال يستأمرها كل احد ما عدا الأب )[1] .

عندنا روايتان معتبرتان، الأصحاب اعرضوا عن العمل بالأولى.

أولا: بالنسبة للسند، الرواية الاولى موثقة ومعتبرة.

ثانيا: الدلالة هناك عدّة نقاط:

النقطة الاولى: ورد ان " ليس لها مع ابويها امر" ما معنى الابوين. قيل هما الاب والجد، أو الاب والعم أو الام والاب. لكن إذا اطلق لفظ " الابوين " فانه ينصرف إلى الاب والام ويسمونه في اللغة العربية في علم البلاغة التغليب، كما يقال عن الحسن والحسين الحسنان، ويقال عن الشمس والقمر القمران.

النقطة الثالثة: " ليس لها مع ابويها امر" يعني يمكن ان تستأمر، وهذه المسألة من قبيل الملكة والعدم، لا معنى لان اقول عن طفلة ليس لها مع ابويها امر، التي يمكن ان تستأمر هي الراشدة، فموضوع الرواية الراشدة.

النقطة الثالثة: ورد " إذا كانت قد تزوجت لم يزوجها الا برضا منها ". اشارة غلى الثيب. هناك تفصيل بين الثيب والبكر. الثيب امرها بيدها لا تستأمر احدا بعكس البكر.

النقطة الرابعة: يراد من " ليس لها امر " مطلق الامر في كل العقود ومنها عقد الزواج، وظاهر الرواية بسبب قرينة الذيل ان الامر بخصوص الزواج.

النقطة الخامسة: الشاهد في الرواية في مقام الاستدلال " ليس لها مع ابويها امر" ظاهرها نفي الولاية منطوقا، اما اثباتا غير موجود، ولذلك بعص الاساطين قال ان هذه الرواية لا تدل على ولاية الاب ولا ولاية الام لأنها تنفي الولاية ونحن مقامنا في اثبات الولاية اذن الرواية اجنبية عن مقامنا كليا، فلا معنى ان يستشهد بها ابن الجنيد ويستدل بها.

والجواب: صحيح ان المنطوق نفي الولاية ولك مفهوم الرواية هو اثباتها، وقلنا ان المفهوم مسألة عرفية، عندما اقرأ هذه العبارة " إذا كانت الجارية بين ابويها فليس لها مع ابويها امر" افهم ان الامر للأبوين، والمفهوم ليس هنا منفصلا عن المنطوق. لذلك نقول: هذه الرواية ليست اجنبية عن مقامنا ويحق لابن الجنيد الاستشهاد الاستدلال بها على ولاية الام.

النقطة الساسة: بعد ثبوت الدلالة بالمفهوم فلا بد ان تكون الرواية في مقام التشريع.

النقطة السابعة: قد يقال ان الرواية في مقام الارشاد الاخلاقي وليست للتشريع بمعنى أن: ان البنت في كنف ابويها فلا يحق لها اخلاقيا ان تدير ظهرها لها حين الزواج. ياتي سؤال هل الرواية هنا في مقام التشريع؟ الجوب: نعم بدليل انه في الاخلاق لا فرق بين الثيب والبكر، نستفيد من ذيل الرواية انها ليست في مقام الارشاد الاخلاقي بل في مقام بيان التشريع.

النقطة الثامنة: التعارض، تقول الرواية بان للام ولاية، إذن هي معارضة بالروايات الاخرى التي تنفي الولاية للام اصلا، ومعارضة بالرواية التي تقول ان الولاية للاب فقط، ومعارضة بالرواية التي تدل بولايتها على نفسها ونفي ولاية الاب، ومعارضة بان البكر البالغة الراشدة لا ولاية لاحد عليها هي تختار. وهناك تعارض بروايات اشتراك الولاية بين الاب والبنت الرشيدة معا. ابن الجنيد نفى التعارض وقال ان هذه الرواية معتبرة اعمل بها فالولاية للاب والام والبنت.

وهناك روايات تفصل بين ان تكون مالكة لأمرها وان لا تكون كذلك.

اصبح هناك خمس طوائف من الروايات المتعارضة، هنا ماذا نفعل وكلها في مقام التشريع؟

نقول: معنى " الجارية بين ابويها " البنت وليس الامة وانها في كنف ورعاية وحضانة الابوين، وإذا كان كذلك يعني ان الرواية تنسجم مع الروايات الاخرى التي تفصل بين المالكة لأمرها وغير المالكة. فإذا كانت مالكة الأمرها لا ولاية عليها، وإذا لم تكن فالولاية للاب والام. عندما نفهم كلمة " بين ابويها " تنقشع الغمامة بين ان تكون صاحبة قرار اولا، مفتاح الحل هذه الكلمة " بين " ومعناها ان تكون في كنفهما، يعني ان قرارها ليس بيدها، اذا كانت مستقلة في حياتها العامة وخرجت عنهما اصبح القرار في يدها. عندما نفهم معنى هذه الكلمة لا نحتاج إلى اجراء باب العارض كما فعل الكثير من الفقهاء ورجعوا إلى الاشهر والاقوى. نقول: لا تصل النوبة إلى المرجحات إذا فهمنا معنى الكلمة وفسرناها.

وقد ادعى ان الفقهاء اعرضوا عن هذه الرواية، الا انه لم يثبت ومجرد عدم القول بولاية الام لا يعني اعراضا، الا ترون ان القول بالتفصيل بين المالكة لأمرها وبين غيرها هو عمل بالرواية بحسب ما بينّا، ومع ذلك لا نقول بولاية الام إلا على نحو الاحتياط.

ثم إن وتعارض مفهوم الرواية الاولى مع المنطوق في الرواية الثانية تعارض يرتفع بسرعة لان الاولى عامة والثانية خاصة، الاولى ولاية الابوين والثانية ولابة الاب فقط، فيقدم الخاص على العام، امر يمنع من الوصول إلى حد التعارض.

نعم قد يقال هنا انه إذا كان هناك مطلق ومقييد ايجابيين فالمقيد او الخاص يحمل على اكمل الافراد كما لو قلت اشرب اللبن ، واشرب اللبن الحامض. يحمل على اكمل الافراد.

نقول هذا صحيح اذا لم نفهم ان هناك تشريع متعارض بينهما، مفهوم المقيد يتعارض مع مفهوم المطلق. لذلك ورد " يستأمرها كل احد ما عدا الاب " ليس لها ولاية على نفسها الا الاب، ظاهر العبارة ان الولاية للاب مستقلا.

النتيجة: نقول: هذه الرواية مع تفسير كلمة " بين ابويها " بمعنى انه في كنفهما في رعايتهما، لا قرار لها وليست مالكة لأمرها، الرواية تتناغم تماما مع الروايات الاخرى المفصلة بين المالكة لامرها وغير المالكة. وهنا نقول ان ليس المراد من المالكة التي تنفق على نفسها، حتى لو انفقت هي على نفسها وكانت بين ابويها فالقرار ليس في يدها. سنذكر ذلك في بحث ولاية الاب. هذا شيء قريب للمنطق العرفي المتداول.

إذن اذا قلنا بهذا المعنى تقدم هذه الروايات على الرواية الاولى وتخصص الرواية فلا نقول بولاية الام خصوصا ان ولايتها بالمفهوم لا بالمنطوق، والرواية الثانية منطوقها ولاية الاب فقط. وعليه نكون قد عملنا بالرواية، ولم نقل بولاية الام، وليس هناك اعراض واخذنا الرواية بعين الاعتبار. إذن مجرد عدم القول بولاية الام لا يعني الاعراض عن هذه الرواية فما ذكره بعض الاساطين من الاعراض لا نسلم به.

الدليل الثاني: ان رسول الله (ص) امر نعيم بن النجاح ان يستأمر ام ابنته في امرها وقال أئتمروهن في بناتهن.

في بعض التعليقات وجد ان هذا الخبر غير موجود في كتب الحديث من طرقنا وانما ذكره في الحدائق والجواهر وغيرهما عن كتب العامة مرسلا.

نقول:

أولا: الرواية مرسلة طريقها غير تام، الرواية غير معتبرة.

ثانيا: لسان الرواية أن الدافع للاستئمارة أخلاقي وليس معلوما انه دافع تشريعي.

إلى هنا نكون قد وصلنا إلى أن لا ولاية للأم على ابنتها ولكننا نحتاط، غدا نبحث ولاية آباء الام، قال ابن الجنيد ان اب الام له ولاية الجد.

والحمد لله رب العالمين.

 


[1] - الوسائل باب4 من أبواب عقد النكاح وأولياء العقود ح3.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo