< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

34/01/20

بسم الله الرحمن الرحیم

 استقلال البنت البالغة الرشيدة في الولاية على نفسها في عقد النكاح
 حلّ التعارض:
  إذن عندي أربع طوائف متعارضة: واحدة في استقلال كامل للاب في الولاية على البنت البالغة الرشيدة ويجب عليها الاطاعة وإن كانت كارهة، والثانية التشريك بينهما بالولاية على نحو " الواو " لا " أو "، والثالثة استقلال البنت، والرابعة التفصيل بين المالكة أمرها وغير المالكة. وذكرنا معنى المالكة أمرها بأنها ليس الثيب وليس من تستطيع أن تنفق على نفسها وإن كان غالبا كذلك، فمعنى المالكة أمرها من لها القرار في كل شيء كما ورد في الروايات بأن تعتق وتشتري وتشهد وتبيع، هذه مفردات للحياة بأنها هي حرة تتصرف في حياتها كما تشاء.
  هذا التعارض موجود وقلنا أن التخلص من هذا التعارض على نحو التشريك " بأو " الذي ذهب إليه المحقق اليزدي (ره). فأولا: لا يخلصنا كليال. ثانيا: من واقع الامور لا دليل عليه إلا بوجود التعارض وكيفية التخلص منه.
  وذكرنا أن الجمع التبرعي بين الروايات المتعارضة وما ذكره صاحب غوالي اللآلي وأن هناك إجماعا على اعتباره، دليله الوحيد هو أن هذه الرواية خبر عن ثقة حجة فإسقاطه يحتاج إلى دليل، وهذه الرواية خبر معتبر حجة. فالدليل إعتبار وثاقة السندين، ففي الجمع التبرعي لولا وثاقة السندين والتعارض فلا دليل عليه.
  ولكن نرى أن وثاقة السندين قد سقطت بالتعارض نفسه، والدليل على الجمع بينهما من ظهور وذلك بالتصرف بالمعنى في الروايتين لا دليل عليه، خصوصا أن العمل بظواهر الروايات عمل عقلائي، فالعقلاء يعملون بالظهور، فنقول: إن كان هذا الجمع وصل إلى مرحلة الظهور فالحمد لله، وإن لم يصل فلا دليل عليه ولذلك سموه تبرعيا، ومما يُعينني على الاستظهار وجود بعض الروايات المفصلة التي سنذكرها.
  أما الطائفة الاولى التي تقول بأن الأب يستطيع تزويج ابنته ولو كانت كارهة، التي ذهب اليها الكثير من الفقهاء أصحابنا ومن فقهاء ابناء العامة وحملوا عليه الطائفة الثانية " أن ليس لها مع ابيها امر " فأمرها ممنوع. فنقول:
  أولا: أن هذه الروايات وإن كانت صحيحة سندا وكثيرة لكن لا بد من حملها على معنى آخر، وذلك لأن " ما خالف قول ربنا لم نقله ". وانني بيني وبين الله اشعر أن إكراه البنت على أن تتزوج بمن لا تريد ولا تحب من الظلم " وما ربك بظلام للعبيد " والامثلة في المجتمع على ذلك كثيرة. ولذلك لا أرى حاجة أبدا بقراءة هذه الطائفة بالمعنى الذي هو ظاهر منها للوهلة الاولى، فهي تشريع ظالم لا يعقل أن يصدر من مشرع رحيم. والإمام (ع) يقول في روايات عديدة: " ما خالف قول ربنا لم نقله "، " زخرف " " باطل " " اضرب به عرض الجدار". ولذلك مهما كثرت الروايات وصح سندها فلا يمكن الاخذ بها مع بقائها على دلالتها التي إستظهروها.
  ولذلك نقول: هذه الروايات التي ذكروها مع الطائفة الاولى على قسمين: قسم يمكن أن يكون له وجهان ومعنيان وظاهرها أنه تجبر البنت وإن كانت كارهة، وقسم واضح في النص على إجبارها.
  فمن القسم الثاني: " وإن كانت كارهة ".
  ومن القسم الاول: " ليس لها مع أبيها أمر " هذه العبارة تحتمل معنيين: الاول أن ليس لها أي دور وأي قرار في أي شيء. والثاني أنلها قرار ولكن الأب له حق النقض.
  والانصاف أنه هناك ظهور بالأول، لكن بالإضافة إلى هذه القرينة العقلية والقرآنية بأن حملها على ظاهرها ظلم فلا بد من حملها على المعنى الآخر، وهو أنها إذا أبرمت عقدا لا بد من إذن ابيها خصوصا مع الالتفات إلى الروايات الأخرى " لا ينقض النكاح إلا الأب "، فهذا الاحتمال وارد أيضا فللأب حق النقض وليس يعني أنه ليس لها حق العقد كليا حتى من دون رضاها، يعني أنه يستطيع أن يعطل قرارها. ولذلك لا بد من الحمل على المعنى الذي ذكرناه وهو الاولى، وإما أن يراد من الجارية الصغيرة التي ليس لها مع ابيها أمر، أو أن تكون أمة.
  ولذلك قلت أن حملها على القسم الثاني من الطوائف وهو التشريك في الامر أي أن له حق النقض أقوى من حملها على أنها لا أمر لها. وذلك للقرينة المعنوية وروايات حق النقض للأب مع روايات الاستقلال مطلقا أو المفصلة بين المالكة أو أمارها وغيرها، زائد قرينة الروايات الاخرى بالتفصيل، مع هذه القرائن نحد أن " ليس لها مع أبيها أمر " أن له حق النقض إذا قامت بعقد.
  أما الروايات الاخرى التي لا تحتمل هذا التأويل وهذا التوجيه مثل رواية " وإن كانت كارهة "، حينئذ لا بد من تغير الموضوع أي حمل الموضوع على الصغيرة مثلا أو السفيهة وإلا فعلمها عند خالقها.
  وأنا أعتقد أن من أسباب التعارض الرئيسية بين الروايات هو حذف ظروف الرواية، من هنا لا بد من حمل الروايات على إعطاء حق النقض.
  فتبقى الطوائف الثلاثة الخيرة والتي لو قرأناها جميعا لوجنا أن روايات التفصيل بين " المالكة أمرها "، ليس للأب عليها أمر وغير المالكة لأمرها، له الولاية. هي الروايات القابلة للجمع بين الروايات ببعضها. عندي ثلاث روايات: استقلال البنت، والتشريك بينهما، والتفصيل. نجد أن روايات التفصيل بين المالكة أمرها وغير المالكة أمرها هي روايات صحيحة السند معتبرة وتكون صالحة للجمع بين الروايات المتعارضة. وبهذا الصلاح يمكن أن نجد بأن ليس هناك تعارض بل تحمل هذه الروايات عليها خصوصا إذا نظرنا إلى عمومات القرآن، فلا يكون جمعا تبرعيا بلا دليل لأنه نشأ من روايات صحيحة، ومن استظهار فإنك لو قرأت روايات التفصيل والتشريك فنجد أن روايات التفصيل أخص من روايات التشريك فتقدم من باب الخاص على العام، " ليس لها مع ابيها أمر " " ولا ينقض النكاح إلا الأب " عام، والتفصيل " إن كانت مالكة أمرها فلها أمر "، فموضوع الاولى مطلق البنت البالغة الرشيدة وموضوع الثانية خصوص المالكة امرها فتقدم من باب تقديم الخاص على العام.
  إذن نستطيع أن نقول: أن روايات الجمع أخص من روايات التشريك فتقدم عليها وتكون صالحة للجمع بينها وأيضا: روايات التفصيل أخص من روايات استقلال البنت، حيث إن روايات استقلال البنت تقول: كل بنت بالغة رشيدة لها الولاية على نفسها مستقلة، وروايات التفصيل تقول: البنت غير المالكة أمرها لأبيها حق النقض، وواضح أن موضوع الثانية أخص من موضوع الأولى فيقدم من باب تقديم الخاص على العام.
  ولهذا نذهب إلى التفصيل بين المالكة أمرها فلها ولاية مستقلة وغير المالكة فلها ولاية مشتركة مع أبيها.
  يبقى عمومات الكتاب ماذا تقتضي؟
 
 والحمد لله رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo