< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

34/03/10

بسم الله الرحمن الرحیم

 الولاية على الثيب
 معنى الثيب
  التذكير بمعنى " المالكة لأمرها " وما حملت من معنى، ثم الكلام في ولاية الثيب على نفسها وقد ذكرنا أنه لا خلاف يعتدُّ به، إنما الكلام في معنى الثيب، وإنما نبحثه لكونه ورد في بعض النصوص الشرعية. ولكونه غير واضح التفاصيل كان شمول اللفظ لبعض الافراد مشكوكا، فالقدر المتيقن من معنى الثيب هو المرأة التي فقدت بكارتها بوطء شرعي أو ملك يمين، أما الافراد الأخرى كالمرأة التي فقدت بكارتها بزنى أو وطء شبهة، أو بقفزة، أو التي تزوجت ولكن بقيت بكارتها ثم عادت خليَّة بطلاق أو وفاة الزوج أو نحو ذلك. هذه الأفراد هل ينطبق عليها عنوان " الثيب " فتشملها أحكامها؟ وما هو حدُّ هذا الشمول؟
 منهج البحث: أن نبحث معنى الثيب لغة أو أن نبحث في حكم الثيب.
  والذي يهون الخطب أن أحكام " الثيب " منحصرة في مسألة الولاية على نفسها في عقد النكاح، فينحصر الكلام والاستدلال بـ " الولاية " ولا داعي لبحث معنى الثيب لغة حيث إنه يصبح بحثا لغويا ولا فائدة للفقيه فيه.
 الولاية
  " الولاية " فلنلوِ العنان لذكر الادلة على هذا الحكم.
  أما الكتاب فهو عام مطلق، وإطلاقاته تدل على عدم الولاية " وأحل لكم ما وراء ذلكم " [1]
 . ودرسنا في الاصول أن العام الكتابي يخصص بخبر الواحد.
  أما الروايات فهي طائفتان:
  الاولى: موضوعها " الثيب " مطلقا من دون تقييد بنكاح سابق. وهذه الروايات بدوا تتعارض مع الطائفة الثانية، أي مع روايات " الثيب التي نكحت زوجا "، فصار الولاية على نفسها تارة مطلق الثيب وتارة الثيب المقيدة بزواج سابق. وسنبيّن انه اصبح من باب المطلق والمقيَّد، الذي
 نذكر منها:
  الرواية الاولى: ما في س ج 14 ب 3 من أبواب عقد النكاح واولياء العقد ح 6. عن حميد بن زياد عن الحسن بن محمد بن سماعة عن جعفر بن سماعة عن فضل بن عبد الملك عن ابي عبد الله (ع) قال: لا تستأمر الجارية التي بين أبويها إذا أراد أبوها أن يزوجها هو أنظر لها [2]
 ، وأما الثيب فإنها تستأذن، وإن كانت بين أبويها، إذا أرادا أن يزوجاها.
  الرواية معتبرة سندا.
  ودلالة موضوعها " الثيب " من دون تقييد، لكن هذا التعبير " تستأذن "ليس واضحا في استقلالها بالولاية، فإن الاستئذان يحتمل حالتين: الاستقلال، والتشريك مع الاب.
  هذا الرواية دلالتها مجملة لا تفيدنا في الدليل على الاستقلال.
  الرواية الثانية: نفس المصدر ح 11. وبإسناده أي محمد بن علي بن الحسين عن الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير عن حمّاد عن الحلبي عن ابي عبد الله (ع) قال: سألته عن البكر إذا بلغت مبلغ النساء، ألها مع أبيها أمر؟ فقال ليس لها مع أبيها أمر ما لم تثب.
  الرواية معتبرة سندا.
  والدلالة واضحة من حيث إطلاق الثيب.
  وكذلك الرواية 13 من نفس المصدر واضحة الاطلاق في الثيب وأيضا الرواية 14، إلا أن فيها قيدا وهو " إذا كان لا بأس بما صنعت " أي مع اشتراط عدم المفسدة في اختيارها.
  الطائفة الثانية: الروايات المقيِّدة بسبق نكاحها من رجل آخر.
  منها: نفس المصدر ح2. محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن عبد الحميد بن عوَّاض عن عبد الخالق (ثقة هو واخوه) قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن المرأة الثيب تخطب إلى نفسها؟ قال: هي أملك بنفسها تولىّ من شاءت إذا كان كفوا، بعد أن تكون قد نكحت زوجا قبل ذلك.
  السند معتبر.
  والدلالة موضوعها الثيب المقيَّدة بنكاح سابق. وفي الرواية دلالة أخرى في أن معنى النكاح هو الوطء، وهي أن متعلق النكاح هو الزوج فلا بد من عقد سابق، كما يقول المثل: العرش ثم النقش. ولو قال: بعد أن تكون قد نكحت رجلا، لما دلَّ
 المتعلق على كون المراد من النكاح هو خصوص الوطء بسبب شرعي.
  الرواية الثانية: نفس المصدر ح 4، وعن علي بن إبراهيم عن أبيه، وعن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد جميعا عن ابن أبي عمير عن حمّاد بن عثمان عن الحلبي عن أبي عبد الله (ع)
 أنه قال في المرأة الثيب تخطب إلى نفسها؟ قال: هي أملك بنفسها تولّي أمرها من شاءت إذا كان كفوا بعد أن تكون قد نكحت رجلا قبله.
  في هذه الرواية ليس مطلق الثيب هناك قيد " التي نكحت رجلا قبل ذلك ".
 الرواية الثالثة: نفس المصدر ح 12 - الحديث - والقيد فيها هو " إذا كانت قد تزوجت زوجا قبله ".
  هذه الروايات واضحة الدلالة في كون سبق الوطء الشرعي هو موضوع استقلال الثيب بالولاية، فهو قيد. من هنا تحمل الروايات المطلقة عليها من باب حمل المطلق على المقيّد.
  قد يقال: أن حمل المطلق على المقيد يحتاج إلى ظهور، وقد درسنا في الاصول إنما يحمل المطلق على المقيَّد إذا كانا مختلفين بالسلب والايجاب، أما إذا كانا إيجابيين أو سلبيين فلا يتم الحمل، ويبقى المطلق على إطلاقه. [3]
 
  فإنه يقال: التقييد هو بالمفهوم، فإن المفهوم من الروايات المقيّدة بقاء الولاية مع انتفاء الشرط وهو سبق الوطء الشرعي.
  اشكال اخر لا يقال: بل نحمل المقيَّد على المورد الغالب فيبقى المطلق على إطلاقه. أي نحمل " بعد ان تكون قد نكحت زوجا قبله " على المورد الغالب بفقد البكارة عند النساء في المجتمع الاسلامي بالوطء الشرعي. فإذا حمل هنا كذلك اصبح القيد ليس للحكم بل ورد مورد الغالب.
  فإنه يقال: إن الحمل على الغالب يحتاج إلى دليل إلى وجه واستظهار، وهو مفقود هنا.
  نعم ذكر في المستند أن الولاية لا تسقط مع المرأة التي تزوجت من دون فقد بكارة. (أي حكمها حكم البكر). واستدل عليه بالإجماع وصدق عنوان الباكرة والجارية.
  وأورد عليه: بأنه إذا كانت ثيبا باعتبار أنها تزوجت وهي ايضا باكرة لصدق الاسم عليها، صدق عليها العنوانان: الثيب والبكر، فيتعارضان.
  والجواب: أنها وإن كانت هي التي تزوجت ولم تفقد " بكارتها " فهي بكرٌ لغة باعتبار أن
 الثيبوبة هي زوال البكارة إلا أن الحكم لما كان معلَّقا على عنوان الثيب مقيّدا بسبق الزواج والوطي فلا تعارض في البين وهذا هو المختار:
  ملخص المختار: ارتفاع الولاية عن المرأة التي فقدت بكارتها بوطء شرعي دون غيرها من أفراد الثيب. أي تبقى الولاية على الزانية وإن فقدت بكارتها على خلاف ما ذهب اليه السيد الخوئي (ره). بعبارة اخرى: اننا لا نحتاج لفهم معنى الثيب لغة حتى نثبت الحكم، والنص واضح صريح في التقييد وحمله على الاغلب يحتاج إلى استظهار وهو غير موجود فتنحصر، وشمول ان الزانية تسقط ولايتها يحتاج للدليل.
  غدا إن شاء الله نبحث الآراء الاخرى كالولاية على من ذهبت بكارتها بقفزة ونحوها.
 
  والحمد لله رب العالمين.


[1] ذكرنا سابقا أن في الشبهات الحكمية: علم، علمي، اصل لفظي، ثم الاصل العملي. الاصل اللفظي يطرد الشروط في المعاملات بينما الاصل العملي يفرض الاتيان بالشروط المشكوكة لان الاصل الفساد. نعم الاصل اللفظي مقدّم على الاصل العملي. نحمل المطلق على المقيّد أحيانا، أو نحمل المقيّد على الفرد الغالب، أو نحمله على الفرد الاكمل.
[2] وقد ذكرنا سابقا معنى النظر، هل هو فقط النظر في عدم المفسدة في الزواج أو يشترط أيضا النظر في المصلحة. والمشهور على عدم المفسدة وعدم اشترط المصلحة. ولكن ذكرنا في بحثنا انه لا بد من لحاظ المصلحة.
[3] فإذا بقي المطلق على اطلاقه فهذا يدفعنا لفهم معنى الثيب لان موضوع الحكم هو الثيب لذلك ذهب السيد الخوئي (ره) إلى أن التي فقدت بكارتها بزنى أو وطء تعتبر ثيبا ولا ولاية عليها بعد ذلك. فانه بحث معنى الثيب لغة وشمل التي فقدت بكارتها بزنى. بينما غيره لم يدخل الزانية تحت الحكم لا لأنها ليست بكرا لغة بل لأن حكمها حكم البكر لأنها لم تفقد بكارتها بالوطء الشرعي لوجود النص على ذلك.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo