< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

34/04/22

بسم الله الرحمن الرحیم

 العنوان: ولاية الوصي على الصبي في عقد النكاح
  أدلة من قال بالتفصيل بين نصّ الوصي على الولاية فتثبت، وبين عدمه فلا تثبت.
  اشكل على دلالة الآية على نفوذ مطلق الإيصاء وألفت النظر إلى خصوصيتين، بانها لـ " الوالدين والاقربين " دون غيرهم، وأن " ترك خيرا " لخصوص المال، فإذا أوصى بأمر لا علاقة له بالمال فهل تشمله هذه الآية؟.
  ذكرنا أمس الأمر الأول وهو ظهور الضمير في " بدّله " مطلق الإيصاء ولو عن طريق وحدة المناط.
  أما الامر الثاني: فقد أشكل على كون الولاية على الصغير من " ما ترك من الخير " وأنه خلاف الظاهر لأن الظاهر أن المراد هو الأموال فلا تشمل الولاية وذلك بقرينتين: قرينة الإستعمال الكثير في المال، وقرينة " مما ترك ".
  وأجيب: إن الولاية هي من الخير للصغير، وكانت موجودة في حياة الأب وتركها بعد وفاته، فتكون مشتملة للآية، وقد يكون في نكاح الطفل مصلحة له فيكون " مما ترك من الخير ".
  لكن يمكن أن يقال: إن إستدلال الشيخ بعموم الآية لا يكفي وحده، بل يحتاج إلى تتميم، فما ذكر وحده لا يكفي في الاستدلال على نفوذ الوصية بالولاية في عقد النكاح على الصغير، لأن الآية بناء على استنباط العموم توجب الالتزام بالوصية مطلقا. ثم بعد ذلك هل الالتزام يشمل كل أمر أو ما يصح التوصية به؟ فلو أوصى بالمحرم هل يجب الالتزام بالوصية؟ أو إذا اوصى بما لا يملك؟ فهنا لا نستطيع أن نلتزم بعموم الوصية. هناك عمومات المراد من متعلقها ما يصح فيه الانضواء تحت العموم، كما في الوقف مثلا، لذلك المشكوك في وقفيته لا استطيع أن أصحح الوقفية بعموم " الوقوف على حسب ما يقفها أهلها ".
  وبعبارة أخرى: تصحيح الوصية يجب أن يكون من دليل آخر ومتقدما على عموم الوصية بالآية.
  وللتوضيح: مثلا يقال: " يستحب إدخال السرور على المؤمن " إدخال السرور يكون في الأمور التي تجوز، فلا يقال أن عموم إدخال السرور يشمل بعض المحرمات كالزنى فيحل، وكذلك المشكوك حليّته. بعبارة اخرى: إذا كنت أشك في حلّية أمر يدخل السرور فهل أستطيع أن استدل بعموم " استحباب ادخال السرور على المؤمن " على حلية هذا المشكوك مونه فردا من العام.
  ومثال آخر للتوضيح: إذا شككت في حلية الترياق مثلا وهو يدخل السرور، فهل أستطيع الاستدلال بعموم استحباب ادخال السرور على المؤمن لأحكم بحليّة الترياق.
  هل استطيع أن استدل بالعمومات اللفظية فأطبقها على أحكام الصغريات المشكوكة واستطيع أن انتزع حكما؟ قد يقال بعدم إمكان استفادة حكم الحلية من العام على المشكوك.
  فاستدلال الشيخ الانصاري (ره) يحتاج إلى هذه التتمة، فلو سلمنا أن الايصاء مطلقا يجب الالتزام به واستطعنا استنباط نفوذ الوصية مطلقا، لكن هل يجوز للأب أن يوصي بالولاية على نكاح الصغير؟ هل الصغرى من تطبيقات استنباط الوصية مطلقا؟ جائز أو لا؟ هل استطيع بعموم الوصية أن اطبقها على الامر المشكوك فاستنبط الجواز لهذا الأمر المشكوك؟
  ويكون الإشكال على كلام الشيخ الأنصاري (ره): هو في عدم دلالة الآية على المدعى ولو قلنا بعموم الإيصاء، لأن المدعى هو صحة الوصية بالولاية على عقد نكاح الصغير، وهو أمر غير ثابت، بل هو أول الكلام وعموم الأمر بالأخذ بالوصية نقتصر فيه على الأمور التي ثبت صحة الوصية بها دون المشكوكة. وذلك نظير قوله (ع): " الوقوف على حسب ما يقفها أهلها ". فإنها تدل على وجوب الالتزام بالموقوف وهو يشمل كل موقوف صح وقفه، ولا تشمل ما نشك في صحة وقفه، فيبقى الشك في الصغرى. والنتيجة أن الآية لا تدل على المدعى.
  الآية الثانية التي استدل بها على التفصيل: قوله تعالى: " ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير ٌ". سورة البقرة / 221.
  وجه الاستدلال: أن تزويج الصغير مع المصلحة خيرٌ فيكون من شؤون الوصي الاهتمام بما هو خيرٌ.
  وأجيب عنه: بعدم شمول الآية لتزويج الصغير بأمرين.
  أولا: أن هذا خطاب شامل لكل المكلفين، لا لخصوص الوصي. فلا يكون دليلا على مسألتنا وهي ولاية الوصي بعنوانه. فالخطاب عندما يكون لكل المكلفين أي أن الله عز وجل ليس متهاونا بهذا الأمر، فصار واجبا كفائيا، فتخصيص بعض المكلفين دون الآخر يحتاج إلى دليل.
  ثانيا: أن الآية لا تدل على أن نكاح الصغير من الإصلاح، لأنها تدل على الكبرى فقط أي أن الاصلاح لهم خيرٌ، فهل تزويج الصغير هو إصلاح له؟ وبعبارة أخرى: هذه الآية تدل على الكبرى دون الصغرى.
  ويمكن أن يقال: إن الصغرى مسألة تشخيص عرفي، فلو فرضنا أنه تمّ تشخيص حالة تزويج بأنها من مصلحة الصغير فالكبرى تنطبق. وحينئذ لا يبقى إلا الجواب الاول وهو أن الخطاب شامل لكل المكلفين، فلا يختص بالوصي، ومسألتنا هي ولاية الوصي بعنوانه.
  الدليل الثاني الروايات: هناك روايات دلَّت على عموم نفوذ الوصية نذكر منها: ما في الوسائل الباب 63 [1]
  من أبواب
 أحكام الوصايا ج 13 ح 1، محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن محمد بن الحسن الصفار أنه كتب
  إلى أبي محمد الحسن بن علي (ع): رجل أوصى بثلث ماله في مواليه ومولياته الذكر والانثى فيه سواء أو للذكر مثل حظ الانثيين من الوصية؟ فوقع (ع) جائز للميت ما أوصى به على ما أوصى إن شاء الله. ورواه الكليني عن محمد بن يحيى عن الصفار. ورواه الشيخ بإسناده عن محمد بن الحسن الصفار.
  من حيث السند: المكاتبة لا تخدش في السند.
  من حيث الدلالة: الاستدلال بفقرة: " ما أوصى به على ما أوصى " عموم نفوذ الوصية.
  واستدل أيضا في نفس المصدر: ب 64 ح 1 محمد بن يعقوب عن عدة من اصحابنا عن سهل بن زياد قال: كتبت إلى أبي محمد (ع) : رجل كان له ابنان فمات أحدهما وله ولد ذكور وإناث، فأوصى لهم جده بسهم أبيهم فهذا السهم الذكر والانثى فيه سواء، أم للذكر مثل حظ الانثيين؟ فوقع عليه السلام: ينفذون وصية جدهم كما أمر إن شاء الله.
  وأيضا في نفس المصدر ب 64 ح 2 محمد بن يعقوب عن عدة من اصحابنا عن سهل بن زياد قال: كتبت إلى أبي محمد (ع) : رجل كان له ولد ذكور وإناث فأقر لهم بضيعة انها لولده، ولم يذكر انها بينهم على سهام الله وفرائضه الذكر والانثى فيه سواء؟ فوقع عليه السلام: ينفذون فيها وصية ابيهم على ما سمى، فإن لم يكن سمى شيئا ردوها إلى كتاب الله وسنة نبيه (ص).
  ورواه الشيخ بإسناده عن سهل بن زياد وكذا الذي قبله.
  واستدل أيضا بغيرها من الروايات.
  فهل يتم الاستدلال بهذه الروايات في مقامنا؟ والإشكال عليها غدا إن شاء الله.
 
 
 والحمد لله رب العالمين.


[1] نحب أحيانا أن نذكر ببعض الأمور، لان ميزة دراسة الحوزة تختلف عن الدراسات الآكادمية الحالية، فبمجرد انهاء الامتحان في الدراسات الاكادمية الطالب قد ينجح ولكن بعد مدّة ينسى كل شيء. اما في الدراسات الحوزوية فبعد ثلاثين سنة نحتاج إلى مسالة نحوية، أو في مقام الاستنباط قد نحتاج إلى مسألة منطقية، فنحن ندرس هذه المقدمات لاننا نحتاجها، لذلك يجب ان تستمر هذا المقدمات معنا ومع استحضارها واستيعابها دائما. فلا يكفي الاتكال على أن قال فلان، وإلا لا يكون المجتهد مجتهدا، إلا على أن نقول بأن المجتهد يستطيع أن يتكل على النحوي في نحويته، فيقلد النحوي ويقلد المنطقي في المنطق ويقلد عالم الرجال في علم الرجال ويقلد عالم الحديث حتى يصل إلى التقليد في علم الاصول والفقه، فلا يكون حينئذ مجتهدا بل يجمع الآراء وينسقها ويطبقها. فالعالم تستمر معه العلوم لانه غالبا ما يحتاجها.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo