< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

34/05/07

بسم الله الرحمن الرحیم

 العنوان: تزويج الوكيل موكلته من نفسه.
  نعود لدليل المنع. ذُكِر له دليلان: رواية عمار, ولزوم اتحاد الموجب والقابل.
  والدليل الاول: رواية عمار، في الوسائل ج 14 ب 10 من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ح 4.
  قلنا أن الرواية من جهة السند معتبرة.
  والاستدلال بالنفي من الامام (ع)، قالوا انه ظاهر في نفي الحل " أيحل لها " قال: " لا " ما بعد الاستفهام يكون متعلق بالاستفهام فـ " لا " ترجع ليحل. إذن فالرواية تدل على عدم جواز توكيل المرأة رجلا يزوجها من نفسه. والحل هنا بمعنى الصحة، الحلية الوضعية لا الحل التكليفي، لان الحلية في المعاملات هي الصحة غالبا إلا بقرينة تفيد التكليفية.
  وقد أورد على هذه الدلالة بعدة إيرادات:
  الايراد الاول: ما في المسالك من أن النفي متوجه لقولها " وكلتك فاشهد " فهو نفي لصحة التوكيل في الاشهاد خاصة، أو نفي لصحة الاشهاد، كونه زوجا مثلا.
  وأجيب: أن الظاهر كون النفي للحل، فالسؤال " أيحل لها ".
  الايراد الثاني: ما أورده في الجواهر وهو احتمال الكراهة من النهي، باعتبار تطرق التهمة الموجبة.
  وأجيب: أن رفع اليد عن ظهور النهي [1] في المنع والفساد ثم بعد ذلك نحمله على الكراهة يحتاج إلى
 قرينة، كذا حمله على الإجمال. وكلها لا وجه لها ولا قرينة عليها. لذلك قيل بأن الرواية تامة سندا ودلالة إذن يفسد توكيل المرأة لرجل أن يزوجها من نفسه.
  لكن الانصاف: أن التأمل في صدر الرواية، وهو السؤال عن " امرأة تكون في أهل بيت فتكره أن يعلم بها أهل بيتها " هذا التعبير " تكره أن يعلم بها "، مع العلم أن إيقاع العقد لا يكلفها أكثر من التوكيل " زوجتك نفسي " لا تكلّف أكثر من " وكلتك فاشهد " هذا التعبير يمكن أن يكون قرينة على الكراهة، أو على الأقل الظهور في المنع. فتكون الرواية مجملة حينئذ.
  وهناك إيرادات أخرى لن نذكرها للاختصار، والنتيجة أن لا ظهور معتبرا في الرواية، واحتمال ظهورها في الكراهة وارد، ولا يوجد عندنا أصالة الحقيقة تعبدا حتى نتعبد بالوضع لقوله (ع) " لا " مع الالتفات إلى كراهة أهل السكن، والنتيجة أن الرواية مجملة لا يطمئن إلى شيء في دلالتها.
  دليل المنع الثاني: اتحاد الموجب والقابل في شخص واحد وهو الزوج. قيل أن هذا محال كيف يمكن لشخص واحد أن يتصف بأمرين متقابلين في آن واحد [2] .
  والجواب: لا مانع عقلا وعرفا من اتحادهما، فيكون شخص واحد موجب من جهة وقابل من جهة اخرى، وقد امضى الشارع العرف [3] ، فالمقتضي للصحة موجود والمانع مفقود، فالعرف لا يرى مانعا من اتحاد الموجب والقابل في شخص واحد. فيكون المانع ما يتوهم من دلالة الرواية السابقة.
  إذن الدليل على صحة تزويج الموكلة من نفس الوكيل: أن المقتضي موجود والمانع مفقود، فالمقتضي كونه عقدا، وكونه نكاحا فيشمله إطلاقات النكاح وعمومات الوفاء بالعقد. إلا ان يقال أن هذا لا يسمى عقدا عرفا.
  أما المانع: هو الرواية السابقة، واتحاد طرفي العقد. فهو مفقود، فقد ذهبنا إلى إجمال الرواية وجواز اتحاد طرفي العقد. حينئذ يمكن الذهاب إلى صحة تزويج الوكيل لنفسه.
 حكم تزويج الابوين للصغيرين غدا إن شاء الله.
  والحمد لله رب العالمين.


[1] هناك ثلاثة احتمالات لهذا النهي: إما ان يكون بمعنى الفساد. أو يكون بمعنى الكراهة. أو ان يكون مجملا. في حال الاجمال نقول هناك توجهان: الاول: ان يكون المتبع هو الظهور. الثاني: أن يكون المتبع هو أصالة الحقيقة، أي أن نرى " لا " إذا كانت موضوعة للحرمة، فالأصل استعمالها في المعنى الحقيقي الذي وضعت له دون الرجوع إلى الظهور، وهذا مذهب الكثير من القدماء، قالوا: ان أصالة الحقيقة والاطلاق والعموم، نأخذها تعبدا، ولذلك بحثوا عن الموضوع له. أما مشهور المتأخرين قال: ان العمل بالظهور سواء كان المعنى الحقيقي أم غيره، ولذلك قلنا سابقا بانه إذا كان الظهور هو الاساس فما معنى مباحث الالفاظ؟ قلنا: إن مباحث الالفاظ مُعينة لا معيِّنة، فهي لا تعيِّن المعنى الحقيقي لعدم وجود اصالة الحقيقة. فعند وجود نهي إذا كان هناك قرينة على الكراهة فالحمد لله، لكن مع وجود الشك، فإن كان هناك ظهور في الحرمة نعمل به لأنه هو الاصل، ومع ارتفاع الظهور تصبح القضية مجملة، فنأخذ بالقدر المتيقن أو نبحث عن دليل آخر، ذكرنا ذلك في مراحل الشبهة المفهومية. في مسالتنا عندما نقول: " أيحل لها " قال: " لا ". أذا كان هناك قرينة على الكراهة، نعمل بها، أما إذا كان احتمالا لا يعتدّ به فلا يصرفه عن الظاهر، أما إذا كان احتمالا معتدا به فيصرفه عن الظهور ويصبح النص مجملا.
[2] تذكير: في المنطق ذكر الفرق بين المتخالفين والمتقابلين. المتخالفان لا يجتمعان ولا يوجد بينهما تنافر. مثل: الكتاب والطاولة، لا يجتمعان في مكان واحد ولا زمن واحد، متخالفان ولا يتنافران. أما في الاسود والابيض فهما متقابلان لوجود التنافر بينهما كما في الاعمى والبصير. وقُسِّم التقابل إلى اربعة اقسام: النقيضان، لا يجتمعان ولا يرتفعان وهما امران وجودي وعدمي. الملكة والعدم، لا يجتمعان ولا يرتفعان في من شأنه ذلك، وهما امران وجودي وعدمي. والمتضادان، كما في الالوان وهما أمران وجوديان. والمتضايفان، كالأب والأم والابن، من جهة لا يجتمعان في زمن واحد من جهة واحدة، وكلاهما امران وجوديان. وهنا يوجد امران وجوديان متقابلان متنافران، موجب وقابل. لكن ذكر في حاشية الملا عبد الله وكل المناطقة انه لا بد من جهة واحدة لقول بالتقابل، فإذا كان الموجب والقابل من جهتين فلا مانع.
[3] قلنا سابقا بأن كل ما كان وضعا عرفيا واستعمله الشارع وامضاه، وكان الشارع في مقام بيان. نقول: كل ما كان ممضى عرفا هو ممضى شرعا.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo