< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

34/11/24

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: النظر واللمس
حكم النظر إلى المسلمة الأجنبية.
كان الكلام في جواز النظر للمرأة الأجنبية المسلمة المتدينة والكلام فيها من ثلاث جهات:
اولا: الادلة على التحريم اجمالا.
ثانيا: مقدار ما يحرم.
ثالثا: بعض شروط التحريم كالنظر بريبة أو تلذذ.
وفي الجهة الاولى انما نذكر الادلة اجمالا حتى نستطيع الاستفادة منها في الجهات الاخرى لان الدليل كما يدل على اصل الموضوع يدل أيضا على الفروع، من هنا بدأنا بالدليل على حرمة النظر اجمالا، وبدأنا بالآيات القرآنية آية " الغض " وآية ﴿ يدنين عليهن من جلاببهنّ ﴾.[1]
وقيل أن من الأدلة آية: ﴿ وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً ﴾ [2]، بتقريب أنه تعالى لم ينه عن الزنى بل القرب من الزنى، ومن القرب من الزنى النظر إلى الأجنبية، نهي عن المقدمات.
وفيه: أن الآية في مقام بيان حكم الزنى وحرمته، أي حكم على الطبيعة على نحو القضية المهملة لا على نحو القضية المحصورة. وللتشديد على حرمته عبّر بقوله﴿ وَلا تَقْرَبُوا ﴾، ثم بيّن وصفه بقوله ﴿ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً ﴾ وأكّد حرمته ﴿ وَسَاءَ سَبِيلاً ﴾ فوزان ﴿ وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى ﴾ وزان ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾[3] أي اجتنبوا الخمر، وذلك للمبالغة في التحريم.
الدليل الثاني: الإجماع، بل الضرورة كما ذكره صاحب الجواهر (ره) « بل في كنز العرفان في تعليل ما اختاره من التحريم بإطباق الفقهاء [4]على أن بدن المرأة حرام إلا على الزوج والمحارم ». [5]
نقول: إن الذي يمكن تحصيله هو إطباق العلماء من كل المذاهب الإسلامية، أما الإجماع
الكاشف عن رأي المعصوم فيحتاج إلى إثبات ذلك [6]، فهو وكشفه عن رأي المعصوم (ع) مع مدركيته في غاية البعد خصوصا مع ملاحظة تنوّع المدارك الذي يوهن من حجية الاجماع، أي يضر بكشف هذا الاطباق عن رأي المعصوم حتى يصبح اجماعا. نعم لو كان ضرورة كما قال صاحب الجواهر لما ضرّ حتى ولو كان ذلك.
ثم أن الإجماع لو تمَّ دليل لبيَّ نقتصر فيه على القدر المتيقن.
الدليل الثالث: سيرة المتدينين من ستر المرأة إجمالا، وهي سيرة ثابتة كمتشرعة، وهي إجماع عملي، ويلزمه عدم جواز النظر إليها.
في البداية، ما الفرق بين حكم العقلاء وسيرة العقلاء:
أن حكم العقلاء هو ما تقضي به عقولهم مجتمعة لأمر عملي، كحكمهم بأن العدل حسن وأن الظلم قبيح.
أما سيرة العقلاء فهي مسلك وعادة وعمل اعتمدوه لسدّ حاجاتهم كعملهم بخبر الواحد لسد حاجة تبادل المعلومات عند عدم تيسر القطع والعلم [7].
والسيرة على ثلاثة أقسام: سيرة العقلاء، وسيرة المجتمع الخاص، وسيرة المتشرعة.
أما سيرة العقلاء، فكالعمل بخبر الواحد الظني، فقد عمل العقلاء به لسدّ حاجة تبادل المعلومات، وقد تسمى بالعرف العام، وذلك بسبب عدم تيسر أسباب القطع واليقين، وتحتاج حجية هذه السيرة إلى تقرير المعصوم (ع).
وأما سيرة المجتمع الخاص، فهو مسلك مجتمع بعينه، وقد يسمى بالعرف الخاص، كإطلاق اللحية كما قيل، الذي كان عرفا عند العرب والفرس دون الروم. وهذه السيرة تحتاج أيضا إلى تقرير المعصوم.
وأما سيرة المتشرعة، فهي سيرة المتدينين بدين الإسلام، يعملون بها كمتشرعة، أي انطلاقا من
شرعهم، ويكون الباعث لعملهم هو أمر الله تعالى ونهيه وليس سدّ الحاجات، وهذه سيرة تكشف
عن رأي المعصوم لو كانت متصلة بزمنه (ع).
وهنا قد يقال: إن ستر المرأة إجمالا خصوصا رؤوسهنّ كان قبل الإسلام، ويؤيده أمر الله عز وجل لنبيّه الكريم بأن أزواجه وبناته ونساء المؤمنين بأن يدنين عليهن من جلابيبهنّ، مما يعني أنهنَّ كنّ يلبسن الجلباب، وهو يستر الرأس. كذلك أية غضّ البصر التي وردت في امرأة تلبس الخمار وقد تقنعت خلف أذنيها، ونذكر الرواية:
محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن احمد بن محمد عن علي بن الحكم عن سيف بن عميرة عن سعد الإسكاف عن أبي جعفر (ع) قال: استقبل شاب من الأنصار امرأة بالمدينة، وكان النساء يتقنَّعن خلف آذانهنّ، فنظر إليها وهي مقبلة، فلما جازت نظر إليها ودخل في زقاق قد سمّاه بني فلان، فجعل ينظر خلفها، واعترض وجهه عظم في الحائط، أو زجاجة، فشقّ وجهه، فلما مضت المرأة نظر فإذا الدماء تسيل على ثوبه وصدره، فقال: والله لآتين رسول الله (ص) ولأخبرنّه، فأتاه فلما رآه الرسول (ص) قال: ما هذا؟ فأخبره، فهبط جبرائيل (ع) بهذه الآية: " قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون " [8].
من حيث السند: الرواية معتبرة.
ومن حيث الدلالة: فالشاهد فيها ما ورد فيها: «وكان النساء يتقنعنَّ خلف آذانهنّ » الظاهر منها أن القناع كان قبل عادة للنساء عند العرب، الذي يلزمه عدم النظر.
ويقول عنترة بن شداد: وأغضّ طرفي إن بدت لي جارتي حتى يواري جارتي مأواها
وكان يقولها متفاخرا أنه يأتي بمكرمة، وهل أن هذا من الفطرة أم لا ؟
فملخص ما سبق: إن لبس الخمار وغضّ البصر كان موجودا عند العرب قبل الاسلام. قد يقال: فلعلّ سيرة المتدينين هي امتداد ليسرة عرف خاص وهي عرف المجتمع العربي، وليس بسبب أمر الله تعالى وجعله للحجاب، وعليه لا تكون السيرة للمتشرعة كمتشرعة، وبهذا تنتفي الحجية عنها؟
والجواب: إن هذا صحيح لو لم يتم إقراره في الروايات والحديث، بل وفي القرآن، ومع تدخل الشارع المقدّس في إقرار أصل الحكم ثم ببيان تفاصيله من حيث الدوافع وموقع الحلال والحرام فيه، نجزم بأن السيرة أصبحت للمتشرعة كمتشرعة.
نعم السيرة دليل لبيّ نقتصر فيه على القدر المتيقن، وهذا ستنفعنا في مسألة ما هو المقدار المحرم النظر اليه؟ ومتى يحرم النظر؟ ومن هي التي يحرم النظر اليها؟


[4] قلنا ان هذه العبارات والاصطلاحات يفرض أن تستعمل في معنى ثابت محدد لتثبيت الاصطلاح. .
[6] ذكرنا أن الاجماع من الادلة القطعية، ولا يكون حجة إلا إذا كشف بنحو القطع عن رأي المعصوم (ع)، وذكرنا تفصيلات الاجماع في دروس سابقة، وذكرنا ان الاجماع اصلا ليس دليلا كما ذكر الشيخ الانصاري (ره) بانهم هم اصل له وهو اصل لهم. فحجيته تحتاج إلى دليل. .
[7] ذكرنا مثلا على ذلك، عادة الناس في الاسابيع هذه الايام أن تحضر للعزاء ويقدم لهم صاحب العزاء الطعام، وهو في الواقع مخالف لشرع لأنه يستحب للناس ان يقدموا الطعام لأهل العزاء ثلاثة ايام، فعادة ان يقدم أهل العزاء الطعام مخالفة للتشريع، العادة بدأت من حاجة الناس للطعام، فعندما تنتفي هذه الحاجة تنتفي العادة، لكن هذه العادة استحكمت، وهنا نقول ان هناك فرق كبير بين العادة والدين الذي هو امر فطري وجداني يؤدي بالإنسانية بالتقدم، أما العادات مسألة اقتضتها حاجة وفترة معينة ولا يجوز ان تبقى العادات مع الزمن لأنها تؤدي إلى تخلف المجتمع لأنها تصبح امرا مطلوبا دون فائدة وسبب بعد تجاوز الحاجات. .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo