< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

34/12/04

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: حكم النظر إلى المسلمة الأجنبية.
قلنا أن الجهة الاولى في جواز النظر إلى المرأة الاجنبية هي في ادلة حرمة النظر إجمالا. والجهة الثانية في مساحة جواز النظر أي المواقع التي يجوز فيها النظر ومتى. والجهة الثالثة في بعض الشروط من قبيل الريبة والفتنة. وانما بدأنا بالجهة الاولى لأنه من خلال الادلة نستطيع ان نعرف الفروع، أي ان الدليل على حرمة شيء يدلنا على حرمة مروعه. استدللنا بالآيات القرآنية ثم بالإجماع، ثم سيرة المتشرعة المتدينين، بقي الروايات، وان كان الروايات الواضحة في حرمة النظر صراحة قليلة، لكن الجو العام من الروايات والآيات وسيرة المتدينين بأكملها، تشعر وكأن الامر مسلم، وكأنه لا داع للبحث فيه يكاد يكون ضرورة.
الدليل الرابع: الروايات.
منها: الروايات الدالة على جواز النظر إلى من يريد التزوج بها، وقد مرّت مفصلّة، ولا يبعد صحة دعوى لزوم حرمة النظر إلى غيرها. وقد مرّ معنا أن مفهوم اللقب والوصف لم يثبت أي ليس بحجة وليس له ظهور، وقال بثبوته بعض الاصوليين كالشريف المرتضى (ره).
ومنها: الروايات الدالة على جواز النظر إلى نساء أهل الذمّة، والدلالة على عدم جواز النظر إلى المسلمات باللازم كالسابقة.
ومنها: الروايات المجوِّزة للنظر إلى نساء أهل البوادي والأعراب وأهل الذمّة المعلَّلة بـ « أنهن إذا نهين لا ينتهين »[1]، وفي الرواية: «إذا نهوا لا ينتهون » [2] التي يفهم منها عدم جواز النظر إلى المسلمة الأجنبية المتدينة وذلك بمفهوم العلّة، وقد مرّت أيضا مفصلّة.
ومنها: من الروايات بالمنطوق وليس باللازم، ما روي في الوسائل ح 12 وفي العلل وعيون الاخبار: بأسانيده
عن محمد بن سنان عن الرضا (ع) فيما كتبه إليه من جواب مسائله:
« وحرّم النظر إلى شعور النساء المحجوبات بالأزواج وإلى غيرهن من النساء لما فيه تهييج الرجل وما يدعو إليه التهييج من الفساد والدخول فيما لا يحلّ ولا يحتمل، وكذلك ما أشبه الشعور إلا الذي قال الله تعالى: ﴿ وَالْقَوَاعِدُ مِنْ النِّسَاءِ اللاَّتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ ﴾[3]، أي غير الجلباب، فلا بأس بالنظر إلى شعور مثلهنَّ.» [4]
الرواية صريحة في حرمة النظر إلى الأجنبيات لكنه معلَّل بلزوم التهييج. إلا أن يقال أن هذه العلة ليست علّة دائمة بل من باب الحكمة، أو أنها علّة تتبع طبيعي الشيء وهي مأخوذة بالنسبة للأفراد على نحو القضية المهملة.
ثم إن في السند محمد بن سنان وهو رجل عظيم من كبار صحابة الائمة (ع) وورد فيه ثناء كثير وذم كثير، لكن الذم أوَّله الفقهاء بالذم الذي ورد في زرارة بن أعين وصفوان، ذم لأجل حمايتهم، هو ثقة لكن الذي لم يأخذ برواياته لانه قال ان ما رواه وجادة لا سماعة، أي من الكتب لانه ورد " لعن الله المغيرة بن سعيد قد دس في كتب اصحاب ابي اربعة آلاف حديث " دست الروايات التي تشتمل على الغلو حتى يكره الناس الائمة (ع). والذي يذكره صاحب الوسائل تحت رقم 1049: محمد بن سنان أبو جعفر الزاهري، وثقه المفيد، وروى الكشي له مدحا جليلا يدل على التوثيق، وضعَّفه النجاشي والشيخ ظاهرا. والذي يقتضيه النظر أن تضعيفه إنما هو من ابن عقدة الزيدي، ففي قبوله نظر، وقد صرّح النجاشي بنقل التضعيف عنه وكذا الشيخ ولم يجزما بضعفه، على أنهم ذكروا وجهه وهو أنه قال عند موته: كل ما رويته لكم لم يكن لي سماعا وإنما وجدته وهو لا يقتضي الضعف إلا بالنسبة إلى أهل الاحتياط التام في الرواية، وقد تقدّم ما يدل على جوازه. ووثقه ابن طاووس والحسن بن علي بن شعبة وغيرهما، ورجحه بعض مشايخنا، وهو الصواب، واختاره العلامة في بحث الرضاع من " المختلف " وغيره.
ووجه الذمّ المروي ما مرّ في زرارة، بل ورد فيه وفي صفوان نصّ خاص يدل على زوال موجبه .... الخ.
ومنها: نفس المصدر الحديث 16، وفي عقاب الأعمال بإسناد تقدم في عيادة المريض عن رسول الله (ص) قال: من اطلع في بيت جاره فنظر إلى عورة رجل أو شعر امرأة أو شيء من جسدها كان حقا على الله أن يدخله النار مع المنافقين الذين كانوا يتتبعون عورات النساء في الدنيا، ولا يخرج من الدنيا حتى يفضحه الله، ويبدي للناس عورته في الآخرة. ومن ملأ عينيه من امرأة حراماً حشاهما الله يوم القيامة بمسامير من نار، وحشاهما نارا حتى يقضي بين الناس، ثم يؤمر به إلى النار ".[5]
الشاهد في الرواية في فقرتين: الاولى: « من إطّلع في بيت جاره ». والثانية: قوله (ص) « ومن ملأ عينيه من امرأة حراما ».
والظاهر أن موضوع التحريم هو التعمّد والتتبع كما يظهر من الفقرة الأولى، ولا إطلاق فيها يشمل جميع الحالات.
وأما الفقرة الثانية فهي لا تدل على تحريم النظر إلى الأجنبية، بل تدل على العقاب على النظر المحرّم
ذلك أن كلمة «حراما »لا يخلو الأمر فيها: إما أن تكون نعتا لامرأة، أو حالا لها، أو تمييز نسبة بين النظر والمرأة.[6]
أما كونها نعتا فلا يصح نصب حراماً، لأن النعت يتبع المنعوت، فيقال: " من امرأةٍ حرامٍ ".
وأما كونها حالا فلا يصح أيضا لاشتراط كون صاحب الحال معرفة أو ما بحكمه أو مقدّما. وصاحب الحال هنا وهو « امرأة » ليس شيئا من ذلك.
فيتعيّن كونها تمييز نسبة، فيكون المعنى حينئذ – والله العالم – " من ملأ عينيه امتلاء محرما من امرأة، حشاهما الله نار ". فالتحريم يفترض أن يكون قبل ملأ العينين فلا نفهم التحريم من نفس الرواية، فليس هناك اطلاق ليكون دليلا على تحريم النظر، فالرواية لا تدل على تحريم النظر.
ويؤيد هذا التوجيه الرواية الواردة في نفس المصدر الباب 105 باب تحريم التزام الرجل الاجنبية ولمسها ومصافحتها حرّة أو أمة ح 1 :
«محمد بن علي بن الحسين عن شعيب بن واقد، عن الحسين بن زيد عن جعفر بن محمد، عن آبائه (ع) في حديث المناهي قال: ومن ملأ عينيه من حرام ملأ الله عينيه يوم القيامة من النار، إلا أن يتوب ويرجع .....» [7].
الشاهد فيه قوله:« من ملأ عينيه من حرام »، وكلمة " من " يجوز زيادتها في تمييز النسبة فتقول في: " ملأ الأرض ذهبا " " ملأ الأرض من ذهب "، وهذا بخلاف الوصف والحال حيث لا يجوز زيادة " من ".
نعم لو كان لفظ " حرما " نعتا أو حالا لـ " امرأة " لصح الاستدلال بالرواية على عدم جواز النظر للأجنبية.
هذه المسألة ستنفعنا كثيرا في مسألة جواز طفل الانبوب، ومن هي الام، وفي مسألة "من اراق ماءه في رحم امرأة حراما "، كثير من الاستدلالات تقول ان هذه تدل على تحريم اراقة الماء بالإطلاق إلا ما خرج بدليل. نجيب: بان كلمة " حرام " هنا هي تمييز وليست نعتا ولا حالا، وهذا يؤدي إلى فهم آخر للرواية الذي يؤدي إلى أن هذه الروايات لا تدل على التحريم، بل تدل على ان الحرمة موجودة سابقا ويطلب منك أن لا تملأ عينيك من نظر محرم، فالتحريم موجود من دليل آخر وليس من نفس الرواية.
إن شاء الله غدا الدراسي نكمل الروايات، ونحن الآن على مشارف عطلة الاضحى المبارك أعاده الله علينا وعليكم وعلى جميع المؤمنين والطيبين بالخير واليمن والبركة، واسأل الله تعالى التوفيق لي ولكم ولا تنسونا من الدعاء في هذه الايام الكريمة، ولا تنسوا المؤمنين ولا صاحب الزمان (ع) من الدعاء، فالإنسان العادي الموالي لأهل البيت يتألم كثيرا لما يحصل لأهل البيت (ع) ولاتباعهم وللمؤمنين وللمسلمين بشكل عام، فكيف بصاحب الزمان (ع) هذا الانسان الكامل العظيم، كامل العاطفة المروءة، كيف هو معنا؟، فانا الانسان العادي واتألم كثيرا فكيف هو؟ لذلك اطلب منكم أن نعين صاحب الزمان (ع) في مثل هذه الايام، ومن جملة اعانته أن نقوم بدورنا وأن لا نترك الناس ﴿ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾[8] العالم الذي يتفقه وينذر، الناس إذا تركت استحوذ عليها شياطين الارض يلعبون بهم، الامر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب نراه في كل حال وفي كل سكن، لذلك اتمنى منكم أن تدخلوا بيوت الناس ولا تتركوا مواقع الاجتماع، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وسيلة لإيصال دين الله عز وجل والحق والفكر الصحيح.
وبكلمة بسيطة: اياكم أن ينزغ الشيطان في قلوبكم أو في نفسي، لأني اولا اعظ نفسي، فالشيطان يقول لي، أنا صاحب الموقعية الخاصة، ليس من المناسب ان ازور فلانا !!!، هذا من فعل الشيطان، نزور الكبير والصغير والفقير والامير، هذه رسالتنا ان نوصل كلمة الحق والتكلم بما يرضي الله عز وجل، وذلك بما امكنكم وبحسب امكانياتكم، وإن شاء الله في كلمة ثانية نتوسع بهذا الموضوع، فأمير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع) كان يجلس عند ميثم التمار الرجل الصالح وكان احيانا يساعده ويبيع التمر معه، الأمير (ع) اسوة لنا. وبهذا نستطيع أن نوصل كلمة الله للناس، هذه رسالتنا ونحن اوقفنا انفسنا على هذه الرسالة، وينبغي أن نحاول عدّة مرات لإيصال الحق وتبليغ الرسالة. أن شاء الله نتوسع أكثر في الكلام. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


[5] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج14، ص141، أبواب مقدّمات النكاح وآدابه ، ب104، ح16، ط الإسلامية.
فائدة لغوية: هل يقال: " عورات النساء " " عَوَرات النساء " كسهل وسهلات، وسجدة وسجدات، متى يتحرك الحرف الثاني. الظاهر أن الاسم إن كان وصفا فلا يحرك، وإن كان غير وصف اسم ذات حينئذ يتحرك.

[6] تذكير: التمييز هو رفع ما انبهم من الذوات والنسب. تمييز النسبة من قبيل " تفجرت الارض عيونا "، والتمييز قد يأتي تمييز مفرد، كـ " ثلاثة عشر رجلا " وقد يأتي تمييز نسبة، كـ " إشتعل الرأس شيبا " فشيبا هي نسبة الاشتعال إلى الرأس.
[8] سورة التوبة.، آية122.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo