< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

34/12/15

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: حكم النظر إلى المسلمة الأجنبية.

لا بأس بإعادة جزء من الدرس السابق نظرا لطلب بعض الأحبة، وذلك لبيان جزء من النص وهو قوله (ع) «ومن ملأ عينيه من امرأة حراما حشاهما الله يوم القيامة بمسامير من نار » [1]وكان إشكال بعض الاساتذة والطلاب أنها دليل على تحريم النظر إلى المرأة الأجنبية، بحيث نستطيع أن نستنبط منها أصلا لفظيا وهو " كل نظر إلى امرأة حرام إلا ما خرج بدليل " لأن الاصل اللفظي إذا لم يتم استنباطه نصل إلى الاصل العملي الذي هو البراءة أي يجوز النظر. بعبارة اخرى: نحن من استعراض هذه الادلة نريد أن نصل إلى أن الاصل حرمة النظر أو حلية النظر؟
استعرضنا الآيات، والاجماع، وسيرة المتشرعة، وبدأنا بالروايات، ووصلنا إلى رواية عقاب الأعمال بإسناد تقدم في عيادة المريض:
«عن رسول الله (ص) قال: من اطلع في بيت جاره فنظر إلى عورة رجل أو شعر امرأة أو شيء من جسدها كان حقا على الله أن يدخله النار مع المنافقين الذين كانوا يتتبعون عورات النساء في الدنيا، ولا يخرج من الدنيا حتى يفضحه الله، ويبدي للناس عورته في الآخرة. ومن ملأ عينيه من امرأة حراماً حشاهما الله يوم القيامة بمسامير من نار، وحشاهما نارا حتى يقضي بين الناس، ثم يؤمر به إلى النار ». [2]
لكن كما بيّنا سابقا وسنبيّن الآن أن الرواية كمثيلاتها لا دلالة فيها على تحريم النظر إلى الأجنبية، بل تدل على العقاب على النظر المحرم المتعدّد للأجنبية التي يحرم النظر إليها فكأن الرواية تقول: " إذا ثبتت حرمة النظر إلى الأجنبية، فمن ملأ عينيه من امرأة حراما حشاهما الله يوم القيامة بمسامير من نار ".
والوجه في ذلك: إن كلمة « حراما » إن كانت قيدا للمرأة دلّت الرواية على التحريم وأمكن استنباط الأصل اللفظي من ذلك.
وإن كانت« حراما » قيدا للنظر، فلا تدل الآية على التحريم ولا تدل على الأصل اللفظي.
وأما عدم الدلالة على التحريم وكون « حراما » قيدا للنظر لا للمرأة:
فبيانه: إن كلمة «حراما »لا يخلو الأمر فيها من خمسة احتمالات:
-إما أن تكون نعتا لامرأة.
-وإما أن تكون حالا من امرأة.
-وإما أن تكون تمييز نسبة النظر إلى امرأة.
-وإما أن تكون نائبا عن مفعول مطلق، أي: " من ملأ عينيه من امرأة ملأ حراما ".
-وإما أن تكون حالا للملأ، أي: من ملأ عينيه من امرأة حالة كون الملأ حراما.
ذكر في قطر الندى قولهم " سير عليه طويلا "، فهل تعرب طويلا حال، أو بمعنى: " سير عليه حالة كون السير طويلا " أو تعرب نائب مفعول مطلق بمعنى: " سير عليه سيرا طويلا "، قام الوصف مقام المفعول المطلق المحذوف.
والخلاف في الاحتمالين الأخيرين هو نفس الاختلاف عند النحاة.
أما الاحتمال الأول: وهو كون «حراما» نعتا لامرأة فلا يصح لنصب« حراما » والمفروض جرّه لأن النعت يتبع المنعوت.
وأما الاحتمال الثاني: وهو كونه حالا من عينيه، فلا يصح أيضا كون صاحب الحال يجب أن يكون معرفة أو ما بحكمه كالعموم المطلق، أو إذا كان نكرة يجب ان يكون الحال مقدما وصاحب الحال مؤخرا. ومثل له في النحو بقول الشاعر " لميَّة موحشا طلل "، هنا " طلل " صاحب الحال وهي نكرة و " موحشا " حال لنكرة. لذلك قالوا انه اذا تقدم الحال على صاحب الحال جاز، فلا اشكال حينئذ وجاز ان يكون صاحب الحال نكرة..
وصاحب الحال هنا وهو امرأة ليس شيئا من ذلك.
وفي هذين الاحتمالين النعت والحالية، تكون «حراما »قيدا لامرأة.
الاحتمالات الثلاثة الأخيرة كلها واردة ولا إشكال عليها وفيها جميعا يكون القيد « حراما» قيدا للنظر، وحينئذ يتم المطلوب وهو أن لا دلالة لهذه الرواية وأمثالها على حرمة النظر إلى المرأة بعنوان كونها امرأة، ولا يمكن تصيد أصل لفظي وهو: " كل نظر إلى امرأة حرام إلا ما خرج بدليل"، بل لا بد حينئذ من الاستدلال على حرمة النظر من دليل آخر، وتكون الرواية اجنبية عن المقام.
وقد ايدنا ذلك بما ورد في حديث المناهي: «ومن ملأ عينيه من حرام » [3]حيث إن زيادة " مِنْ " تصح في التمييز، ولا تصح في النعت والحال.[4]
ومنها: روايات عدم إتباع النظرة النظرة: س ج 14 ب 104 ح 5 و8و11و13و15و17.
ومنها: روايات أن زنى العين النظر، نفس المصدر ح 2.
ومنها: روايات أن النظر سهم من سهام إبليس:
« محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن علي بن عقبة (ثقة)، عن أبيه (عقبة بن خالد) عن أبي عبد الله (ع) قال: سمعته يقول: النظرة سهم من سهام إبليس مسموم، وكم من نظرة أورثت حسرة طويلة ».[5]
من حيث السند الرواية موثقة.
ومنها: نفس المصدر س ح 5، بنفس المضمون.
وقد استدل الفقهاء بهذه الروايات للدلالة على حرمة النظر، إلا أن فيها تأملا من حيث احتمال كونها إرشادية، وسيأتي بيان ذلك.
ومنها: ما روي: « عبد الله بن جعفر في قرب الاسناد عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أحمد بن محمد بن ابي نصر عن الرضا (ع) قال: سألته عن الرجل يحلّ له أن ينظر إلى شعر أخت امرأته؟ فقال: لا، إلا ان تكون من القواعد. قلت له: اخت المرأة والغريبة سواء؟ قال: نعم؛ قلت: فما لي من النظر إليه منها؟ فقال: شعرها وذراعها ».[6]
أقول: أي الحر في الوسائل: هذا مخصوص بالقواعد لما ذكر في أوّله.
ومنها: ما روي في الوسائل: « محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن مروك بن عبيد [7] عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله (ع) قال: قلت له: ما يحلّ للرجل أن يرى من المرأة إذا لم يكن محرما؟ قال: الوجه والكفان والقدمان. ورواه الصدوق في (الخصال) عن محمد بن الحسن، عن الصفار عن أحمد بن محمد مثله ».[8]
أما السند فالإشكال فيه في كلمة «بعض أصحابنا » حيث قد يعتبر البعض انها من المرسل، والظاهر أنه من الحسن، وانا أميل لاعتبار هذا الصنف من الاسناد. وقد ذكرنا ان هناك قرق بين كلمة " بعض اصحابنا " وكلمة " رجل " الذي لا اشكال في أن الحديث يكون مرسلا. اما كلمة " اصحاب " فيها صفة المدح، فهل نعتبره من الحسن؟ والاشكال في اعتباره هو ان التوصيف بأصحابنا إذا لم يرد فيه ذم أو منقصة هو المعتبر من الحسن، ومع احتمال المنقصة أو الذم يسقط عن الاعتبار ويصبح مرسلا.
اما من ناحية الدلالة: يمكن أن نستنبط منها اصلا لفظيا بخصوص المرأة. فإذا شككت في جواز النظر لامرأة تارة اشك في جواز النظر لمكان ومساحة معيّنة كالرقبة والقدمين. وتارة يكون الشك في النظر إلى امرأة ما كما في جواز النظر إلى المرأة التي يريد أن يتزوجها، هل يجوز النظر أو لا؟ أو النظر إلى المرأة الكتابية، أو من أهل البوادي؟.
هذه الرواية لو تم سندها يمكن أن تأسس لي أصلا لفظيا بخصوص جواز النظر إلى بعض المرأة، بعض المواقع من الوجه او الكفين وغيرها، وليس إلى المرأة كامرأة، أي أن " كل امرأة اجنبية لا يجوز النظر اليها إلا ما خرج بدليل ".
وبعبارة واضحة: لو تمّ سند الرواية فإنه يمكن استنباط أصل لفظي وهو:" كل جسد المرأة وشعرها يحرم النظر إليه إلا ما خرج بدليل". ولا يمكن استنباط أصل لفظي آخر وهو " كل امرأة لا يجوز النظر إليها إلا ما خرج بدليل".



[4] سأل بعض الطلبة عن احتمال تقدير كلمة " عليه " أي " حراما عليه " وكان الجواب ان هذا ممكن لكن التقدير يحتاج إلى دليل والأصل عدمه. كما سأل آخر عن احتمال سقوط من النساخ؟ وكان الجواب: إن هذا التركيب موجود في عدة روايات مثل: " من ألقى نطفته في رحم امرأة حراما ...." ويستبعد جدا السقط من النساخ أو عدم ذكر الراوي في كل هذه الموارد.
[7] ثقة ثقة كما عن النجاشي..

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo