< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

35/01/23

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: حكم النظر إلى المسلمة الأجنبية المتدينة.
بعد أن ذكرنا جواز النظر إلى بعض النساء مثل التي يريد التزوج بها والكتابية واللواتي إذا نهين لا ينتهين، نقلنا الكلام إلى المسلمة الاجنبية المتدينة.
ذكرنا ان تحقيق المسألة في حكم النظر في عدّة جهات:
الاول: الدليل على عدم جواز النظر إلى الاجنبية المسلمة اجمالا.
وقلنا ان الادلة على عدم جواز النظر متعددة منها أولا: الاجماع أو التسالم أو الضرورة.
الدليل الثاني: الآيات من القرآن الكريم، آية الغض من البصر وغيرها.
الدليل الثالث: الروايات الواردة التي استدلوا ببعضها على عدم جواز النظر بالمطابقة :«النظرة سهم من سهام ابليس مسموم»، وبعضها الآخر استدلوا به باللازم بقرينة الاستثناء مثلا: «يجوز النظر إلى من يريد التزوج بها» لازمه ان هناك حرمة النظر بشكل عام.
الدليل الرابع: السيرة.
وذكران هذه الادلة اجمالا لانها هي التي ستدلنا على تفاصيل جواز النظر وعدمه.
الجهة الثانية وهي تنقسم إلى مسألتين:
اولا: من يجوز النظر اليها ومن لا يجوز؟.
ثانيا: المواقع التي يحرم النظر إليها والمواقع التي يجوز فيها ذلك؟
أي تارة نتكلم في النساء كأفراد في أيهنّ يجوز النظر اليها؟ وتارة نتكلم في نفس المرأة الأجنبية إلى أي موقع يجوز النظر وإلى أي موقع لا يجوز؟
المسألة الاولى: أي النساء يجوز النظر إليها.
قد ثبت إجمالا حرمة النظر إلى الأجنبية، كما إنه اثبت إجمالا جواز النظر إلى بعضهن. فإن دل دليل على الجواز أو الحرمة فبها، وإلا فنبحث عن الأصل في المسألة.
وهنا نتكلم تارة في الأصل اللفظي الذي هو مقدم على الاصل العملي، وتارة في الأصل العملي.
تأسيس الاصل اللفظي، هل يوجد هذا الاصل؟ وهو: كل امرأة اجنبية يحرم النظر إليها إلا أن يقوم دليل على الجواز.[1]
وهذا نأخذه من أدلة التحريم وهي: آية الغض والآيات الأخرى والاجماع أو الضرورة، والسيرة والروايات.
اما الاجماع يجب ان يكشف عن رأي المعصوم على نحو قطعي ولذك هو مقدم على الروايات وعلى الظهورات الظنية للآيات التي صدورها قطعي. لكن الاجماع دليل لبي وليس دليلا لفظيا، ومن أهم الفروقات بين الدليل اللبي واللفظي: أن الدليل اللفظي له اطلاقات وعمومات بخلاف اللبي لا اطلاق له ولا عموم لأنه لا لسان له فيكون دليلا على القدر المتيقن دون المشكوك والقدر المتيقن في مسألتنا هو: حرمة النظر إلى الاجنبية المحرمة علي المتدينة التي لا يجوز اختراق حرمتها وليس هناك أي عنوان مجوز.
فالإجماع أو التسالم أو الضرورة ادلّة لبية لا لسان لها ولا اطلاق فنقتصر على القدر المتيقن، فلا نستطيع ان نستنبط من هذه الادلة دليلا لفظيا.
أما الآيات فأقواها هي آية الغض في قوله تعالى ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ﴾ [2]، حيث إن حذف المتعلق يفيد العموم [3]، فنستطيع أن ننتزع أمرا بالغض إلا أن يقوم دليل على خلافه.
للوهلة الأولى ينطبق عليه ما قد أصلناه سابقا من أن اللفظ بمجرد أن يوجد في الرواية فهو يدل على استعمال الشارع له بحسب معناه العرفي، فكل ما دلّ عليه عرفا ثبت له شرعا. وقد استدللنا بهذه القاعدة على ملكية الجهة، وعلى صحة الزواج المدني حيث قلنا في حينها إن الزواج المدني عقد [4]، فينطبق عليه ﴿ أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾[5] فيدل على لزوم الوفاء به كما هو عند العرف بكامل شروطه ولوازمه إلا ما خرج بدليل. وعلى هذا، فكل عقد زواج صحيح إلا ما خرج بدليل، وأيضا كل مُلْكٍ صحيح إلا ما خرج بدليل.
وهنا في قوله تعالى: ﴿ يغضوا من أبصارهم ﴾ يكون الأمر هكذا: كل غضّ بصر عن المرأة واجب إلا ما خرج بدليل. وبهذا يتم الأصل اللفظي: كل امرأة أجنبية يحرم النظر إليها إلا ما خرج بدليل. فتكون ﴿ يغضوا من ابصارهم﴾ مع حذف المتعلق ﴿يغضوا ﴾ فعل مضارع ورد مورد الانشاء يدل على الوجوب، وذكر في مباحث الالفاظ صيغة الامر، ان الامر إذا جاء بصيغة الخبر فهو آكد في الدلالة على الوجوب، والسبب في ذلك ان استعمال الصيغة الخبرية بدل صيغة الامر والطلب يدل على ان الآمر وكانه لشدة رغبته في حصوله اتي بالصيغة اتي بالطلب بصيغة الخبر، لان الخر هو الكاشف عن الواقع والحاصل، فكأن الآمر لشدّة شوقه لحصول المطلوب طلبه بصيغة الخبر بدل افعل.
لكن هذه الكليّة إنما تثبت في حال كانت الآية القرآنية في مقام إطلاق من ناحية النظر [6]، لكن الآية ليست في هذا المقام لأمور:
غدا ان شاء الله نكمل البحث.






[1] ذكر احد الطلبة ان الاصل هو الاباحة. والجواب: انه في منهجية الاستنباط لا بد اولا من اصل لفظي، إذ أننا نبحث اولا عن علم ثم علمي ثم اصل لفظي ثم اصل عملي. فأصالة الصحة في العقود اصل لفظي وهو مقدم على اصالة الفساد في العقود التي هي اصل عملي. .
[3] مثلا: إذا قلت لك " حرم عليكم الخمر " الخمر بذاته عين، والاعيان لا يتعلق بها الحكم، بل الحكم يتعلق بالافعال كشرب الخمر وصنعه وحمله وبيعه وشرائه. وهنا في التحريم لا بد من تقدير فعل، ولا بد من تقدير شيء ولو بقرينة عامة كمناسبة الحكم للموضوع كما في حرمت عليك اختك " أي حرم زواجها. ومع عدم التقدير او حذف المتعلق يفيد العموم فيكون كل فعل يتعلق بالعين يكون محرما. فـ ﴿ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ﴾ تفادة العموم فتشمل كل امرأة دون استثناء وبكل موقع من مواقع المرأة، أي يشمل افراد النساء ويشمل كل الجسد من الشعر وغيره. .
[4] ذكرنا سابقا ان الصيغة ليست شرطا في صحة العقد، وان الادلة التي ذكرها على اشتراط الصيغة لم تتم عندي وهذا من الناحية العلمية اما من الناحية العملية فنحتاط. وقلنا ان للمعاطاة اربع معان وهذا من احد معانيها الصحيحة. .
[5] سورة المائدة.، آية1.
[6] ذكرنا سابقا ان هذا العموم والاطلاق نشأ من مقدمات الحكمة وهي: ان يكون في مقام البيان وأمكن أن يبيّن ولم بينيّن. وكما ذكرنا أن في الآية " كلوا مما امسكن عليكم " تدل على حلية ما امسك عليه كلاب الصيد، وقد يقال انه مطلق سواء طهَّر مكان الامساك ام لا، فيدل على جواز الاكل مباشرة بعد الصيد ولو من دون التطهير. ولذا ذكر الأصوليون أن الأمر بالأكل " كلوا " هو في مقام تحليل الأكل وليست ناظرة إلى التطهير وعدمه. وهنا أيضا الآية غير ناظرة إلى تحريم النظر.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo