< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

35/01/29

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: حكم النظر إلى المسلمة الأجنبية المتدينة.
قلنا ان الروايات تدل باللازم، الاستثناء يدل على عموم المستثنى منه، واهمها الروايات الواردة ما ورد في باب تحريم النظر إلى النساء الأجانب وشعورهن ج 14 ب 104 ص 138. وغاية استعراض الروايات هو التأمل فيما ارسله كثير من الفقهاء إرسال المسلمات من دلالة هذه الروايات على التحريم المولوي للنظر إلى الأجنبية.
والسؤال هو التالي، هل تدل هذه الروايات على النهي الإرشادي عن النظر للأجنبية باعتبار أنه سيؤول به الأمر إلى المحرّم المنصوص على حرمته وهو الزنى، فلا تكون الروايات دليلا على تحريم النظر مولويا؟ أم تدل على التحريم المولوي حيث إن أكثر الفقهاء استدلوا بهذه الروايات على تحريم النظر؟ [1]
الرواية الأولى:«محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن علي بن عقبة (ثقة) عن ابيه عقبة بن خالد (ثقة) عن ابي عبد الله (ع) قال: سمعته يقول: النظر سهم من سهام إبليس مسموم، وكم من نظرة أورثت حسرة طويلة. ورواه الصدوق في (عقاب الأعمال) عن محمد بن الحسن، عن الصفار، عن أحمد بن محمد، ورواه البرقي عن محمد بن علي، عن ابن فضال مثله». [2]
من حيث السند: الرواية موثقة لابن فضال وهو ثقة جليل فطحي [3].
وكتاب " عقاب الأعمال " هو من الكتب التي ذكرها الشيخ الصدوق (ره) وقد ذكره الحر العاملي (ره) من الكتب المعتمدة، حيث قال في« الفائدة الرابعة [4]في ذكر الكتب المعتمدة التي نقلت منها أحاديث هذا الكتاب، وشهد بصحتها مؤلفوها وغيرهم، وقامت القرائن على ثبوتها، وتواترت عن مؤلفيها، أو عُلِمت صحة نسبتها إليهم بحيث لم يبق شك ولا ريب، كوجودها بخطوط أكابر العلماء وتكرر ذكرها في مصنفاتهم وشهادتهم بنسبتها، وموافقة مضامينها لروايات الكتب المتواترة، أو نقلها بخبر واحد محفوف بالقرينة، وغير ذلك، وهي ...» ثم يذكر الكتب ويذكر منها كتاب عقاب الأعمال للشيخ الصدوق.
أما من حيث الدلالة: فان الحسرة الطويلة ظاهرة في ارتكاب محرَّم وإثم ومعصية وليس مجرد مفسدة دنيوية، بقرينة كونها من سهام إبليس. ولفظة «كم » خبرية وليست استفهامية، فهي تدل على الكثرة، وغالبا ما تكون ظاهرة في أن الطرف الآخر أيضا موجود، أي ان بعض النظرات قد لا تورث حسرة طويلة. ثم إن لفظ « سهم » يشعر بأن النظرة ليست هي المحرّمة والمعصية بل هي طريق للمعصية، لأن السهم هو الواصل والوسيلة لبلوغ الهدف وهو الإيقاع في المحرَّم، وهذا يعني أن المحرّم مغاير للوسيلة، أي أن المحرَّم المولوي مغاير للسهم.
وهذه القرائن تصرف الرواية عن الظهور في التحريم المولوي إلى التحريم الإرشادي. فكأنه يقول: إن النظرة هي خطوة في التوجه نحو الحرام.
الرواية الثانية: «وعن عدّة من أصحابنا ( أي محمد بن يعقوب عن عدّة من اصحابنا) عن أحمد بن محمد، عن ابن ابي نجران، عمن ذكره، عن ابي عبد الله (ع)، وعن يزيدَ بن حماد وغيره عن أبي جميلة عن أبي جعفر وأبي عبد الله (ع) قالا: ما من أحد إلا وهو يصيب حظا من الزنى، فزنى العينين النظر، وزنى الفم القبلة، وزنى اليدين اللمس، صدَّق الفرج ذلك أو كذب». [5]
من حيث السند: فالسند الأول مرسل " عن من ذكره " ، والثاني فيه أبو جميلة وهو مفضل بن صالح أبو علي مولى بني أسد من أصحاب الصادق والكاظم (علهم).
هو من مشاهير المحدثين واسع الرواية وروى عنه العامة والخاصة، وروى هو عنهم كالترمذي وصحيح ابن ماجة.
" أبو جميلة " النجاشي يقول: روى عن جابر بن يزيد جماعة غُمِز فيهم وضُعِفوا، منهم عمرو بن شمر والمفضل بن صالح.
طعن فيه ابن حبان، قالوا عنه: منكر الحديث. (يعني هو محدث معروف لكنه هذا الحديث غير مقبول).
دليل توثيقه:
- روى عنه الثلاثة الذين لا يروون إلا عن ثقة: البزنطي، وابن أبي عمير وصفوان. [6]
- رواياته كثيرة جدا مروية في كتب الفقه.
- روى عنه جماعة كثيرة وقد أطنب ابن فضال في الرواية عنه، وهو ثقة ثقة من الذين لا عثرة لهم.
- وقع في اسانيد كامل الزيارات لجعفر بن قولويه.
- روى عنه الشيخ الصدوق (ره) في من لا يحضره الفقيه.
- النجاشي يقول عن ليث بن البختري عن بعض الأحاديث انه نقله جماعة منهم ابو جميلة المفضل بن صالح. أي أنه ساط الضوء عليه دون غيره مما يدل على الاهتمام الشديد به، واهميته، وكونه شخصية ووجها.
- وثقه جماعة من العامة: الترمذي يقول عن حديثه: هذا حديث حسن صحيح والمفضل بن صالح ليس عند أهل الحديث بذلك الحافظ.
إذن ابو جميلة رجل جليل، واما قول النجاشي في الغمز فيه وتضعيفه، نقول: ان التغميز كان من ابناء العامة اكثر منه من اصحابنا، حيث كان الكثير منهم يدرس عند البعض الاخر، والآخرون يدرسون عندهم فكان هناك اختلاط شديد بينهم يتحاورون ويتدارسون.
وأما من حيث الدلالة: فالرواية واضحة في التشبيه لا كونه زنى حقيقة، فهذه الأمور لا ينطبق عليها المعنى الحقيقي للزنى، وهذا لا يعني انطباق نفس احكام الزنى، ألا ترى أن الذي ينظر بعينيه لا يرجم ولا يجلد، فلا تدل الرواية على تحريم النظر، نعم لا بد من وجه شبه، والظاهر أن وجه الشبه هو التعدي على ما ليس لك والتلذذ به، وهذا أمر يختلف عن التحريم. فالرواية لا تدل على حرمة مولوية للنظر.
الرواية الثالثة:« وعنهم ( أي محمد بن يعقوب عن عدّةمن أصحابنا) عن أحمد بن محمد البرقي، عن رجل، عن محمد بن المثنى، عن أبيه، عن عثمان بن يزيد، عن جابر، عن أبي جعفر (ع) قال: " لعن رسول الله (ص) رجلا ينظر إلى فرج امرأة لا تحل له، ورجلا خان أخاه في امرأته، ورجلا يحتاج الناس إلى نفعه فيسأله الرشوة " وعنهم عن بن أبي عبد الله، عن بعض العراقيين، عن محمد بن المثنى مثله». [7]
في الرواية جعل الزنا بنفس وزان الرشوة.
غدا ان شاء الله نركز على اللحاظ التربوي للرواية.












[1] تذكير:. الحكم الارشادي ليس فيه دفع ولا زجر ولا ثواب ولا عقاب بل هو مجرد ارشاد إلى امر آخر، فقد يكون ارشادا إلى حكم العقل من قبيل " اعدلوا هو اقرب للتقوى "، او من قبيل الارشاد إلى مصلحة كما في قول الصادق (ع) حين رأى ولدا جميل الخلقة قال: كأن امه اكلت فيه السفرجل "، وقد يكون ارشادا إلى الوضعية كما في " الركوع جزء من الصلاة " وغيرها، نعم هذا الإرشاد يكون مصبا لحكم تكليفي، لذلك للحكم الارشادي تصورات كثيرة. اما الحكم التكليفي فيه دفع وزجر ومثال ذلك " الزوجية، فلانه زوجة فلان " هذا الحكم وضعي وفيه وجوب وهو وجوب الانفاق على الزوجة الذي هو حكم مولوي. ولذلك قالوا إن الأحكام الوضعية هي مخترعات عرفية أو شرعية لتنظيم الاحكام التكليفية.
[3] ابن فضال رجل جليل ثقة لم تحص له عثرة. .
[6] قلنا سابقا بان هذه القاعدة " كل من روى عنه ابن ابي عمير او صفوان او البزنطي ثقة لأن هؤلاء الثلاثة لا يروون إلا عن ثقة، ولذلك سوّت الطائفة بين مراسيلهم ومسانيدهم. هذه القاعدة تامة عندي واستطيع ان اخذ واعمل بها " وإن كنت سابقا لا لأقول بها وحاولت توجيه كلام الشيخ الطوسي (ره) في كتاب طفل الانبوب، والشيخ الطوسي (ره) هو الذي ذكر هذه القاعدة في " كتاب العدّة " والآن صرت اميل إلى صحة القاعدة بل اقول بصحتها. قول الشيخ الطوسي " سوّت الطائفة بين مراسيلهم ومسانيدهم " هناك فرق بين كلمة " سوت " وكلمة " اجمعت " الاجماع ما يستكشف منه رأي المعصوم على نحو حدسي ونحو قطعي، و" سوّت " نقل حسي عن الطائفة واصبح الشيخ الطوسي احد المخبرين. في الاجماع يجب ان نرجع إلى مسألة كيف يكشف الاجماع عن رأي المعصوم. .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo