< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

35/02/02

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: حكم النظر إلى المسلمة الأجنبية المتدينة.
نكمل الروايات التي استدلوا بها على الحرمة المولوية.
9 - « قال: وقال الصادق عليه السلام: من نظر إلى امرأة فرفع بصره إلى السماء أو غض بصره لم يرتد إليه بصره حتى يزوجه الله من الحور العين.»[1]
من حيث السند: الرواية مرفوعة وذكرنا وضع الروايات التي رفعها الصدوق (ره).
ومن حيث الدلالة: الرواية تدل على أن من تجنب المعاصي وجعل نفسه في طاعة لله ويربي نفسه على ترك المعاصي، الله يحبه وله الثواب، الأجر. إذن لا ظهور لوجوب مولوي بغض البصر.
10 - « قال: وفى خبر آخر: لم يرتد إليه طرفه حتى يعقبه الله ايمانا يجد طعمه.» [2]
من حيث السند: مرفوعة.
ومن حيث الدلالة: ايضا لا دلالة على الحرمة المولوية.
11 - « وفى عيون الأخبار عن محمد بن عمر الجعابي، عن الحسن بن عبد الله ابن محمد الرازي، عن أبيه، عن الرضا عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله من قتل حية قتل كافرا، وقال: لا تتبع النظرة النظرة، فليس لك يا علي إلا أولُ نظرة. »[3]
من حيث السند: محمد بن عمر الجعابي جليل ناقد حافظ للحديث ممدوح.
ومن حيث الدلالة: ايضا لا دلالة على الحرمة المولوية، ووزانها بالنسبة للنظر نفس وزان الروايات السابقة. لكن في الرواية ذكر الحية في سياق النظرة، كأن الله عز وجل على لسان رسول الله (ص) والائمة (ع) يريد ان يبلغنا ان هذا الدين لمصلحة الناس والبشر والاحكام تابعة لمصالح ومفاسد، لذلك ورد في الحديث « احبكم إلى الله انفعكم لعياله» كأنه يقول لنا إياكم أن تفرِّطوا بالتفكير ونفع الناس " من قتل حية " أي قتل كائنا مؤذيا، وزانها وزان " من اماط الاذى عن طرق المسلمين " من حيث الاجر والثواب. لذلك فمع ملاحظة اجماع الفقهاء والاصوليين بان الاحكام تابعة لمصالح ومفاسد، مع ملاحظة أن الروايات ترتبط ببعضها في منظومة تشريعية متجانسة ومتكاملة، وتربط الناس بالنفع كما ورد في الحديث: "احبكم إلى الله أنفعكم لعياله"، ما الرابط بن منع النظر والوصول إلى المحرم وبين كون قتل الحية بمنزلة قتل الكافر؟
12 - وفى (العلل وعيون الأخبار) بأسانيده عن محمد بن سنان عن الرضا عليه السلام فيما كتبه إليه من جواب مسائله: وحرم النظر إلى شعور النساء المحجوبات بالأزواج وإلى غيرهن من النساء لما فيه من تهييج الرجال وما يدعو إليه التهييج من الفساد والدخول فيما لا يحل ولا يحمل، وكذلك ما أشبه الشعور إلا الذي قال الله تعالى: ﴿ وَالْقَوَاعِدُ مِنْ النِّسَاءِ اللاَّتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ ﴾ [4]أي غير الجلباب فلا بأس بالنظر إلى شعور مثلهن.[5]
من حيث السند: محمد بن سنان رجل جليل ثقة رواياته معتبرة،كل ما في الامر انه قال ان كل ما رواه وجادة لا سماعة.
من حيث الدلالة: النظر إلى محاسن المرأة يوجب الاثارة كما هي طبيعة الرجل السوي، وذكر في الرواية " لما فيه من تهيج الرجال " ظاهر " اللام " للتعليل، والعلَّة في التحريم هي لزوم ادخال الرجال في هذا التهيج الذي يؤدي إلى الفساد، ومفهوم العلّة من اقوى المفاهيم، فإذا وجدت العلّة وجد المعلول وإذا انتفت انتفى المعلول، وهنا نسأل: لقد ورد في روايات أخرى جواز النظر إلى الاماء ونساء أهل البوادي وإلى الذي إذا نهين لا ينتهين، فهل النظر اليهن لا يوجب التهيج؟! فهل يمكن ان تكون هذه الرواية مقيّدة لتلك الروايات، ومعنى التعليل أن النظر بغير شهوة جائز مطلقا، لأنه إذا انتفت العلّة انتفى المعلول فالنظر إلى بعض النساء من غير ريبة جائز، من جهة ثانية تجوز النظر إلى النساء المسلمات بغير اثارة، ومن جهة ثالثة تخصص الروايات التي قالت بان النظر إلى نساء الكفار جائز، الروايات مطلقة وهذه الرواية مقيّدة بالتعليل، إذا قدمنا هذه الرواية على تلك الروايات يجب أن تقيّد النظر إلى نساء الكفار بعدم الاثارة اثارة من باب تقديم الخاص على العام. هذه الرواية يمكن أن تدل على الحرمة المولوية للنص فيها بالتحريم لما فيه من التهييج ولكونها علّة تامة كما هو الظاهر، فمن الرواية والتعليل فيها يمكن القول بجواز النظر إلى النساء المسلمات المحجوبات بالأزواج من غير تهييج، هذه الرواية تقيد عموم حرمة النظر إلى كل امرأة مع التهييج، وهي تفيد أيضا امرا واقعيا عن التأثير النفسي للنظر على الرجال، فقد لا يكون التعليل دائما تاما ويكون جزء العلّة [6]. لكن النص ظاهر في مون العلّة علّة تامة.
13 -« وفي معاني الأخبار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا علي أول نظرة لك، والثانية عليك لا لك[7]
من حيث السند: السند مرفوع.
من حيث الدلالة: تكلمنا بها سابقا.
14 - وعن الحسين بن أحمد العدل ، عن جده محمد بن أحمد، عن محمد بن عمار، عن موسى بن إسماعيل، عن حماد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن محمد ابن إبراهيم، عن سلمة، عن أبي الطفيل، عن علي بن أبي طالب عليه السلام ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال له: يا علي لك كنز في الجنة وأنت ذو قرنيها، فلا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الأخيرة.[8]
من حيث السند:
من حيث الدلالة: اوامر ارشادية، وليس الارشاد لعلي (ع) بالخصوص بل ارشاد للناس على لسان النصيحة لعلي (ع)، كما يفعل بعض المؤلفين للكتب التربوية التوجيهية مثل كتاب مرآة الرشاد حيث يقدّم المؤلف النصائح لابنه وهي ليست لابنه فقط، بل المقصود الناس وابنه مشمول، وايضا يحتاج إلى تربية، أما الامام المعصوم يكون النصح بلسان الخطاب لابنه وليس هو المقصود، وذكرنا سابقا ان هناك حكمة بان الله عز وجل ارسل نبيا بشر ولم يرسل نبيا ملكا، وذلك حتى تأنس الناس بالنبي الذي هو منهم ويكون لله على الناس حجة، فإذا كان النبي مَلَكا وامتنع عن المعاصي فلا يكون حجة للناس، كونه ملكا يستطيع تجنب المعاصي لعدم وجود الرغبة والشهوة عند النبي الانسان، لذلك قال الله تعالى:" ان هو إلا بشر مثلكم ".
15 - وفي الخصال بإسناده عن علي عليه السلام في حديث الأربعمأة قال: لكم أول نظرة إلى المرأة فلا تتبعوها نظرة أخرى واحذروا الفتنة.[9]
من حيث الدلالة: واضحة في الارشاد، احذروا الفتنة التي تصل إلى فساد محرم ومعاص.
16 -«وفي عقاب الأعمال بإسناد تقدم في عيادة المريض عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: من اطلع في بيت جاره فنظر إلى عورة رجل أو شعر امرأة أو شيء من جسدها كان حقا على الله أن يدخله النار مع المنافقين الذين كانوا يتبعون عورات [10]النساء في الدنيا، ولا يخرج من الدنيا حتى يفضحه الله، ويبدئ للناس عورته في الآخرة، ومن ملأ عينيه من امرأة حراما [11]حشاهما الله يوم القيامة بمسامير من نار، وحشاهما نارا حتى يقضي بين الناس، ثم يؤمر به إلى النار.» [12]
من حيث السند: الرواية ضعيفة بشعيب بن واقد والحسين بن زيد.
ومن حيث الدلالة: ذكرنا معنى حراما في رواية سابقة [13]، أما مطلع الرواية فيه دلالة على أن مضوع الرواية هو تعمد النظر، وهو يشمل النظرة الأولى والثانية.
17 - «وفي معاني الأخبارعن علي بن أحمد بن عمران الدقاق عن حمزة بن محمد العلوي، عن جعفر بن محمد بن مالك، عن محمد بن الحسين بن زيد، عن محمد بن زياد الأزدي، عن المفضل بن عمر، عن الصادق عليه السلام في حديث في قوله تعالى: ﴿ فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (88) فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ ﴾ [14]قال: إنما قيده الله سبحانه بالنظرة الواحدة لان النظرة الواحدة لا توجب الخطاء إلا بعد النظرة الثانية بدلالة قول النبي صلى الله عليه وآله لما قال لأمير المؤمنين عليه السلام: يا علي أول النظرة لك، والثانية عليك لا لك.»[15]
ومن حيث الدلالة: هناك نقطتان: الاولى: قال: « لان النظرة الواحدة لا توجب الخطاء إلا بعد النظرة الثانية » إذن الخطأ ليس نفس النظرة، بل ان النظرة الثانية هي التي ستوقعك بالخطأ بعدها، وهذا هو ظاهر كلمة " بعد". والنقطة الثانية في تفسير قوله (ص) « أول نظرة لك والثانية عليك لا لك » فقد مرّ ذكرها، وأن الرواية إرشادية بقرينة ما ورد في بعض الروايات السابقة والثالثة فيها الهلاك.


[6] استطراد: في مسألة المقاصد. بلا شك أن الاحكام تابعة للمصالح والمفاسد، والمناطات يمكن ادراكها بخلاف الملاكات، فإذا وصلت المقاصد إلى مرحلة الظهور وبانها هي المناط نأخذ بها، وإذا لم تصل إلى مرحلة الظهور بل مجر استنباطات وتكهنات واستحسانات لا نستطيع الاخذ بها. .
[10] يقال: عورة أو عورات، قلنا ان فَعْلَة تجمع على فعلات، إن كانت وصفا تبقى السكون كسَهْلة سَهْلات، وإن كانت اسما جامدا كسَجْدَة تجمع على سَجَدَات، لذلك نقول هنا عَوَرات النساء، بتحريك الواو إلا أن تكون عورة وصفا والله العالم. .
[11] ذكرنا سابقا ان حراما ليس فيها ظهور في التحريم لأننا استظهرنا انها تمييز، وهذه الصيغة موجودة في كثير من الروايات وفي بعضها ذكر " من حرام " ومن لا تدخل إلا على التمييز ولا تدخل على النعت والحال. وذكرنا ان الرواية إذا كانت قيدا للمرأة دلت على التحريم أما إذا كانت قيدا للنسبة بين الملء والمرأة حينئذ لا تدل على التحريم، بل نحتاج إلى دليل آخر لإثبات التحريم من خارج الرواية، أي إذا ثبتت الحرمة حشاهما الله بمسامير من نار.
[13] تذكير: الفرق بين " جاء زيد الراكب " و " جاء زيد راكبا " ما الفرق بين الحال والنعت والوصف في التعبير، " جاء زيد راكبا " حال و " جاء زيد الراكب " نعت، "راكبا " الحال يكون وصفا لصاحب الحال وقيدا للفعل، اما النعت يكون وصفا لصاحبه وقيدا له وليس لفعل، أي للمجيء. ويطلق الوصف على الاثنين معا، أي على النعت والحال. .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo