< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

35/03/06

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: النظر إلى الاجنبية
الأصل اللفظي عند الشك في جواز النظر إلى أفراد النساء: كل امرأة يحرم النظر إليها إلا ما قام الدليل على الجواز.

قسمنا مسألة النظر إلى الاجنبية إلى ثلاثة مسائل رئيسية:
الاولى: ادلة حرمة النظر اجمالا، من الآيات والروايات والسيرة المتشرعية وبعضهم ادعى سيرة العقلاء.
الثانية : الاصل اللفظي ثم الاصل العملي عند الشك في مسألة جواز النظر إلى الاجنبية أو لا؟ قسمنا هذه المسألة إلى مسألتين: الاولى: عند الشك في جواز النظر إلى افراد المرأة. الثانية: عند الشك في جواز النظر إلى مواقع المرأة، كالوجه والشعر والجسم. ولكل من المسألتين علاجه الخاص. ونحن انما قلنا ذلك لأن الامور التي ثبتت حرمتها اجماعية، والتي ثبت جوازها واشتهر العمل برواياتها وهي ايضا اجماعية، لكن هناك افراد مشكوكة، وهناك مواقع مشكوكة، فجعلنا لكل مسألة بحثا خاصا.
في المسألة الاولى النظر إلى افراد المرأة، هناك بعض الافراد نقطع بعدم جواز النظر اليها، وهي المرأة الاجنبيّة المسلمة المتديّنة المحجبة المستورة التي تعرف الحرام والحلال. وهذه قلنا أن لها حرمة جعلها الله تعالى لها فلا يجوز النظر اليها، فلا يجوز لك اختراق هذه الموقعية في حرمة النظر، من قبيل عدم جواز ضربها وإهانتها.
هناك افراد يجوز النظر اليهنَّ من قبيل: عند ارادة التزوج، النظر إلى الكافرة، إلى أهل الكتاب وأهل البوادي الذين إذا نهين لا ينتهين، المسلمة الغير مستورة غير المحجبة، وقد مرّ البحث في ذلك.
اما عند الشك فماذا نفعل؟ قلنا اننا نبحث عن أصل لفظي عند فقد النص، ومع عدم وجود الاصل اللفظي نصل إلى الاصل العملي. وحتى نصل إلى الاصل اللفظي استعرضنا النصوص من الآيات والروايات، وقلنا إن الروايات التي ذكروها في التحريم اكثرها إما ارشاديّة أو انها لا تدل على ذلك أو ان دلالتها بالالتزام، وذكرنا ان هذه النصوص لا تدل حتى ولو بالالتزام على الاصل اللفظي، أقواها الآية القرآنية " يغضوا من ابصارهم " لوجود الاطلاق، وبينّا ان الآية نشك بإمكان باستنباط الاصل اللفظي من الآية، فلا ظهور لها في ذلك. نعم رواية " لا بأس بان ينظر الرجل إلى شعر ابنته او اخته " نشعر بان لها مفهوم، وإن لم نقل بمفهوم اللقب في مباحث الالفاظ في علم الأصول.
بقي لدينا رواية وهي رواية الشهادة في القضاء، هل يجب عليها أن تسفر عن وجهها وتشهد او لا، أو يكفي من وراء الستر؟ سنرى الرواية من ناحية السند والدلالة ومحاكمة الاستنباط منها، سنرى انها لا تدل على الاصل اللفظي وهو " كل امرأة اجنبية يحرم النظر اليها إلا ما خرج بدليل " هل يمكن استنباط هذا الاصل اللفظي من النصوص؟ بحيث لو شككت اعود للأصل؟.
مكاتبة الصفار في الاستبصار للشيخ الطوسي [1] : ح [ 58 ] 2 - فأما ما رواه محمد بن الحسن الصفار قال: كتبت إلى الفقيه عليه السلام في رجل أراد أن يشهد على امرأة ليس لها بمحرم هل يجوز أن يشهد عليها وهي من وراء الستر ويسمع كلامها إذا شهد رجلان عدلان أنها فلانة بنت فلان التي تشهدك وهذا كلامها، أو لا يجوز له الشهادة عليها حتى تبرز ويثبتها بعينها ؟ فوقع تتنقب وتظهر للشهود إن شاء الله .

من حيث السند: الرواية معتبرة، وسند الشيخ الطوسي إلى الصفار سند صحيح، وكونها مكاتبة ذكرنا سابقا انه يمكن ان يحصل فيها الخلل، والمكاتبة ليست كالمشافهة التي هي اقوى دلالة، ولكن المكاتبة من مثل الصفار الذي هو من اجلاء الصحاب لن يرسل أي شخص بالكتاب، فيمكن الوثوق بكتبه. فالكتابة لا مشكلة فيها.

ومن حيث الدلالة: فالاستدلال بها هكذا: لو كان اظهار وجه المرأة جائزا والسفور جائزا.[2]
فالاستدلال بلو كان يجوز النظر اليها لما كان هناك داع لان يقول الامام (ع) تتنقب وتبرز للشهادة.
في مقام الجواب هناك كلام للشيخ الانصاري (ره) يحسن نقله لما فيه من فائدة في فهم النصوص: يقول في كتاب النكاح [3] : { وأما في المكاتبة، فلعدم دلالتها على وجوب التنقب أولا [4]، واحتمال كون الأمر بالتنقب من جهة إباء المرأة عن التكشف لكونها متسترة مستحيية عن أن تبرز للرجال، فإن ذلك مما يشق على كثير من النساء، وإن كان جائزا، إذ رب جائز يشق من جهة الغيرة والمروة، فإنك قد عرفت جواز النظر إلى وجه من يراد تزويجها وكفيها اتفاقا، مع أن هذا شاق على كثير من النسوان وأهليهن سيما الأبكار من أولي الأخطار . ويؤيد ذلك أنه لما قال أبو حنيفة لمؤمن الطاق: ( أنت تحل المتعة، فلم لا ترخص نساءك أن يتمتعن ويكتسبن؟ فقال له مؤمن الطاق: ليس كل الصناعات يرغب فيها ). ويؤيد ذلك ما روي من أن أمير المؤمنين عليه السلام قال لأهل العراق: [ ( نبئت أن نساءكم يدافعن الرجال في الطريق أما تستحيون؟ ) وفي حديث آخر إن أمير المؤمنين عليه السلام قال: ( أما تستحيون ولا تغارون، نساؤكم يخرجن إلى الأسواق ويزاحمن العلوج )].
وحاصل المرام: أنه رب جائز يقتضي الحياء تركه. ومن هذا يظهر وجه النظر فيما ادعي من جريان السيرة [5]على منع النساء من أن يخرجن سافرات، إذ لا يخفى أن هذا المنع ليس بآكد من منع تكشفهنّ لمن يريد تزويجهنّ، بل هذا آكد بمراتب شتى، فإن أريد أن سيرة العلماء على منعهن، ففيه: أن هذا تمسك بالإجماع في محل النزاع. ومن هذا يظهر العجب من بعض المعاصرين [6]حيث ادعى في هذه المسألة - بعد ترجيح المنع -: أن التطلع على النساء المتسترات من المنكرات في دين الاسلام، وقال - في مسألة جواز النظر إلى من يريد تزويجها - بجواز النظر إلى جميع جسدها. فياليت شعري التطلع إلى جسد المرأة الباكرة المخدرة من أولي الخطر بغير اطلاعها - لاختبار خلقتها ولونها وقابليتها للأمور المطلوبة من الزوجات - أنكر عند الناس إذا اطلعوا على تطلعه عليها لأجل الاختبار، أم تطلعه على وجهها لا لقصد الاختبار المذكور، بل لأجل معاملة أو غرض آخر مع عدم قصد التلذذ وعدم الريبة؟ ! وهل الانكار في المقامين إلا لأجل الغيرة والاستحياء إذا كانت المرأة من أولي الأخطار وذوات الأستار وسكنة الأمصار؟ !}.
نتيجة ما ذكرنا سابقا: انه يجوز النظر إلى المرأة التي يريد تزوجها بما يرفع الجهالة، فإذا عرفها فلا يجوز النظر اصلا، هذا ما استظهرناه من النصوص.
إنما ذكرنا كلام الشيخ الانصاري اولا لما له من كلام واستنكاره على صاحب الجواهر. وثانيا: اننا حتى نفهم الروايات جيدا يجب أن نضعها في حدود المكان والزمان المناسبين بشرط أن تصبح هذه الزمكنة التي وضعنا الرواية فيها تؤدي إلى ظهور ونعلم انه مراد من الرواية من النص، فيكون هذا الظهور المستحكم هو المحكمَّ والحجّة علينا، لان جعلها في موقعها يساعد على فهم الرواية، لان الامام (ع) يتكلم مع الناس وإن كان الحكم لكل العصور، فإذا وصل فهمنا إلى مرحلة الظهور، حينئذ نأخذ بالاطلاقات بما يشمل كل الازمنة، اما لكون الخطاب لكل البشر، أو لقاعدة الاشتراك بين المكلفين في كل الأزمنة.
من هنا كان الفرق بيننا وبين ابناء العامة الذين قالوا بالمقاصد " مقاصد الشريعة " التي جعلها بعضهم خمسة، واخرون ستة او ثمانية، نقول: ان مقاصد الشريعة نسلم بها لو اصبح عندنا ظهور بانها مقصد حقيقي ومناط حقيقي للأحكام يدور مداره الحكم وجودا وعدما في مقام الاثبات فلا فرق بيننا، أما مجرد انها استحسانات فلا تكون دليلا.
وقلنا ان هناك فرقا بين الملاك والمناط. فالملاك يدور الحكم وجودا وعدما مداره في مقام الثبوت، والمناط هو ما يدور الحكم وجودا وعدما مداره في مقام الاثبات. غدا نكمل المختار إن شاء الله.








[2] ولا بأس بالرجوع إلى ادبيات اللغة العربية لمعرفة معنى السفور لأنها تفيد في الاستنباط وفهم النصوص، حيث كانت المرأة تلبس الجلباب فإذا اسفرت يظهر بعض محاسنها وليس شعرها فقط، فالسفور ليس مجرد اظهار الشعر كما هو حال هذه الايام.
[4] قد يقال أن هناك دلالة، فالجملة الخبرية " تتنقب وتظهر " وهي في مقام الانشاء تفيد الوجوب وكأن الامام (ع) يريد من الشيء أن يقع، ولعلها اقوى في الوجوب من صيغة الامر، وذكرنا ذلك سابقا، بان الجملة الخبرية تستعمل في مقام الانشاء عند الشوق الشديد لتحقق المطلوب، فتدل على امرين: اولا الطلب، وثانيا الشوق الشديد لتحقق المطلوب. فننشأ الطلب بصيغة كأن المطلوب قد تحقق، وهذا شأن الجمل الخبرية.
[5] هنا قلنا ان الدليل على الحرمة الآيات والروايات والسيرة والاجماع، وقلنا ان السيرة إذا كانت سيرة متشرعة بما هم متشرعة فيكون هذا دليلا، لان الاجماع عملي وهو اقوى من الدليل اللفظي، لأنه يكون كاشفا عن رأي المعصوم لفظا وعملا. ولكن اول الكلام ان السيرة تكون بداع شرعي لا بالداع العرفي، أي عرف ذاك الزمان وما بعده. .
[6] اشكال على صاحب الجواهر. .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo