< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

35/03/07

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: النظر إلى الاجنبية

تحقق الأصل اللفظي و تعارض الروايات في جواز النظر مع التعمد من دون تهييج.

المختار: في مسألة جواز النظر إلى أفراد النساء الاجنبيات فإن الرواية السابقة يمكن أن تكون مستندا لأصل لفظي وهو اللازم من الرواية عرفا كما هو الظاهر وإن كانت من باب مفهوم اللقب الذي لا ثبوت له كما درسنا في الاصول لكن الظهور العرفي في خصوص هذه الرواية مؤيدا بالروايات الكثيرة التي قرأناها والتي لم تصل إلى حد كونها دليلا، مضافا إلى السيرة المتشرعية والتي لم تصل إلى حد كونها دليلا أيضا، هذا كله يمكن أن يوصلنا إلى إثبات أصل لفظي وهو: إن كل امرأة أجنبية يحرم النظر إليها إلا ما خرج بدليل.
ولو لم يتم ذلك، فإن الأصل العملي حينئذ هو البراءة وذلك للشك في التكليف، فإننا نشك في جواز النظر للأجنبية، ومعه لا محيص عن أصل البراءة.
نعم رواية ( العلل وعيون الأخبار ) { بأسانيده عن محمد بن سنان عن الرضا عليه السلام فيما كتبه إليه من جواب مسائله : وحرم النظر إلى شعور النساء المحجوبات بالأزواج وإلى غيرهنَّ من النساء لما فيه من تهييج الرجال وما يدعو إليه التهييج من الفساد والدخول فيما لا يحل ولا يحمل، وكذلك ما أشبه الشعور إلا الذي قال الله تعالى: ﴿ وَالْقَوَاعِدُ مِنْ النِّسَاءِ اللاَّتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ ﴾ [1]أي غير الجلباب فلا بأس بالنظر إلى شعور مثلهن }.[2]
من حيث السند: يمكن الأخذ بالسند مع كل ما قيل في روايات محمد بن سنان من أن ما رواه وجادة لا سماعا، لكن مع جلالة قدره ووثاقته وكون مضامين رواياته عالية نأخذ بها. فإن المستفاد منها هو حرمة النظر لكل امرأة مسلمة أجنبية بقرينة قوله (ع) " وغيرهنّ من النساء" بشرط التهييج. وذلك أن العلّة يدور معها الحكم وجودا وعدما.
من حيث الدلالة: اولا: ان حرمة النظر ظاهرة في مولوية لا الإرشادية.
ثانيا: وبقرينة قوله " وغيرهنَّ من النساء "، بل لكل امرأة، يستظهر منها العموم.
ثالثا: ان الرواية معللة " لما فيه من تهييج " ونحن نعلم ان العلّة يدور مدارها الحكم وجودا وعدما، وهي كما تعمم تخصص. وهذا يعنى انه مع عدم وجود التهييج لا حكم بالحرمة.
وايضا هل هناك فرق بين التهييج وبقية النظرات؟ الذي فهمناه من الرواية انه يحرم النظر مع وجود تهييج، وهناك نظرات اخرى لا تهييج فيها، بل هي مجرد استحسان وليس كل نظرة هي مثيرة بحيث تؤدي إلى الفساد.
للنظرات ثلاث مراتب:
-النظرة المجردة.
-النظرة بإعجاب واستحسان (ففي الحديث: يعجبني منهنَّ).
-النظرة المثيرة المهيجة.
هذه الرواية يمكن ان يستنبط منها اصل لفظي وهو: أن كل امرأة يحرم النظر اليها إذا ادت إلى تهييج مؤدي إلى الزنى، إلى ما لا يحل ولا يحمل كما في الرواية. لكن هذا الاصل اللفظي مقيَّد بالتهييج فليس كل نظر حرام.
أما ما دلّ على حرمة النظر مطلقا مثل حديث: {(25420) 1 - عبد الله بن جعفر في (قرب الإسناد) عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن الرضا عليه السلام قال : سألته عن الرجل يحل له أن ينظر إلى شعر أخت امرأته ؟ فقال: لا إلا أن تكون من القواعد، قلت له : أخت امرأته والغريبة سواء؟ قال: نعم، قلت : فمالي من النظر إليه منها ؟ فقال: شعرها وذراعها أقول: هذا مخصوص بالقواعد لما ذكر في أوله }.[3]
فإنه يمكن أن ينتزع منه أصل لفظي أيضا وذلك بإلغاء خصوصية الشعر [4]، فتشمل المحاسن، وذلك بقوله " اخت امرأته والغريبة سواء؟ قال نعم. فهذا يشمل عموم الافراد فيمكن أن يستفاد منها الاصل اللفظي بحرمة النظر مطلقا.
هذه الروايات معاضة بروايتين الظاهر منهما جواز النظر حتى مع الاستحسان، هما:
صحيحة عي بن سويد: محمد بن يعقوب، عن أحمد، عن علي بن الحكم، عن علي بن سويد قال: قلت لأبي الحسن عليه السلام [5]: إني مبتلى بالنظر إلى المرأة الجميلة فيعجبني النظر إليها، فقال: يا علي لا بأس إذا عرف الله من نيتك الصدق وإياك والزنا فإنه يمحق البركة ويهلك الدين. أقول: يمكن حمل النظر على ما كان بقصد التزويج أو بغير تعمد أو غير ذلك من الأقسام المذكورة سابقا لما مضى ويأتي }.[6]
من حيث السند فالرواية صحيحة.
ومن حيث الدلالة: فالتعبير " بيعجبني حسنها " يختلف عن التعبير بالتهييج، والظاهر أن المعنيين مختلفان، فها هنا ثلاث معان:
-النظرة المجردة.
-النظرة بإعجاب والاستحسان.
-النظرة المثيرة المهيجة.
هذه الرواية موضوعها النظر بأعجاب واستحسان، فهل يجوز ذلك؟ الظاهر الأولي البدوي الجواز، لكن هنا بعض من أبى ذلك فاختلفوا في توجيه الرواية:
فقيل: المراد النظرة الاتفاقية.
وقيل: المراد من الابتلاء هو الصنائع والمهن كالصائغ وبائع الأقمشة.
وقيل: المراد هو النظر المتعمد.
ولننقل كلام لكتاب النكاح - الشيخ الأنصاري - ص 53 - 55
{وأما إذا لم يقصد به التلذذ ولكن علم بحصول اللذة بالنظر، أو لم يعلم به، ولكن تلذذ في أثناء النظر، فهل يجب الكف، أم لا؟ الظاهر: الثاني، لاطلاق الأدلة، ولأن النظر إلى حسان الوجوه من الذكور والإناث لا ينفك عن التلذذ غالبا - بمقتضى الطبيعة البشرية المجبولة على ملائمة الحسان [7]- فلو حرم النظر مع حصول التلذذ لوجب استثناء النظر إلى حسان الوجوه مع أنه لا قائل بالفصل بينهم وبين غيرهم. ويؤيد ما ذكرنا ما رواه في الكافي عن علي بن سويد في الصحيح قال: ( قلت لأبي الحسن عليه السلام: إني مبتلى بالنظر إلى المرأة الجميلة، فيعجبني النظر إليها، فقال: لا بأس يا علي إذا عرف الله من نيتك الصدق، وإياك والزنى فإنه يمحق البركة ويذهب بالدين ).
فإن مراد السائل أنه كثيرا ما يتفق له الابتلاء بالنظر إلى المرأة الجميلة، وأنه حين النظر إليها والمكالمة معها - لمعاملة أو غيرها - يتلذذ بالنظر لمكان حسنها، ولعل ذلك من جهة كون الراوي من أهل الصنائع والحرف التي يكثر مخالطتهم للنساء كالصائغ والبزاز حيث يكثر تردد النساء إليهم، سيما نساء البوادي اللاتي لا يتسترن. فسأل عن أنه

يجب الكف عن النظر عند التلذذ أم لا؟ فأجاب عليه اسلام بأنه لا بأس بذلك إذا علم الله من قصدك مطابقة ما تظهره من أن نظرك ليس لمجرد التلذذ حيث عبرت عن مخالطتك معهنَّ ( بالابتلاء بهن )، وأنك كاره لاعجابك الحاصل حين النظر، ثم حذره عن الزنى.
وحملَ الرواية بعض من عاصرناه [8]على النظرة الاتفاقية وحصول الاعجاب - أعني: اللذة بعد النظر - فأجابه عليه السلام: بأنه إذا علم الله منك الصدق، أي: أنك لم تتعمد النظر، فلا بأس. ولا يخفى بُعدُ هذا الحمل، بل الظاهر ما ذكرنا من معنى الخبر }.
غدا نكمل الكلام ونناقشه ونذكر كلام السيد الخوئي (قده) ونرى ما المراد من الرواية ومن الروايات الاخرى التي اجازت النظر، موثقة زرعة عن سماعة وليست صحيحة كهذه الرواية، لكنها اوضح دلالة لكن الكليني في الكافي جعلها في النوادر لم يعمل بها.





[4] ذكرنا في الاصول احيانا يكون هنا موضوع معيين ثم اعمم هذا الموضوع لغيره، هذا التعميم إما يكون بقرائن، أو بوحدة المناط، أو بإلغاء الخصوصيّة، مثلا: لو قيل لك طهر اصبعك من الدم بازلة الدم واجراء الماء عليه، هذا بالنسبة للإصبع فهل يعني أذا تنجس الكف هناك طريقة ثانية لإزالة النجاسة، فلا خصوصية للأصبع ولا لغيرها من الاعضاء. .
[5] الامام الكاظم (ع) كما يذكر الحر العاملي (ه). .
[7] هناك ابيات شعر لعمر الخيام أو غيره تقول: خلقت الجمال لنا فتنة وقلت لنا يا عباد اتقون
وأنت جميل تحب الجمال فكيف عبادك لا يعشقون .

[8] يقصد بذلك صاحب الجماهر. .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo