< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

35/03/08

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: النظر إلى الاجنبية

في كلام الشيخ الأعظم نقطتان: حمل الرواية على أن المراد من الابتلاء هو اصحاب الصنائع واستبعاد الحمل على النظرة الاتفاقية التي يحصل من بعدها اللذة.
أما النقطة الأولى فلا نوافق عليها لما سنذكره في التعليق على كلام السيد الخوئي (ره).
وأما الثانية فاستبعاد الحمل على النظرة الاتفاقية ففي محله لكونه خلاف الظاهر.
ننقل كلام
السيد الخوئي (ره) الذي يرد عليه برفض الدلالة على جواز النظر، وذلك إما بحملها على النظرة الاتفاقية أي غير المعتمد، وإما يرد علمها إلى أهلها يقول (ره) في كتاب النكاح تقريرات ولده الشهيد السيد محمد تقي الخوئي (ره) ص 42: صحيحة علي بن سويد: محمد بن يعقوب، عن أحمد، عن علي بن الحكم، عن علي بن سويد قال: قلت لأبي الحسن عليه السلام [1]: إني مبتلى بالنظر إلى المرأة الجميلة فيعجبني النظر إليها، فقال: يا علي لا بأس إذا عرف الله من نيتك الصدق وإياك والزنى فإنه يمحق البركة ويهلك الدين }.[2]
هذه الصحيحة عمدة ما استند إليه الشيخ الاعظم (قده) في القول بالجواز إلا أنه لا بد من حمل هذه الصحيحة – كما هو ليس ببعيد – على اقتضاء عمله لذلك، وأن النظر إليها يكون اتفاقا، بمعنى أنه يقع نظره عليها من دون قصد أو تعمّد. وبذلك فتكون الصحيحة اجنبية عن محل الكلام، ولا تدل على جواز تعمّد النظر إلى وجه المرأة، وإلا فلا بدّ من رد علمها إلى اهلها، لأنها دالة على جواز النظر إليها حتى مع قصده التلذذ من الأول، كما يظهر من قوله: ( فيعجبني النظر اليها) وهو مما لا يمكن الالتزام به ولم يقل به أحد منّا. على أنها غير مختصة بالوجه واليدين فتشمل الشعر أيضا وهو مقطوع البطلان.
ومما يؤيد ما ذكرناه – من حملها على عدم التعمد والقصد – أن من البعيد جدا أن يفعل علي بن سويد على جلالة قدره وعظم شأنه ذلك قاصدا متلذذا ثم ينقله بكل صراحة للإمام (ع).
وكانه يريد أن يقول: بكل وقاحة، وهذا يخالف أدب الامام (ع) واصحابه (رض).
ونقف في كلامه عند ثلاث نقاط:
الاولى: الحمل على اقتضاء عمله لذلك وأن النظرة إتفاقية.
الثانية: إذا لم تحمل فإنها تدل على جواز النظر إليها حتى مع قصده التلذذ من الأول.
الثالثة: استبعاد أن يفعل علي بن سويد ذلك وينقله صراحة للأمام (ع).
ولنقف عن كل نقطة.
أما النقطة الأولى فالحمل على كون الابتلاء بمعنى أن صنعته تقتضي ذلك فهذا خلاف الظاهر وإن كان محتملا، فلا نذهب إليه، بل يظهر من الابتلاء أنه مدفوع إلى النظر لاسباب شتى، ومنها الدوافع النفسية التي تزيد عن غيره، ومما يؤيد هذا المعنى وأن المراد بالابتلاء هو الدافع النفساني دون الصنعة والمهنة ما ورد في الحديث: محمد بن يعقوب عن أحمد، عن علي بن الحكم، عن أبي حمزة قال: كنت عند علي بن الحسين (ع) فجاءه رجل فقال: يا أبا محمد إني مبتلى بالنساء، فازني يوما واصوم يوما، فيكون ذا كفارة لذا؟ فقال له علي بن الحسين (ع): إنه ليس شيء أحب إلى الله عز وجل من أن يطاع فلا يعص فلا تزن ولا تصم. فاجتذبه أبو جعفر (ع) إليه فأخذه بيده فقال: يا بازنة تعمل عمل أهل النار وترجو أن تدخل الجنّة ".[3]
ومحل الشاهد قوله: " إني مبتلى بالنساء، فازني يوما" فإنه لا معنى لحمل الابتلاء على الصنعة، والرواية على هذا السياق.
ثم إن هذا الحمل يقتضي أن كل من كان عمله يستلزم بعض المحرمات يكون ذلك مبررا لرفع التحريم عنها، كالحلاق الذي يبتلى بسبب مهنته إلى حلق اللحية بناء على تحريم ذلك وتحريم أخذ الأجرة عليه. وذلك لوحدة المناط. ومع هذا اللازم نستبعد حمل معنى الابتلاء على ذلك.
والتعليق على النقطة الثانية: هذا اعتراف من السيد (ره) على جواز النظر إليها. ثم يقول بأنها غير مختصة بالوجه واليدين فتشمل الشعر أيضا وهو مقطوع البطلان.
ونسأل هنا: من أين جاء هذا القطع؟! والذي أراه أنه جاء نتيجة البيئة والذهنية التي تحكم المجتمع والتي سنعرج عليها وعلى أسبابها. وإلا فما الدليل عليه؟!
التعليق على النقطة الثالثة: ما ذكرناه في نهاية النقطة الثانية يأتي على الثالثة؛ فمن أين أتي بالبعد جدا عن أن يفعل على بن سويد ذلك ؟! وسنعرج على السبب الذي دعا السيد الخوئي (ره) إلى أخذ هذا الموقف.
الرواية الثانية: موثقة زرعة بن محمد في فروع الكافي: { عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن زرعة ابن محمد قال: كان رجل بالمدينة وكان له جارية نفيسة فوقعت في قلب رجل وأعجب بها فشكا ذلك إلى أبي عبد الله (عليه السلام) قال: تعرض لرؤيتها وكلما رأيتها فقل: أسأل الله من فضله، ففعل. فما لبث إلا يسيرا حتى عرض لوليها سفر فجاء إلى الرجل فقال: يا فلان أنت جاري وأوثق الناس عندي وقد عرض لي سفر وأنا أحب أن أودعك، فلانة جاريتي تكون عندك فقال الرجل: ليس لي امرأة ولا معي في منزلي امرأة فكيف تكون جاريتك عندي؟ فقال: أقومها عليك بالثمن وتضمنه لي تكون عندك فإذا أنا قدمت فبعنيها أشتريها منك وإن نلت منها نلت ما يحل لك ففعل وغلظ عليه في الثمن وخرج الرجل فمكثت عنده ما شاء الله حتى قضى وطره منها، ثم قدم رسول لبعض خلفاء بني أمية يشتري له جواري فكانت هي فيمن سمي أن يشتري فبعث الوالي إليه فقال له: جارية فلان؟ قال: فلان غائب فقهره على بيعها وأعطاه من الثمن ما كان فيه ربح فلما أخذت الجارية وأخرج بها من المدينة قدم مولاها فأول شيء سأله عن الجارية كيف هي فأخبره بخبرها وأخرج إليه المال كله الذي قومه عليه والذي ربح فقال: هذا ثمنها فخذه، فأبى الرجل وقال: لا آخذ إلا ما قومت عليك وما كان من فضل فخذه لك هنيئا فصنع الله له بحسن نيته }.[4]
غدا نكمل بيان الرواية أن شاء الله.




BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo