< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

35/03/12

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: النظر إلى الاجنبية

نسأل الله تعالى الرحمة والخير والبركة في هذا اليوم لوجود بعض الروايات في مولد النبي (ص) واتمنى وخصوصا في بلادنا أن نعمل على اظهار نوع من الزينة لان هذه المظاهر تؤثر كثيرا في زرع المحبة للنبي محمد (ص) ولما لها من أثر في تربية الناشئة، وإن كان المشهور مولده (ًص) في السابع عشر من ربيع الاول.
نعود إلى بحثنا مسألة النظر إلى الاجنبية المسلمة وكنا في مقام تأصيل أصل لفظي وهو " كل امرأة يحرم النظر اليها إلا ما قام الدليل على ذلك " و قلنا أن الادلة يمكن أن تؤدي إلى ذلك لكنها معارضة بروايات جواز النظر التي ذكرنا منها الرواية الاولى رواية علي بن سويد مع التفصيل في الدرس السابق، وقلنا أن حمل الابتلاء على المهنة والصنعة حمل ممكن لكنه حمل تبرعي لا دليل عليه ثم إنه يلزم من ذلك ان كل صاحب مهنة إذا اقتضت مهنته بعض الإختراقات المحرّمة كإباحة بعض الممنوعات جاز ذلك، وهذا ما لا يمكن الالتزام به. وما توصلنا اليه منها ان النظرة المثيرة التي تؤدي إلى التهييج هي المحرمة، هذا لو استطعنا أن نميّز بين النظرتين بين نظرة الاستحسان ونظرة الاثارة والتهييج، وغالبا ما تكون النظرة إلى المرأة تختلف عن النظر إلى المنظر الطبيعي الجميل الحسن ولكن هذا الحسن يختلف عن النظر إلى حسن المرأة لان ما بعد الحسن شيء، ولذا سنرى ان موضوع التحريم هو النظرة المهييجة لا الاستحسان، وبعبارة اخرى. إذا لاحظنا عبارات الروايات حتى الارشاديات: النظرة الاولى لك والثانية عليك والثالثة فيها الهلاك وهي المحرمة، وكثر من ذلك ان الآية :" ويغضوا من ابصارهم " يمكن أن يقال أن موضوعها هو النظرة المثيرة المهييجة.
أما الرواية الثانية: موثقة زرعة بن محمد في فروع الكافي: { عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن زرعة بن محمد قال: كان رجل بالمدينة وكان له جارية نفيسة فوقعت في قلب رجل وأعجب بها فشكا ذلك إلى أبي عبد الله (عليه السلام) [1]قال: تعرض لرؤيتها وكلما رأيتها فقل: أسأل الله من فضله، ففعل. فما لبث إلا يسيرا حتى عرض لوليها سفر فجاء إلى الرجل فقال: يا فلان أنت جاري وأوثق الناس عندي وقد عرض لي سفر وأنا أحب أن أودعك فلانة جاريتي تكون عندك فقال الرجل: ليس لي امرأة ولا معي في منزلي امرأة فكيف تكون جاريتك عندي؟ فقال: أقومها عليك بالثمن وتضمنه لي تكون عندك فإذا أنا قدمت فبعنيها أشتريها منك وإن نلت منها نلت ما يحل لك ففعل وغلّظ عليه في الثمن وخرج الرجل فمكثت عنده ما شاء الله حتى قضى وطره منها، ثم قدم رسول لبعض خلفاء بني أمية يشتري له جوارٍ (ي) [2]فكانت هي فيمن سمي أن يشتري فبعث الوالي إليه فقال له: جارية فلان؟ قال: فلان غائب فقهره على بيعها وأعطاه من الثمن ما كان فيه ربح، فلما أخذت الجارية و (أ)خرج [3]بها من المدينة قدم مولاها فأول شيء سأله عن الجارية كيف هي فأخبره بخبرها وأخرج إليه المال كله الذي قومه عليه والذي ربح فقال: هذا ثمنها فخذه، فأبى الرجل وقال: لا آخذ إلا ما قومت عليك وما كان من فضل فخذه لك هنيئا، فصنع الله له بحسن نيته }.[4]
من حيث السند: الرواية معتبرة موثقة بزرعة وكان واقفيا.
ومن حيث الدلالة: فالشاهد قوله (ع): " تعرّض لرؤيتها " والظاهر منها جواز النظر المتعمد، حيث إن " تعرّض " فعل أمر، والصيغة تدل على النسبة الطلبيه، ولا شك في عدم إرادة الوجوب ولا الاستحباب لأن السؤال كان عن الجواز فتدل على الإباحة، كذلك ما ذكروه في الاصول من أن صيغة " أفعل " تدل على الإباحة بعد الحظر أو توهم الحظر، من قبيل: " وإذا حللتم فاصطادوا "، والمعنى حينئذ هو يجوز لك جعل نفسك في معرض الرؤية. وتوهم أن المراد هو الدعاء فقط – أي قول السائل اسأل الله من فضله – وأن التعرض مقدّمة لحصول مورد هذا الدعاء، بعيد جدا لأنه خلاف الظاهر ووزانه وزان " اعقلها وتوكل " حيث إنه ليس المراد أن عقل الدابة مقدّمة للتوكل والمطلوب هو التوكل فقط، وهذا واضح.
وهذه الرواية أوضح من سابقتها في الجواز، لا يقال: إن موضوع الرواية هنا هو خصوص الإماء؟ فلا تشمل الحرائر؟







فإنه يقال: نعم النص والمورد [5] في الإماء لكن المناط واحد، وهل الحرة لا يستحسن النظر إليها ولا يؤدي إلى إثارة أو تهييج كما ورد في الروايات السابقة؟!
إذن الرواية يمكن ان نقول انها تدل على جواز النظر إلى ما اعتدن كشفه. وهاتين الروايتين تعارضان الروايات التي وردت في تحريم النظر، سنخرج من التعارض دون الحاجة إلى مرجحات باب التعارض مع إمكان الجمع العرفي بين كل هذه الروايات.




[1] كان الاصحاب والناس مع الائمة (ع) يشكون اليهم حتى الاشياء التفصيلية في حياتهم اليومية، ولهذا معنى، كما كان الناس يتعلقون بالأئمة ويعلمون ان هؤلاء هم على مستوى مهم من الكمال الانساني والعلم والمعرفة. .
[2] الاصل أن تكتب " جوارٍ " لانه تنوين عوض عن ياء وتحذف لمنع التقاء الساكنين.
[3] الظاهر ان تكون " خرج ".
[5] الفرق بين قاعدة المورد لا تخصص اوارد وبين وحدة المناط:
جوابا على سؤال من أحد الاخوة الطلبة من أن وحدة المناط نتيجة لقاعدة المورد لا يخصص الوارد.
مسألة المورد لا يخصص الوارد هنا صحيحة لكن لا تكفي وحدها لتعميم الحكم، لو قال في الرواية: ان هاك امرأة يعجبني النظر اليها، وكان المرأة جارية. تكون الجارية موردا لهذا العام، تأتي هذه المسألة المورد لا يخصص الوارد وعموم المرأة يكفي هنا، لو كان في عنوان الرواية العموم وهو المرأة. بعبارة اخرى: تارة يكون موضوع الحكم عام " امرأة " وأن هذه المرأة هي جارية، فيختلف المورد مع الموضوع، فنقول هنا ان المورد لا يخصص الوارد، نأخذ بإطلاق الموضوع " المرأة " فيكون عموم المرأة. أما في الرواية فعنوان الأمة والجارية قد اخذ في لسان الرواية الجارية، موضوع الحكم هو الجارية، فقد يقال: ان موضوع الحكم مخصص بالجواري، إذن لا نستطيع ان نخرج عنه.
اجاب السيد (حفظ) نقول: إن تعميم الحكم له أسباب:
منها: أن يكون لفظ الموضوع عاما سواء كان عموم بدليا أو شموليا كـ " امرأة ".
ومنها: إلقاء الخصوصية والغائها، كما لو سأل سائل أن اليد اليسرى تنجست بالدم، فبالغاء خصوصية اليسرى نحكم بتنجيس الدم لليمنى أيضا، رغم أن الموضوع في السؤال هو اليد اليسرى. .
ومنها: وحدة المناط، والمناط هو ما يدور الحكم وجودا وعدما مداره في مقام الاثبات، والمناط يستظهر من المجموع المكور للنصوص والقرائن.
ومنها: التعليل، في النصوص العلّة أو ظاهر العلّة.
وهناك اسباب أخرى قد لا تكون دليلا مثل ما ذكره الاحناف من العلّة المظنونة المستنبطة.
فما ذكره الأحناف من القياس لا نقول به كسبب، وهو اننا نحاول استنباط العلّة، وتعميم العلّة يعمم الحكم، ولكن ذكرن سابقا أن القياس على اقسام: قياس العلّة المستنبطة، وقياس العلّة المنصوصة، وقياس العلّة الظاهرة، ومنها قياس الاولوية. بلا شك ان قياس العلّة المنصوصة صحة حتى نحن نقول به لوجود النص من التعليل، وكلما وجدت العلّة وجد المعلول. وقياس العلّة الظاهرة ايضا نقول به، لانه ظهور والظهور حجّة. قياس الاولوية الذي هو من تطبيقات قياس العلّة الظاهرة أيضا نقول به. اما قياس العلّة المستنبطة المظنونة هذا الذي اخذ به الاحناف، فليس دليلا وقد ورد به النهي عن العمل به، وبه جاءت الروايات، " يا ابا حنيفة لا تقس اول من قاس ابليس " " إذا قيس الدين محق الدين " هذه الروايات التي وردت من الامام الصادق (ع).

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo