< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

35/03/19

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: النظر إلى الاجنبية

نبارك لكم مولد النبي الاكرم (ص) ونسأل الله الرحمة وان يعاد عليكم في كل عام وقد كشفت هذه الغمة عن هذه الامّة وإن كان لكل زمان مشاكله، ونسأل الله تقبل الاعمال.
نعود إلى المسألة الفقهية التي ذكرناها والتي كان فيها موثقة زرعة بن محمد وقد جعلها الكافي في كتاب النوادر، فما معنى كلمت نوادر ولماذا جعل الكليني (ره) في الكافي جعل هذه الرواية في النوادر.
لعل النجاشي ذكر اكثر من مائة كتاب، منها نوادر البزنطي ونوادر ابن ابي عمير. سنبحث الموضوع بما يناسبنا في عملية الاستنباط، هل اخراج الرواية وجعلها في باب خاص اسمه النوادر يؤثر في حجيتها واعتبارها؟
قلنا لعلّ أصل التسمية من الحديث الشريف عند تعارض الروايتين: " خذ ما اشتهر بين اصحابك ودع الشاذ النادر " ولم أجد من يصرح بذلك، وإذا كان هذا المراد فله ثمرة أصولية وفقهية، وهي ترك العمل بالنادر عند التعارض.
اختلفت الانظار في استعمال عنوان النوادر:
يقول الشيخ المفيد (ره) في جوابات أهل الموصل ص 5، حيث فسّر باب النوادر الذي يعقد في كتاب الحديث في آخر الكتب الفقهية فقال: {النوادر التي لا عمل عليها}. فدلّ على أن الأحاديث التي تورد في النوادر لا حجة لها.
ويقول في ص19: {والنوادر هي التي لا عمل عليها، وأنا أذكر جملة ما جاءت به الاحاديث الشاذة، وابين عن خللها وفساد التعلق بها }.
ويقول الشريف المرتضى في الانتصار ص 38: {وإنما هي من وضع الرواة ورواد النوادر، وقد تلقفها الناس وتناقلوها من غير تمحيص }.
ويقول ابن إدريس الحلي في السرائر ج 2 ص 188 في تعليقه على حديث: {ومن اورده في كتابه لا يورده إلا في باب النوادر، وشيخنا المفيد والسيد المرتضى لم يتعرضا له، ولا أورداه في كتبهما }.
ففهم من كلام المفيد والمرتضى وابن إدريس أن النوادر هي الروايات المتروكة التي لا يعمل بها، أي المعرض عنها، ففي حال صحة سندها ينطبق عليها قاعدة: اعراض الاصحاب يوهن الرواية الصحيحة [1]، طبعا لو تمت هذه القاعدة. لكننا نجد ان كثيرا من روايات النوادر قد عمل بمضمونها بل أن مضمونها مما هو مجمع عليه، مثلا: الكافي ج 5 ص 559 ح 14: عن ابي جعفر (ع) قال: لعن رسول الله (ص) رجلا ينظر إلى فرج امرأة لا تحل له، ورجلا خان أخاه في امرأته، ورجلا يحتاج الناس إلى نفعه فيسألهم الرشوة.
إن مضمونها معمول به، وما يدرينا عدم عمل الاصحاب به؟! بل أكثر روايات الباب معمول بمضمونه.
المحقق الكركي في جامع المقاصد ج 1 ص 22 يقول: {النوادر وهي المسائل التي رواها الموثوق بهم عن ابي حنيفة [2]أو عن اصحابه، ولكن لم تشتهر روايتها وتسمى بكتب النوادر أو مسائل النوادر ككتاب أمالي محمد في الفقيه }.
لكن لا نرى ذلك، فإن اسانيد النوادر مذكورة في الكتب، وقد ذكرنا إسناد رواية " تعرض لرؤيتها "، ولم نجد فيها أبا حنيفة أو أحدا من اصحابه.
ولعلّ المحقق الكركي أعلى الله مقامه يقصد بعض النوادر في بعض الكتب، لا أنه يعطي مفهوما عاما.
النراقي في عوائد الأيام يقول: { أما النوادر فهو ما اجتمع فيه احاديث متفرقة لا تنضبط في باب، لعلّة لا يمكن جمعها في باب واحد، ولهذا قولهم: نوادر الصلاة، نوادر الزكاة – هذا إذا اطلقت على المؤلَّف، وإلا فالحديث النادر له إطلاقات أخر }.
والظاهر من كلامه (ره) أن النوادر في الكتب هي أحاديث متفرقة لا تجمع في باب واحد، وفي غير الكتب معان اخرى. ولكنا نرى أن كثيرا من أحاديث النوادر يمكن جمعها تحت عنوان واحد.
من هنا نقول: النوادر ثلاثة أقسام:
-الروايات المستملحة الغريبة والطريفة وغالبا ما لا يجمعها باب واحد، وإن جعلت في الكتب المعمول بها فمثلا نوادر ابن أبي عمير جعلها الصدوق (ره) في الكتب المعمول بها والمعتمد عليها، ومنها كتب صحيحة ككتب صفوان والبزنطي.
-هي الاخبار التي لم تكن رائجة ولم تكن في الكتب المعتمدة، كالروايات عن العامة عن الصادق (ع).
-مقابل الشاذ النادر.
والثمرة من هذا التقسيم:
اما القسم الأول: فشأن الروايات فيه شأن بقيّة الروايات من حيث الحجيّة والعمل والاعراض والترجيح وغير ذلك.
واما القسم الثاني: فجعل الحديث في النوادر سبب لعدم الاعتبار عند من جعل اعتبار الروايات يدور مدار الكتب المعتمدة والتي عليها المعوّل والعمل وتدور عليها رحى الاستنباط في ذلك الزمن وذلك مثل الحرّ العاملي صاحب وسائل الشيعة. ومن جعل اعتبار الحديث غير ذلك فيكون شأن الروايات النوادر شأن غيرها.
وأما القسم الثالث: يكون جعل الرواية في النوادر سببا للمرجوحية عند استحكام التعارض تطبيقا للحديث الشريف: " خذ ما اشتهر بين اصحابك ودع الشاذ النادر ".
النتيجة: نقول: إما ان نرى لصاحب كتاب النوادر تعريفا ومفهوما خاصا فنعمل عليه، وإلا -كما عند الكافي (ره) الذي لم يذكر تعريفا للنوادر على حدّ علمي -، يكون شأن كل حديث بحسبه، وجعله في النوادر قد يكون من باب الشاذ النادر أو من باب المستملح أو قد يكون غير الموجود في الكتب المعتمدة، من الأقسام التي ذكرناها.
وعليه لا يخدش هذا الجعل أي الحديث في النوادر في اعتباره، نعم قد يكون هناك نوع من المؤيد النفسي إلى مرجوحيته في حال التعارض، باعتبار احتمال كونه من الشواذ والمتروك العمل به، فيكون مرجوحا مقابل المشهور. أما حديث زرعة قلنا انه لا يوجد تعارض بين أحاديث جواز النظر وأحاديث عدم جواز النظر، وقلنا انه من باب تقديم الخاص على العام.



[1] تذكير: هناك قاعدتان متعاكستان مفهوما: الأولى: عمل الاصحاب يجبر ضعف الرواية؟! الثانية: اعراض الاصحاب يوهن الرواية الصحيحة؟ ذكرت هذه المسألة في كتاب وسيلة المتفقهين باختصار شديد، وذكرت الاقوال فيها. والتعاكس هنا ليس بالمعنى المنطقي. .
[2] أبا حنيفة قد تتلمذ على يد الامام الصادق (ع) فهو من أصحابه وكان يقول: لولا السنتان لهلك النعمان. لذلك بعضهم يشكل على قاعدة من قال ان جميع أصحاب الامام الصادق (ع) ثقات ويذكر من جملة أصحاب الامام أبو جعفر المنصور ونعرف من هو وانه من سلاطين الظلم. .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo