< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

35/04/19

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: النظر إلى الاجنبية

الباب الثالث: في المواقع التي يجوز النظر إليها والتي لا يجوز:
-جواز النظر إلى الوجه والكفين.
تذكير بما سبق: لقد قسمنا المبحث إلى ثلاثة اقسام:
الأول: الاستدلال على حرمة النظر إجمالا. وقلنا انه تسالم واجماع عليه.
الثاني: البحث في افراد النساء. وقلنا انه يستثنى من حرمة النظر إلى كل ما يرفع الجهالة ممن يجوز التزوج بها وليس له أي حد عدا العورتين. وقلنا بجواز النظر إلى " الذين إذا نهين لا ينتهين "، نساء الكفار واهل الكتاب، والقواعد من النساء، والضرورات الصحية، وعند إثبات الحقوق وغير ذلك.
الثالث: في المواقع التي يجوز النظر اليها والتي لا يجوز.
لا شك ولا ريب في عدم جواز النظر إلى الأجنبية إجمالا، وقد مرّت الأدلة على ذلك. والقدر المتيقن من هذا الاجمال هو البدن والشعر. والكلام وقع في أربعة مواقع: في الوجه والكفين والقدمين، وما بين الذقن والرقبة [1]. وقد بيّنا الحالات المستثناة، وهي: من أراد التزوج بها، ونساء أهل الكتاب، ونساء الكفار، و " الذين إذا نهين لا ينتهين "، وعند الضرورات، وعند الشهادات وتوقف الحقوق على النظر، والقواعد. والقدر المتيقن من هذه أدلة التحريم هو الشعر والبدن عدا الوجه، وما بين الذقن والرقبة، والكفين، والقدمين، فهذا القدر المتيقن إجماعي، بل يكاد يكون من ضرورة المذهب، بل من ضرورة الدين. ولعلّ هذا القدر المتيقن هو ما أراده في كنز العرفان من: { أطباق الفقهاء على ان بدن المرأة عورة إلا على الزوج والمحارم }. ولعلّه لا يقصد بالبدن مطلق البدن كي يشكل عليه بوقوع الخلاف في ما ذكر من جواز النظر إلى الوجه والكفين.
أما الشعر: فقد مرّ ما دلّ على تحريم كشفه من قبل المرأة والنظر إليه من قبل الرجل. نذكر منها ما دلّ بإطلاقه على تحريم النظر إلى المرأة، كما في آية } ويغضوا من ابصارهم { [2]، بناء على تمامية الإطلاق فيه وأنه أصبح لفظيا يرجع إليه عند الشك في جواز النظر وعدمه. وذكرنا في محله ان هذه الآية لا نرى فيها اطلاقا أصلا لكي تشمل كل الافراد وكل المواقع. وما ورد في الروايات التي ذكرناها سابقا.
منها: ما في الوسائل: محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن السكوني عن جعفر بن محمد عن ابيه (ع) قال: لا بأس ان ينظر الرجل إلى شعر امه او اخته أو بنته.[3]
من حيث السند: الرواية موثقة.
ومن حيث الدلالة: " لا بأس ان ينظر " يلزمه عدم جواز النظر إلى غيرها. قد يقال: بحسب ما درسناه في علم الأصول ان الوصف واللقب لا مفهوم لهما، هنا في الرواية يبيّن حكم النظر إلى الام والاخت والبنت، أما الاخريات فغير ناظر لهنّ، وليست في مقام تعداد من يجوز النظر اليهنَّ. كأن هناك مرتكزا ذهنيا وهو انه يحرم النظر إلى النساء إلى كل الجسد، ثم أتى الاستثناء، الذي يدل على ان هناك عموما، فالاستدلال ليس بمنطوق الاستثناء بل هو باللازم والمفهوم لو تم.
ومنها: أيضا الوسائل في العلل والاخبار بأسانيده عن محمد بن سنان عن الرضا (ع) فيما كتبه اليه من جواب مسائله: وحرّم النظر إلى شعور النساء المحجوبات بالازواج وإلى غيرهن من النساء لما فيه من تهييج الرجال، وما يدعو اليه التهييج من الفساد والدخول في ما لا يحل ولا يحمل وكذلك ما اشبه الشعور إلا الذي قال الله تعالى " والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة " أي غير الجلباب فلا بأس بالنظر إلى شعور مثلهن. [4]
إذن مسألة حرمة النظر إلى بدن المرأة وشعرها مسألة اجماعية لورود النصوص الكثيرة والتسالم على ذلك. نعم من الفقهاء من اعتبرها من ضروريات الدين والمذهب. ونحن لا نعتبرها تصل إلى ضروريات الدين والمذهب، بحيث أن من يقول بجواز النظر يسلب عنه عنوان مذهب الولاء لأهل البيت (ع)، ولا عنوان الإسلام، بل يبقى مسلما مؤمنا مواليا، نعم يحتمل أن تكون حرمة النظر في الضروريات الفقهية – لو قلنا بوجود ضرورات فقهية -.
أما الوجه والكفان:
فيه ثلاثة أقوال:
-الجواز. ونقل ذلك عن الشيخ الطوسي والمحقق البحراني في الحدائق، والمحقق النراقي، والشيخ الأعظم الانصاري، وغيرهم وبعض المعاصرين.
-عدم الجواز. وقد نقله صاحب الجواهر (ره) عن العلامة في التذكرة، وعن كنز العرفان، كذلك نقل عن الإرشاد وكشف اللثام وغيرهم.
- الجواز مرّة واحدة وعدم الجواز تكرارا. قاله المحقق الحلي في الشرائع حيث يقول: " على كراهية مرّة واحدة، ولا يجوز معاودة النظر ". وفي الجواهر: {في مجلس واحد، بل ولا وإطالته. وهو أضعف قول في المسألة }. [5]ونقل هذا القول عن العلامة في القواعد.
أما القول بالجواز: فقد استدل عليه بأمور أكثرها يدور حول آية الزينة، " ولا يبدين زينتهن " لذلك نذكر الروايات والأدلة، ثم نأتي بعد ذلك للكلام عليها.
نذكر بداية النصوص الواردة في ذلك:
منها: الوسائل باب ما يحلّ النظر إليه من المرأة بغير تلذذ ولا تعمد، وما لا يجب عليه ستره [6]: محمد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن جميل، عن الفضيل، قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن الذراعين من المرأة هما من الزينة التي قال الله " ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن "؟ قال: نعم، وما دون الخمار من الزينة، وما دون السوارين. [7]
من حيث السند: الرواية صحيحة معتبرة.
ومن حيث الدلالة: " ما دون الخمار " هو الوجه، لأن الخمار يستر الرأس والرقبة، ولا يستر لا الوجه ولا ما بين الذقن والرقبة، وعلى الأقل هو الشك في الأخير، وسيأتي الكلام في ذلك عند الكلام على الموقع الثالث وهو ما بين الذقن والرقبة. وأما ما دون السوارين " فهو ما خرج عن الكفين.
واما " الجيوب " في الآية فهي تعني الفتحات التي تشمل الرقبة والصدر.
وأشكل على الدلالة باشكالين:
الاشكال الأول: أن الآية تدل على جواز الإبداء وعدم وجوب الستر، ولا تدل على عدم جواز النظر، لأن جواز الإبداء أعم من جواز النظر، لأنه من الممكن أن يرفع الشارع الأقدس وجوب الستر عليها بالنسبة إلى الوجه والكفين، للعسر أو الحرج أو لغير ذلك، بخلاف سائر البدن، وإن وجب على الناظر الغض كما عساه يقال في بدن الرجل بالنسبة للمرأة.
وجوابه: إن الإبداء يختلف مفهوما ومصداقا عن النظر، ولا مانع عقلا ولا عرفا ولا شرعا، من كونهما محكومين بحكمين مختلفين، فيكون إبداء المرأة لوجهها جائزا، ونظر الرجل إلى وجهها محرما، ولو أن تكون الحكمة تيسير أمر المرأة لحرية ذهابها وإيابها وحركتها في السوق والشارع وغير ذلك، وعلى الرجل أن يغضّ بصره، والحكمة من غض البصر عدم إثارته أو احترامه لخصوصيات المرأة. لا مانع من ذلك وهو أمر مسلم.
ولكن في خصوص هذه المسألة يمكن أن نستظهر التلازم العرفي بين الحكين: جواز الإبداء وعدم حرمة النظر، وذلك بلحاظ نكتة وهي أن الإبداء بحد ذاته أمر جائز، كما لو كانت وحدها في البيت من دون ناظر، والشك في التحريم وعدمه إنما هو بلحاظ الناظر، ولذا فالحكم بجواز الإبداء يلازمه عرفا الحكم بجواز النظر.
غدا نوضح هذه النقطة ونكمل الاشكال الثاني إن شاء الله.





[1] هذا بحث جديد لم أجد على حد علمي، بحثا خاصا له في كتاب من الكتب الفقهية المتداولة المعتبرة، وهو موضع ابتلاء. .
[4] المصدر السابق ح 12 ص 140. .
[6] جعل قيد " بغير تلذذ وتعمد " في العنوان لأنها كانت أرائه. اما في الروايات هذا الباب فهذا العنوان ليس موجودا، نعم هو موجود في روايات أخرى من أبواب أخرى ويكون عنوان الباب 109 جامعا.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo