< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

35/04/26

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: النظر إلى الاجنبية

الكلام في المواقع التي يجوز النظر إليها والتي لا يجوز: الوجه والكفين.
الرواية السادسة: ما روي في مستدرك الوسائل: علي بن إبراهيم في تفسيره: عن أبي الجارود عن أبي جعفر (ع) في قوله تعالى: " ولا يبدين زينتهن " فهو الثياب والكحل والخاتم وخضاب الكف والسوار. والزينة ثلاثة: زينة للناس، وزينة للمحرم، وزينة للزوج. وأما زينة الناس فقد ذكرناه، وأما زينة المحرم فموضع القلادة فما فوقها والدملج وما دونه والخلخال وما أسفل منه، وأما زينة الزوج فالجسد كلّه. [1]
من حيث السند: ضعيف مرسل عن ابي الجارود، وقد اعرض عنه الأصحاب.
ومن حيث الدلالة: فإن النظر إلى خضاب الكف والكحل يلزمه النظر إلى الوجه. والفاظ النص هنا لنفس الزينة، وليس للموضوع التي تحتاج للدلالة عليها إلى اللزوم العرفي بين الزينة ومواضعها.
نعم يرد عليه ما ورد على الأولى من أن الرواية وردت في العقد الإيجابي وهو الإبداء، ولا يلزمه حرمة النظر، والجواب الجواب وهو التلازم العرفي للنكتة التي ذكرناها.
الرواية السابعة: الوسائل: محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر (ع) قال: سألته عن المرأة المسلمة يصيبها البلاء في جسدها إما كسر وإما جرح في مكان لا يصلح النظر إليه، يكون الرجل أرفق بعلاجه من النساء، أيصلح النظر إليه؟ قال: إذا اضطرت إليه فليعالجها إن شاءت. [2]
من حيث السند: الحديث صحيح.
ومن حيث الدلالة: فقد استدل بمفهوم " في مكان لا يصلح النظر إليه " أي يوجد مكان آخر في جسد المرأة يصلح النظر إليه. والقدر المتيقن منه هو الوجه والكفين. [3]
وأشكل على هذه الاستدلال: أن الوصف لا مفهوم له " في مكان لا يصلح النظر إليه " هذا لا يعني أن هناك أمكنة يصلح النظر اليها، لان التعليل اشعار لا يصل إلى مرحلة الظهور، سيما أن الرواية في مقام بيان حكم آخر وهو جواز النظر عند المعالجة فلا تشمل كل الحالات في الأماكن التي يصلح النظر اليها والأماكن التي لا يصلح النظر اليها. وذكرنا في مقدمات الحكمة أنها ثلاث: أن يكون في مقام البيان، وأمكن أن يبيّن، ولم يبيّن. فلا بد من هذه المقدمات حتى نأخذ بالمفهوم وبالإطلاق وفي كل ظهورات الالفاظ العموم والحقيقة وظهور القدر المتيقن، بل حتى الظهورات المجازية. هنا المقدمة الأولى غير تامة إذ هو ليس في مقام بيان ما يصلح النظر اليه وما لا يصلح، وعليه: أولا: لا ظهور للفظ في المفهوم. ثانيا: ليس هناك قرينة تدل على المفهوم كقرائن التحديد التي مرت في الروايات السابقة. النتيجة: أن الرواية لا مفهوم لها بان هناك أماكن يصلح النظر اليها.
نقول: هذا مسلم، ولكن لسان الحديث يستظهر منه أن المسلَّم عندهم أن في جسد المرأة مكان لا يصلح النظر إليه وآخر يصلح، حتى أنه أرسل ذلك إرسال المسلمات. ولذلك يمكن أن تكون الرواية دليلا. من حيث ان هناك مسلمات بان هناك أماكن يصلح النظر اليها ولا نعلم ما هي، فنأخذ بالقدر المتيقن باعتبار عدم تعيين الاماكن التي يصلح النظر اليها.[4] هناك عرف بغض النظر عن الشرع ان الأماكن تختلف، بين النظر إلى الوجه والشعر والصدر وغيرها من المحاسن. هناك كلي مشكك في جواز النظر وعدم جواز النظر، وكذلك في جواز الابداء وعدمه. فلعلَّ السائل ينطلق من هذا المنطلق العرفي وليس الشرعي، وفي مقام المعالجة ماذا يفعل؟ نحن في مقام الاستدلال لم نتكل على ظهور مفهوم الوصف إذ الوصف لا مفهوم له، لكن اتكلنا على المسلَّمات وهي قرينة تدل على المفهوم، لسان الرواية ان هناك شيء مسلم، خلفية ينطلق منها السائل ان هناك أماكن يصلح النظر اليها، وأماكن لا يصلح النظر اليها. أما الصناعة الأصولية لا تجعل الرواية دليلا لان الوصف لا مفهوم له والنص غامض.
الرواية الثامنة: ما روي في قرب الإسناد ص 227: على بن جعفر عن أخيه (ع) عن الرجل، ما يصلح ان بنظر إليه من المرأة التي لا تحل له؟ قال (ع): الوجه والكف وموضع السوار. [5]
من حيث السند: السند ليس فيه جهة قوة إلا كونه مرويا في قرب الإسناد وهو من الكتب التي اتكل عليها الصدوق في رواياته. فلا يثبت اعتباره.
ومن حيث الدلالة: فقد أشكل بأن المراد من " المرأة التي لا تحل له" هي المحْرَم التي لا يحل نكاحها أو المرأة الاجنبيّة، لأن متعلّق الحليّة محذوف. ولا نقول هنا بان حذف المتعلق يفيد العموم، لعدم وجود جامع منصرف اليه بين النظر والنكاح.
وأجيب: إننا نعلم أن المواقع التي يجوز النظر إليها من المحرم أكثر من الثلاثة التي ذكرها في الرواية وهي الوجه والكف وموضع السوار، مما يدل على إرادة الأجنبيات، من قبيل الإن، نستدل بالحكم على الموضوع، وهو يحتاج إلى مرتكزات شرعية وعلم بأحكام الموضوع مسبقا.
وهناك أيضا اشكال ان موضع السوار نعلم اجماعا انها من الذراع التي لا يجوز النظر اليها. ففي الرواية خلل بحسب المرتكزات أو الاجماعات الشرعية.
الرواية التاسعة: كل ما ورد في باب الحج وتروك الاحرام الوسائل: ب 48 باب تحريم النقاب للمرأة المحرمة والبرقع وتغطية الوجه وجواز إرخاء الثوب على وجهها إلى فمها، وإن كانت راكبة فإلى غيرها: محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي، عن أبي عبد الله (ع) قال: مرّ أبو جعفر (ع) بامرأة متنقبة وهي محرمة، فقال: أحرمي واسفري وأرخي ثوبك [6] من فوق رأسك، فإنك إن تنقبتِ لم يتغيّر لونك، قال رجل: إلى أين ترخيه؟ قال: تغطي عينها، قال: قلت: تبلغ فمها؟ قال: نعم" . رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن يعقوب مثله. [7]
من حيث السند: حسن على المشهور بينهم، لكن يمكن الحاقه بالصحيح لانه يمكن توثيق إبراهيم بن هاشم بالتوثيقات العامة، فيكون السند معتبرا.

ومن حيث الدلالة: الحديث متضمن للأمر بالإسفار والنهي عن النقاب والبرقع، فيدل على عدم وجوب ستر الوجه، وجواز النظر إليه.
غدا عن شاء الله نكمل دلالة الرواية.






[3] تذكير: في معالجة الشبهة المفهومية: ذكرنا ان هناك خمس مراحل: الأولى: أن نطرق باب الشارع إذا كان هناك حقيقة شرعية. الثانية: ان نطرق باب العرف إذا كان هناك حقيقة عرفية. الثالثة: ان نأتي إلى باب اللغة. الرابعة: أن نأتي إلى القدر المتيقن. وإلا يصبح الدليل مجملا فنرجع إلى دليل آخر. .
[4] من الملاحظ أن عند العرف الإسلامي لم تكن كثير من الأمور واضحة، فأسئلة بعض الاصحاب كانت غريبة كما في قول الامام (ع) الا يستحي احدكم وقد بلغ الستين أو السبعين ولا يحسن صلاته. هذه الأسئلة بالنسبة لنا أصبحت بديهية. اما في ذلك الزمن حيث لم يستطع نبي الإسلام أن يبيّن كل الاحكام، لذلك كان لا بد من الامامة ما بعد النبي (ص)، واتيح المجال لبيان الاحكام بعد زمن الرسول (ص) وعليّ (ع) وفي زمن الباقرين (عليهم) أما بين هذه الأزمنة كان من الصعب وخصوصا في زمن بني اميّة، كان الرجل إذا أراد أن يسأل مسألة شرعية، يقول له الامام (ع): اذهب حتى تنقطع الرجل وتخف الطريق ثم اقدم. وذلك خوفا من الاعتقال. الدنيا لم تتغير بوجود القمع الإرهاب ضد أهل الحق بغاية منع انتشار الفكر الحق، ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره. .
[6] الثوب هو الخمار أو الجلباب. .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo