< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

35/05/02

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: النظر إلى الاجنبية

الكلام في المواقع التي يجوز النظر إليها والتي لا يجوز: حواز النظر إلى الوجه والكفين.
الدليل الثاني عشر: الرواية الواردة في قضية زواج النبي (ص) من بنت عمّته زينب بنت جحش (رض).
والشاهد فيها أتى رسول الله (ص) منزل زيد يسأل عنه فإذا زينب جالسة وسط حجرتها تسحق طيبا بفهر فنظر إليها: { وقال علي بن إبراهيم في قوله ( وما جعل أدعياءكم أبناءكم ) قال: فإنه حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن جميل عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان سبب نزول ذلك ان رسول الله صلى الله عليه وآله لما تزوج بخديجة بنت خويلد خرج إلى سوق عكاظ في تجارة لها ورأى زيدا يباع ورآه غلاما كيسا حصيفا فاشتراه فلما نبأ رسول الله صلى الله عليه وآله دعاه إلى الإسلام، فأسلم وكان يدعى زيد مولى محمد صلى الله عليه وآله فلما بلغ حارثة بن شراحبيل الكلبي خبر ولده زيد قدم مكة وكان رجلا جليلا [1]، فأتى أبا طالب فقال يا أبا طالب ان ابني وقع عليه السبي وبلغني انه صار إلى ابن أخيك فسله إما أن يبيعه وإما أن يفاديه وإما أن يعتقه. فكلم أبو طالب رسول الله صلى الله عليه وآله فقال رسول الله صلى الله عليه وآله هو حر فليذهب كيف يشاء، فقام حارثة فأخذ بيد زيد فقال له يا بني الحق بشرفك وحسبك. فقال زيد لست أفارق رسول الله صلى الله عليه وآله أبدا، فقال له أبوه فتدع حسبك ونسبك وتكون عبدا لقريش؟ فقال زيد لست أفارق رسول الله صلى الله عليه وآله ما دمت حيا، فغضب أبوه فقال: يا معشر قريش اشهدوا أني قد برئت منه وليس هو ابني، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله اشهدوا ان زيدا ابني أرثه ويرثني، فكان يدعى زيد بن محمد فكان رسول الله صلى الله عليه وآله يحبه وسماه زيد الحب. فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة زوجه زينب بنت جحش وأبطأ عنه يوما فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله منزله يسأل عنه فإذا زينب جالسة وسط حجرتها تسحق طيبا بفهر [2] فنظر إليها وكانت جميلة حسنة فقال سبحان الله خالق النور وتبارك الله أحسن الخالقين. ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وآله إلى منزله ووقعت زينب في قلبه موقعا عجيبا، وجاء زيد إلى منزله فأخبرته زينب بما قال رسول الله صلى الله عليه وآله فقال لها زيد: هل لك ان أطلقك حتى يتزوجك رسول الله صلى الله عليه وآله فلعلك قد وقعت في قلبه؟ فقالت: أخشى أن تطلقني ولا يتزوجني رسول الله صلى الله عليه وآله فجاء زيد إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله أخبرتني زينب بكذا وكذا فهل لك أن أطلقها حتى تتزوجها؟ فقال رسول الله: لا، اذهب فاتق الله وامسك عليك زوجك، ثم حكى الله فقال: ( امسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق ان تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها - إلى قوله - وكان امر الله مفعولا ) فزوجه الله من فوق عرشه}. [3]
وفي رواية ثانية: { أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ) وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله خطب على زيد بن حارثة زينب بنت جحش الأسدية من بني أسد بن خزيمة وهي بنت عمة النبي صلى الله عليه وآله، فقالت: يا رسول الله حتى أؤامر نفسي فانظر، فأنزل الله ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة. الآية ) فقالت: يا رسول الله أمري بيدك فزوجها إياه فمكثت عند زيد ما شاء الله، ثم إنهما تشاجرا في شيء إلى رسول الله فنظر إليها النبي صلى الله عليه وآله فأعجبته فقال زيد: يا رسول الله تأذن لي في طلاقها فإن فيها كبرا وإنها لتؤذيني بلسانها، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: اتق الله وامسك عليك زوجك وأحسن إليها. ثم إن زيدا طلقها وانقضت عدتها فأنزل الله نكاحها على رسول الله فقال: ( فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها }.[4] هذه الرواية ضعيفة السند.
من حيث السند الرواية الأولى معتبرة، سواء قلنا إنها حسنة بناء على المشهور من كون الروايات التي في سندها إبراهيم بن هاشم حسنة، أو أنها صحيحة بناء على توثيق إبراهيم بن هاشم بالتوثيقات العامة.
ومن حيث الدلالة، فإن النبي (ص) ذهب إلى بيت مولاه زيد بن حارثة فدخل منزله، ولا بد أنه يكون قد استأذن، وعلم بوجود زينب في المنزل، ثم إنه وجدها في حجرتها وليس في الدار، فنظر إليها رسول الله (ص) فأعجبته، ولا بد أن يكون قد نظر إلى وجهها وهو القدر المتيقن من النظر المؤدي إلى الاعجاب وإلى العلم بالحسن، ثم إنه لم يرد أنه قد أزاح بصره عنها، وإن كان ظاهر مقام النبي ذلك ومع عدمه فإما أن يدل على جواز النظر إلى الوجه مطلقا، وإما أن يدل على جواز النظر لمرة واحدة، وبعبارة أخرى: يدل على جواز النظر إجمالا.
لا يقال: " إذا "، هنا في قوله: فإذا زينب جالسةٌ في وسط حجرتها " فُجائية "، أي فوجئ النبي (ص) بها، فلا يدل على جواز النظر المتعمد المقصود، بل الظاهر منها انه وقع نظره عليها من دون اختيار؟.
فإنه يقال: لكن استئذانه عليها، ثم وجودَها في حجرتها لا يدل على المفاجئة، فتكون دلالة " إذا " بالمفاجئة بموقعها في حجرتها خلاف المتوقع، وبالنتيجة هو يعلم بوجودها ولم يعلم مكان وجودها. وهذا لا أثر له على الدلالة على جواز النظر من ناحية ان له النظرة الأولى من دون القصد والتعمد، أو ان النظرة كانت مع تعمد.
لا يقال: قد تكون الآية نزلت قبل إيجاب الستر على المرأة، ثم نسخ ذلك بوجوب الستر والحجاب عليها؟
فإنه يقال: ليس في القرآن ما يدل دلالة واضحة على وجوب ستر الوجه وعدم جواز النظر إلى وجه الأجنبية كي نذهب إلى نسخ الحكم. وقد بيّنا وسنبيّن أن آية } وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ { لا تدل على ستر الوجه، إذ الخمار لم يكن في عرفهم ساترا للوجه، بقرينة } وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ { الظاهر منها أن الخمار لم يكن يستر فتحات البدن كأعلى الصدر. كذلك قوله تعالى: } يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ { [5] فان الإدناء ليس الوضع، بل التقريب إلى البدن، ولا يدل على ستر الوجه.
فالنتيجة: دلالة الرواية على جواز النظر ولو مرّة واحدة على الأقل.
إلا ان يقال: الآذن للرسول (ص) بالدخول كان شخصا آخر غير زينب، ولم تعلم بدخوله، فتفوجئ بها، أو أنه نظر من إنها من خارج الحجرة وفوجئ بها، أو أنها فوجئت به، بمعنى ان النظر الأولى لم تكن مقصودة، مع صعوبة هذا الاحتمال لكنه وارد. فمع رفع هذا الاحتمال يمكن ان تدل الرواية على جواز النظر إلى الوجه، ولو كما قال المحقق صاحب الشرائع (ره) لمرّة واحدة.
ثم إنه وردت عدّة روايات في نفس القصة والحادثة، اختلفت في زمان ومكان نظر رسول الله (ص) إلى زينب، ففي حين أن الرواية السابقة ذكرت أن مكان الرواية كان منزل زينب وحجرتها نجد أن رواية أبي الجارود المروية في تفسير القمي أيضا ج 2 ص194 ظاهرها أن المكان عند رسول الله (ص)، ولكن القدر المتيقن هو أنه نظر إليها مع علمه




بأنها بنت عمته، ثم إن الحادثة متواترة بالمعنى [6].
غدا عن شاء الله نعلّق على الرواية




[1] فائدة: كان للرق عدّة مصادر، واهمها المصدران الاساسيان: الحروب، والغزوات بين بعضهم البعض. ثم تباع الانساء والأطفال في أماكن أخرى كأسواق المسلمين. والرق في الإسلام عبارة عن تربية حتى ولو كان استخداما مع مراعاة الاخلاق الإسلامية بعدم إيذاء مشاعر المسترق وعدم التنكيل به. فأفضل وسيلة لأسرى الحرب هي الاسترقاق وخصوصا إذا لم يتفق على تبادل الأسرى، أو التبادل بالمال، أو بشيء آخر. فإما أن يقتل أو يطلق أو يرق. فلا يجوز القتل لأنه سلّم نفسه لينجو من الموت. وفي اطلاقه بعد الاسر أيضا امكان العودة إلى القتال. واما السجن فهو أسوأ بكثير من الرق. ولذا في العالم الإسلامي خرج الكثيرون من الفقهاء والعلماء والقادة ممن كانوا رقيقا. ثم شجع الله عز وجل التحرير ولذلك لا تجد ابن ابن رقيق. .
[2] الفهر: حجر ملء الكف. .
[5] سورة، الاحزاب، .آية95
[6] للتذكير: التواتر هو اخبار جماعة يمتنع تواطؤهم عن الكذب فيؤدي إلى قطع. وقد ذكر حديثا أن وجود عدّة روايات عن اهل البيت صحيحة واقطع بصدور الرواية عنهم فسمي هذا تواترا. في الواقع هذا ليس هو التواتر، بل هو خبر محفوف بقرينة قطعية، وليس كل خبر مقطوع هو متواتر. والخبر المقطوع على قسمين: إما متواتر أو محفوف بقرينة تؤدي إلى القطع بصدوره. فإذا كان سبب القطع هو ورود الخبر عمن يمتنع تواطؤهم عادة على الكذب طبقة عن طبقة لهذا هو التواتر الذي يختلف مفهوما عن الخبر المحفوف بالقرينة ويشتركان في القطع بالصدور عادة. .
التواتر له ثلاثة اقسام: التواتر الإجمالي، والتواتر المعنوي، والتواتر اللفظي. اما التواتر اللفظي فهو نفس الرواية بنفس الفاظها. أما المتواتر المعنوي هو نفس المعنى روي بألفاظ مختلفة. أما التواتر الإجمالي هو اننا نقطع بصدور بعض الروايات من مجموعة، وهذا الأخير تسميته بالمتواتر تسامحا.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo