< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

35/05/03

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: النظر إلى الاجنبية

الكلام في المواقع التي يجوز النظر إليها والتي لا يجوز: حواز النظر إلى الوجه والكفين.
ملخص الكلام من سياق قصة زيد، هو ان النبي (ص) قد رأى ابنة عمته زينب بنت جحش وكان يعلم انها هي ومع ذلك نظر اليها نظر المتعمد البريء. والقدر المتيقن مما كان باديا منها هو الوجه.
قد يقال: ان هذا ليس ظاهرا لاحتمالات: أولا: بان " إذا " فجائية، لم يكن يعلم بوجود زينب والآذن اما زيد نفسه أو شخص آخر. ثانيا: ان يكون قد نظر بالصدفة عن غير عمد. أو نظر اليها من خارج الحجرة. كل الاحتمالات واردة لكنها ملغات عند العقلاء.
إلفات: إن الرواية ليست في مقام بيان حكم النظر إلى الأجنبية والاستدلال بها إنما هو بدلالة الإشارة التي لا يكون المستنبط منها مقصودا للمتكلم.
نقول في هذه الرواية: إن الغينا الاحتمالات الأخرى، تكون الرواية واضحة في جواز النظر ولو لمرّة واحدة كما قال المحقق الحلي في الشرائع. وإذا اخذنا الاحتمالات بعين الاعتبار فالرواية لا تدل على جواز النظر.
الدليل الخامس عشر: قوله تعالى في سورة النور } قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوْ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنْ الرِّجَالِ أَوْ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31) { [1].
كثر الكلام في هذه الآية في معنى الزينة وما هي الزينة الظاهرة وتحديد الزينة الظاهرة. والزينة وردت ثلاث مرات، فهل الزينة الأولى غير الزينة الثانية والثالثة، وما هو الخمار.
وردت هذه الآية في قضية شاب استقبل امرأة من الأنصار كما في الوسائل، وقد ذكرناها سابقا ونذكرها الآن أيضا وهي معتبرة، سعد الاسكافي عن الباقر (ع): محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن احمد بن محمد عن علي بن الحكم عن سيف بن عميرة عن سعد الإسكاف عن أبي جعفر (ع) قال: استقبل شاب من الأنصار امرأة بالمدينة، وكان النساء يتقنَّعن خلف آذانهنّ، فنظر إليها وهي مقبلة، فلما جازت نظر إليها ودخل في زقاق قد سمّاه بني فلان، فجعل ينظر خلفها، واعترض وجهه عظم في الحائط، أو زجاجة، فشقّ وجهه، فلما مضت المرأة نظر فإذا الدماء تسيل على ثوبه وصدره، فقال: والله لآتين رسول الله (ص) ولأخبرنّه، فأتاه فلما رآه الرسول (ص) قال: ما هذا؟ فأخبره، فهبط جبرائيل (ع) بهذه الآية: " قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون " [2].
وواضح أن مورد الآية ليس مجرد النظر وتركه وغضّه، بل هو النظر الذي فيه تلذذ واستمتاع بل إثارة شديدة، فقد جرح وسال دمه من دون أن يشعر بذلك، ولعلّه لأجل هذه الحالة جاء قوله تعالى: } وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ { وكأن الشاب كان مندفعا نحو الزنى والعياذ بالله. فيمكن أن يقال إن المسألة أجنبية عما نحن فيه وهو النظر المجرد عن الاثارة.
ويمكن الاستدلال على جواز النظر بفقرتين في الآية وهما: } وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا {و } وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ {.
أما الفقرة الأولى فالكلام كل الكلام في معنى الزينة وقد اختلف فيها اختلافا كبيرا، فذهب بعضهم إلى ان المراد هو مواقع الزينة من البدن، وذهب آخرون إلى أن المراد هو الكحل والخاتم، وزاد آخرون السوار، وذهب ابن عباس على ما ذكر في تفسير التبيان للشيخ الطوسي (ره) [3] إلى أن الزينة الظاهرة تعني القرطين والقلادة والسوار والخلخال والعضد والمنحر، فإنه يجوز لها – حسب رأي ابن عباس – إظهار ذلك لغير الزوج، فأما الشعر فلا يجوز أن تبديه إلا لزوجها.
وعن ابن عباس في رواية أخرى إن الذي أبيح، الكحل والخاتم والحذاء والخضاب في الكف.
ادعى الشيخ الأعظم الانصاري (ره) دلالة الآية على جواز كشف الوجه واليدين المستلزم لجواز النظر، وذلك بدعوى أن المراد من الزينة الظاهرة مواضعها كما فسِّرت في بعض الروايات وقد ذكرت في بعضها كالوجه والكفين والذراعين، والقدر المتيقن من هذه المواضع الوجه والكفان، فيجوز لها إبداؤه. وحيث إن الإبداء ملازم لجواز النظر تكون الآية دالة على جواز النظر إلى وجه المرأة الأجنبية ووجهها.
السيد الخوئي (ره) يجيب على ذلك في كتاب النكاح تقرير ولده السيد محمد تقي (ره) يقول: { وفيه: إن الاستدلال بها تارة بملاحظتها في حدّ نفسها ومع قطع النظر عن النصوص الواردة في تفسيرها، وأخرى بملاحظتها منضمة إلى تلك النصوص.
فإن كان الأول، فلا يخفى أنه لم يثبت كون المراد بالزينة مواضعها بل الظاهر من الآية الكريمة إرادة نفس ما تتزين به المرأة. ويؤيد ذلك قوله عز وجل في ذيل الآية: " ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن " فإن من الواضح أن ضرب الرجل على الأرض لا يوجب العلم بموضع الزينة. وإنما الذي يوجبه هو العلم بنفس الزينة من الخلخال وغيره. فإن ضرب الرجل يوجب حركتها وإيجاد الصوت فيعلم بها لا محالة }. [4]
وهذا الكلام من السيد الخوئي (ره) صحيح، نسلم بان المراد من الزينة نفس الزينة وليس المواضع، لأمرين:
الامر الأول: إن لفظ الزينة بمعنى ما يتزين به المرء، فيكون خارجا عنه، فالزينة أمر يغاير الجسد، والتغاير واضح بين الزينة ومواضعها، والظاهر من لفظ الزينة هنا من الآية هو ما تتزين به المرأة، لا نفس أجزاء جسد المرأة التي هي مواضع الزينة، فإرادة الوجه والكفين أو مواضع الزينة تحتاج إلى قرينة مفقودة في المقام – أي لو لاحظنا نفس الآية الكريمة بغض النظر عن الروايات -.
الامر الثاني: إن لفظ الزينة ورد في الآية الكريمة ثلاث مرّات فالظاهر أنها بمعنى واحد، وهي الأمور الطارئة على الجسد، ولا شك في أن الزينة في قوله تعالى: } وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِن { هي غير مواضعها من الجسد، لأن مواضعها معلومة.
ونكمل مع السيد الخوئي (ره) حيث يقول بعد ذلك مباشرة: { ولو تنزّلنا عن ذلك وقلنا: إنّ المراد بالزينة هو مواضعها، فلا يتمّ الاستدلال بالآية الكريمة أيضاً. وذلك فلأننا وإن قلنا: إنّ الأمر بالتستر واضح الدلالة على عدم جواز نظر الرجل إلى بدن المرأة، إلَّا أنّه لا يمكن القول بذلك في عكس القضية [5]، فإنّ جواز الإبداء لا يدل على جواز نظر الرجل إليها إذ لا ملازمة بينهما، ويكفينا في إثبات ذلك ذهاب جماعة إلى حرمة نظر المرأة إلى الرجل والحال أنّه لا يجب عليه التستر [6]. فالحاصل أنّ الآية الكريمة على كلا التقديرين [7] لا تدلّ على جواز نظر الرجل إلى وجه المرأة ويديها }.
هذا الكلام للسيد لا نسلم به مطلقا:
اما على التقدير الأول أي أن المراد من الزينة نفسها فكلامه صحيح كما ذكرنا، لأن جواز النظر إلى الزينة لا يستلزم جواز النظر إلى مواضعها.
وأما على التقدير الثاني: أي أن المراد من الزينة مواضعها فلا نسلم به لما ذكرنا من الملازمة العرفية بين جواز الإبداء وجواز النظر. الابداء اخذ في مفهومه وجود شخص آخر ناظر اليه خلافا للكشف الذي لم يأخذ بمفهومه الشخص الآخر. وبعبارة أخرى: الابداء اخص من الكشف الذي هو أعم مطلقا من الابداء، فكل ابداء كشف وليس كل كشف ابداء.
واستدلاله (ره) على عدم التلازم بذهاب جماعة إلى حرمة نظر المرأة إلى الرجل والحال أنه لا يجب عليه الستر مردود بأمرين: نذكرهما غدا إن شاء الله.






[5] يعني: أن الامر بالتستر يعني حرمة النظر، وجواز التستر هل يعني جواز النظر. الأولى نسلم بها، اما الثانية فلا نسلم بها. .
[6] أي التفكيك بين الامرين الذي يدل على الإمكان وعدم الملازمة. .
[7] تقدير المواضع أو الزينة نفسها.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo