< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

35/05/04

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: النظر إلى الاجنبية

الكلام في المواقع التي يجوز النظر إليها والتي لا يجوز: حواز النظر إلى الوجه والكفين.

-تفسير آية } يبدين زينتهن {.
-التحقيق في معنى الآية.
بعد تلخيص ما مرّ نكمل رد السيد الخوئي (ره) على كلام بعض الفقهاء ومنهم الشيخ الأعظم الانصاري (ره) ونعلق عليه.
واستدلاله (ره) على عدم التلازم بين الإبداء وجوازالنظر بذهاب جماعة إلى حرمة نظر المرأة إلى الرجل والحال أنه لا يجب عليه الستر مردود بأمرين:
أ‌-إن نفس رأيهم ليس حجة، لإمكان عدم التفاتهم وإدراكهم للملازمة، وقلنا ان العنوانين يمكن ان يكونا محكومين بحكمين مختلفين، وليس هناك محالية عقلية أو شرعية. نعم يمكن أن يستدل بكلمات بعض الفقهاء لو كانت الملازمة واضحة من باب اللزوم البيّن بالمعنى الأخص، هكذا ملازمات تدرك من قبل جميع الناس. إما الملازمات العرفية فقد لا يدركها بعضهم، كما في كلمة " ابداء " إذا لم يكن ملتفتا إلى انها تختلف عن الاظهار وتتضمن معنى وجود الناظر. هذه النكتة لم نَلتفت اليها. ولاحظوا أن تطور العلوم يكون بالالتفات إلى هذه النكات الذي يعطي النظريات الجديدة ويؤدي إلى تطور العلم.
ب‌-لو سلّم، ولكنه قياس مع الفارق، للفرق بين الإبداء والكشف، وقد قلنا بأن جواز الكشف لا يلازم جواز النظر، بخلاف جواز الإبداء، وذلك لنكتة وهي أن الإبداء أخذ في مفهومه وجود الناظر، بخلاف الكشف، والنسبة بينهما العموم والخصوص المطلق، فكل ابداء كشف وليس العكس. مثلا: إذا قلت يجوز للمرأة أن تكشف رأسها تحت السماء، هذا لا يعني انه يجوز أن تنظر اليها وهي تحت السماء كاشفة. أما إذا قلت انه يجوز ان تبدي رأسها، هنا يختلف المعنى لان الإبداء غير الكشف.
ونكمل مع السيد الخوئي (ره) حيث يقول بعد ذلك مباشرة: { وإن كان الثاني [1]، فالروايات وإن كانت صريحة في أنّ المراد بالزينة إنما هو مواضعها، إلَّا أنّه لا بدّ من التكلَّم في معنى البَداء كي يعرف منه معنى الآية الكريمة فنقول: البَداء بمعنى الظهور، كما في قوله تعالى: } بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما { والإبداء بمعنى الإظهار، فإذا كان متعلقا بشيء ولم يكن متعديا باللام يكون في مقابل الستر، وإذا كان متعديا باللام كان في مقابل الإخفاء بمعنى الإعلام والإراءة. كما يقال: يجب على الرجل ستر عورته وليس له إظهارها في ما إذا كان يحتمل وجود ناظر محترم. وكذلك يقال: " إنّ بدن المرأة كلَّه عورة " فيراد به ذلك. وأما إذا قيل: أبديت لزيد رأيي أو مالي، فمعناه أعلمته وأريته. ومن هنا يظهر معنى الآية الكريمة، فإنّ قوله عزّ وجلّ أوّلًا: } ولا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها { إنما يفيد وجوب ستر البدن الذي هو موضع الزينة وحرمة كشفه ما عدا الوجه واليدين، لأنهما من الزينة الظاهرة، فيستفاد منه أنّ حال بدن المرأة حال عورة الرجل لا بدّ من ستره بحيث لا يطلع عليه غيرها، باستثناء الوجه واليدين فإنهما لا يجب سترهما، لكنك قد عرفت أنّ ذلك لا يلزم جواز نظر الرجل إليهما. في حين إنّ قوله عزّ وجلّ ثانياً: } ولا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ . . . { يفيد حرمة إظهار بدنها وجعل الغير مطلعاً عليه وإراءته مطلقاً، من دون فرق بين الوجه واليدين وغيرهما، إلَّا لزوجها والمذكورين في الآية الكريمة.
فيتحصّل من جميع ما تقدم: أنّ الآية الكريمة بملاحظة النصوص الواردة في تفسير الزينة تفيد حكمين:
الأوّل: حكم ظهور الزينة في حدّ نفسه، فتفيد وجوب ستر غير الظاهرة منها دون الظاهرة التي هي الوجه واليدان.
الثاني: حكم إظهار الزينة للغير، فتفيد حرمته مطلقاً من دون فرق بين الظاهرة والباطنة، إلَّا للمذكورين في الآية الكريمة حيث يجوز لها الإظهار لهم.
وحيث عرفت أنّ حرمة الإظهار ووجوب التستر تلازم حرمة النظر إليها، فتكون الآية الكريمة أوْلى بالاستدلال بها على عدم الجواز من الاستدلال بها على الجواز }.[2]انتهى كلامه رفع مقامه.
وتعليقا على ذلك نقول:
-هناك فرق بين الإبداء والاظهار، كما ذكرنا غير مرّة، والنسبة بينهما العموم والخصوص المطلق، فإن الإظهار أعم، ولذلك يختلفان حكما.
-وما أفاده من الحكمين: نسلم بالأول - الزينة الظاهرة يجوز إظهارها - دون الثاني، فإن قوله تعالى: } إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا { هو من المستثنى منه } زينتهنّ { وهو تخصيص أي إخراج من الحكم، والحكم هو حرمة الإبداء، فيكون معنى الآية – بناء على تفسيره للإبداء – حرمة إظهار الزينة إلا الظاهرة فتجوز.
والتحقيق في المسألة: لا شك أن الموضوع له لفظ " الزينة " هو ما تتزيّن به المرأة من خاتم وكحل وغير ذلك، وليس الوجه والكفين هما الموضوع له، ولو كان المستعمل فيه الوجه والكفان لكان مجازا. ولا شك أن الموضوع له لا يشمل أجزاء البدن.
ولا شك أن الموضوع له الوجه والكفان هو نفسهما لا الزينة التي عليهما، ولو استعملا في الزينة التي عليها لكان مجازا ولا شك أن الموضوع له لا يشمل الزينة.
إذا علمت هذا: فقد ورد في النصوص ما يدل على أن الزينة هي الكحل والخاتم وامثالهما، وورد أيضا ما يدل على الوجه والكفين، فيدور الأمر بين مجازين أو مرادين:
الأول: فإما أن نبقي الزينة على معناها الموضوع له ونحمل الوجه والكفين في الروايات على الزينة التي فيهما، فيكونان مجازا في الزينة، والعلاقة المصححة هي علاقة المكان والمكين.
الثاني: وإما أن نبقي الوجه والكفين على معناهما الموضوع له ونحمل الزينة في القرآن والروايات على موضع الزينة مجازا.
والظاهر أن الأول هو الأظهر، وذلك أولا:الظهور القرآني في ذلك حيث لا قرينة تدل على كون المراد من الزينة موضعها، وثانيا: لكثرة الروايات والتفسيرات من المفسرين فيه.
والخلاصة: أن الزينة قسمان: ظاهرة وباطنة.
أما الظاهرة فيجوز إظهارها وإبداؤها، وهي ما كانت على الوجه والكفين، وبالتالي يجوز النظر إلى كل الزينة على الوجه والكفين ولكل الناس.
أما الباطنة فلا يجوز إظهارها وإبداؤها إلا لمن ذكرتهم الآية المباركة. وبالتالي يحرم النظر إليها، وهي الزينة الموجودة على بقية جسد المرأة.
والخلاصة: إن الموضوع له لفظ الزينة هو ما تتزين به المرأة، والمستعمل فيه في الموارد الثلاثة أيضا هو نفس المعنى فلا توجد مجازية بين الموارد. نعم المراد من الزينة في المورد الأول أي } وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا { هو الزينة الظاهرة، والمراد من الزينة في المورد الثاني، أي } وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ { هو الزينة الخفية التي تُخفى عادة. والمراد من الزينة في المورد الثالث، أي } وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِ { هو الزينة الخفية والقرينة موجودة في نفس الآية.

النتيجة إلى هنا: ان المراد في الآية الأولى الزينة الظاهرة، وفي الآية الثانية والثالثة الزينة الخفية، فالنتيجة: ان ما كان على الوجه يجوز النظر اليه. لكن ماذا نفعل بالروايات المختلفة، هل هناك تعارض بين الروايات أو لا يوجد تعارض وهناك مخرج.
سنكمل غدا أن شاء الله وسنصل إلى نتيجة أن هذا الآية لا تدل على جواز النظر إلى الوجه والكفين. واختلاف الروايات في الزينة الظاهرة حيث إنها تتعارض مفهوما.






[1] في مقام رده على الشيخ الانصاري (ره) قسم المطلب إلى قسمين: أولا: أن نلحظ الآية بما هي. والثاني: ملاحظة الآية مع النصوص التي وردت. .
[2] المباني في شرح العروة الوثقى، السيد أبو القاسم الخوئي تقرير السيد محمد تقي الخوئي، ج 2، ص 42. خلافا لما استدل به الشيخ الانصاري (ره) بالآية على جواز النظر، لوجود الفرق بين حكم الظهور وحكم الاظهار. .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo