< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

35/05/11

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: النظر إلى الاجنبية

الكلام في المواقع التي يجوز النظر إليها والتي لا يجوز: حواز النظر إلى الوجه والكفين.

- آية الضرب بالخمار وإدناء الجلباب وصحيحة علي بن سويد.
- التفريق بين الاعجاب والإثارة.
نكمل قوله تعالى } وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ { [1]. معنى الخمار: يقول في كتاب البيان للطبرسي: الخمار هو ما يستر الرأس وينسدل على الجبين، وقيل هي المقانع. وقد ورد في الرواية التي وردت في نزول الآية } ويغضوا من ابصارهم { قال: وكانت نساء الأنصار يتقنعن خلف آذانهن، ونستفيد منها أن القناع ما كان يستر الرأس وليس الوجه.
وعلى أية حال فلا دليل على أن مفهوم الخمار يغطي الوجه، والقدر المتيقن منه ما يغطي الرأس فنقتصر عليه لاثبات الحكم والباقي يرجع للأدلة الاخرى أو للأصول، كما ذكرنا في الشبهة المفهومية.
والجيوب جمع جيب بمعنى الفتحة، والمراد هنا فتحات البدن كأعلى الصدر، المنحر، والوجه ليس من الجيوب.
فالآية ليست في مقام بيان حكم موضوع معيّن، لأنها بمجملها وردت في ذلك الشاب الذي شج وجهه، والآية تبيّن ما يجوز ولا يجوز النظر اليه، وما يجوز ولا يجوز كشفه. إذن الآية في مقام تحديد ولو لم تكن في هذا المقام لما نفعتنا كدليل، لان وجوب ستر الجيب لا يعني أن المواقع الأخرى لا يجب سترها لعدم التعرض لها في الآية، فلا دلالة على وجوب أو جواز الستر أو الكشف.
لكن نقول: لما كانت الآية في مقام التحديد وفي صدد البيان فهي تدل على جواز كشف الوجه. ففي قوله تعالى } وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ { كان يستطيع أن يقول ويبيّن أيضا: وعلى " وجههن ومنجرهن وشعورهن " وغير ذلك. ولكنه لم يقله مما يظهر منه عدم وجوب الضرب على الوجه.
لا يقال: هذا بمفهوم اللقب وهو أضعف المفاهيم، لأن تسلط الحكم على موضوع لا يعني الحكم ينفيه عن غيره.
فإنه يقال: لكن كل المفاهيم التي ذكرت في علم الأصول من مفهوم الشرط والوصف والغاية والاستثناء والحصر واللقب، كل هذه المفاهيم مع القرينة تدل على المفهوم وحجة فيه. وهنا القرينة موجودة وهو انه في مقام تحديد ما يجب ضرب الخمار عليه.
الدليل السادس عشر: } يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً { [2] والجلباب كما مرّ ثوب تلبسه المرأة يسترها من رأسها إلى قدميها ولكنه لا يستره سترا كاملا. والإدناء ليس الوضع وليس الرفع بل معناه لملمة أطرافه، ومن الواضح أن الجلباب يستر المرأة مع الإدناء، والظاهر بقاء الوجه مكشوفا. وهذه الآية لا تصل إلى مرحلة الدليلية على جواز كشف الوجه بل يمكن ان توحي وتشعر بذلك لان الوجه يستر والإدناء للجلباب.
الدليل السابع عشر: صحيحة علي بن سويد: { محمد بن يعقوب، عن أحمد، عن علي بن الحكم، عن علي بن سويد قال: قلت لأبي الحسن عليه السلام: إني مبتلى بالنظر إلى المرأة الجميلة فيعجبني النظر إليها، فقال: يا علي لا بأس إذا عرف الله من نيتك الصدق وإياك والزنا فإنه يمحق البركة ويهلك الدين }.[3]
من حيث السند الرواية صحيحة وعلي بن سويد من الثقات الاجلاء.
ومن حيث الدلالة: فالتعبير " إني مبتلى بالنظر إلى المرأة الجميلة " والقدر المتيقن من النظر هنا هو الوجه والكفين.
لكن حمل بعض الفقهاء الابتلاء بمعنى أن عمله يقتضي ذلك كالشيخ الأنصاري، وأن يكون النظر اتفاقيا، بمعنى أنه يقع نظره عليها من دون قصد أو تعمّد.
لكن مع كلمة " فيعجبني النظر إليها " يصعب الحمل على مجرد ان عمله يقتضي ذلك.
يقول السيد الخوئي (ره) في كتاب النكاح: { إلا انه لا بد من حمل هذه الصحيحة – كما هو ليس ببعيد – على اقتضاء عمله لذلك، وأن النظر اليها يكون اتفاقيا، بمعنى انه يقع نظره عليها من دون قصد أو تعمد. وبذلك تكون الصحيحة أجنبية عن محل الكلام، ولا تدل على جواز تعمد النظر إلى وجه المرأة، فلا بد من رد علمها إلى أهلها، لأنها دالة على جواز النظر إليها حتى مع قصد التلذذ من الأول، كما يظهر من قوله: " فيعجبني النظر إليها " وهو مما لا يمكن الالتزام به ولم يقل به أحد منا، على أنها غير مختصة بالوجه واليدين فتشمل الشعر أيضا [4] وهو مقطوع البطلان.
ومما يؤيد ما ذكرناه – من حملها على التعمد والقصد – أن من البعيد جدا أن يفعل علي بن سويد على جلالة قدره وعظم شأنه ذلك قاصدا متلذذا، ثم ينقله بكل صراحة للإمام (ع) }.[5]
لكننا نلاحظ أمرين:
الأول: هل يمكن التفريق بين الاستحسان والتلذذ. الاستحسان والاعجاب ورد في كثير من الروايات وفي بعض الآيات أيضا كما في قوله تعالى } ولو اعجبك حسنهن {، وذكرنا في الرواية الصحيحة التي هي نص واضح وصريح ان النبي (ص) عندما نظر إلى زينب بنت جحش اعجبته. فتكررت كلمة " اعجاب " ولعلّها نقلت بالمعنى وخصوصا أن الروايات في كثير منها كما يصرح بذلك الحر العاملي (ره) والنراقي (ره) وغيرهما نقلت بالمعنى. فلا بد ان نفهم معنى الاعجاب، وهل هناك فرق بين التلذذ والاعجاب؟ السيد الخوئي (ره) بنى اشكاله على ان الاعجاب هو التلذذ والاستمتاع، مع ان هناك فرقا بين اللفظين حتى إننا نرى غير المتدينين بل غير المسلمين يستقبحون نظر التلذذ والتلصص ويصفون من كان لذلك من الرجال بصفات قبيحة كما يقولون عندنا في لبنان – عين بيضاء - أما الجمال فهو من اصل الفطرة البشرية [6] والاستحسان لا يعني الشهوة والتلذذ.
الثاني: أن السؤال عن حكم شرعي لا ينافي جلال القدر والمقام، خصوصا أن كثر من الاحكام لم تكن واضحة لان من وظائف الامامة اكمال بيان الاحكام الشرعية، دعوة النبي (ص) ثلاث وعشرين سنة، ثلاثة عشر في مكة وعشر سنوات في المدينة، هذه الفترة لم تكن كافية لبيان جميع الاحكام، ولذلك الشافعي كان يقول لولا عليٌّ لما عرفنا احكام البغاة من حرب الجمل وحرب صفين وحرب النهروان، هذا نص واضح منه على ان احكام البغاة لم تكن مبينة سابقا لعدم وجود المورد. ثم إن النظرة الاستحسانية ليست أمرا قبيحا عند العقلاء حتى يكون السؤال عنه مستهجنا مستغربا، فليس هو كالكذب والتوّري وهما امران قبيحان عند العقلاء. والسؤال حينئذ عن حرمتهما أمرا مستهجنا. ولكون الاستحسان والاعجاب ليس أمرا قبيحا أمكن السؤال عن حكمه، ولا مانع من ذلك ولا تنافي جلالة قدر السائل.
لذلك يمكن اخذ هذه الرواية دليلا على جواز النظر بالنظرة الاستحسانية دون الاستمتاعية والتلذذية، ونرى ان هناك فرقا بين الاستحسان والاستمتاع، ولا تلازم بينهما إلا إذا اكمل النظر بنيّة غير صادقة توصل الى المحرم الذي هو الزنى.
الدليل الثامن عشر: رواية زرعة عن سماعة التي تقدم ذكرها في الروايات الدالة في الاجمال على حرمة النظر: " تعرّض لرؤيتها وكلما رأيتها فقل: اسأل الله من فضله ".
هذه الرواية المعتبرة التي اعرض عنها الاصحاب وذكرت في الكافي في النوادر، الشاهد فيها " تعرّض لرؤيتها " والتعرض هنا بمعنى الاباحة، اباحت النظر المستحسن من دون ستر الوجه.
فمحور الاستدلال بالروايات يعود للتالي: هل يوجد فرق بين الاستحسان والتلذذ والشهوة أو لا؟ لو قلنا بعدم الفرق بينهما، فهذه الروايات يرد علمها إلى أهلها فلا دليل، اما مع القول بوجود الفرق، نقول بان حكم الاستحسان يختلف عن حكم الاسممتاع والتلذذ والشهوة. فتكون هذه الرواية أيضا دليلا على جواز النظر إلى الوجه والكفين من دون شهوة مع مجرد الاستحسان.
إلى هنا نكون قد انتهينا من ادلة الجواز، ولو فرضنا ان كل هذه الأدلة لم تتم عندها نصل إلى الأصل اللفظي، هل هناك اصل لفظي بعدم جواز النظر؟ أي هل يوجد عموم لتحريم النظر إلى كل أجزاء بدن المرأة؟ إذا لم نصل إلى دليل لفظي عندها نصل إلى مرحلة الأصل العملي الذي هو البراءة، إذن تحريم النظر هو الذي يحتاج إلى دليل ومع عدم الدليل وبقاء الشك في التكليف يجري أصل البراءة فنقول بجواز النظر[7].
غدا ان شاء الله نكمل ايهما أولى، ان نبدأ بتأسيس الأصل او نبدأ بالأدلة ثم الأصل.




[4] وذلك بإطلاق " المرأة " في قوله " إني مبتلى بالنظر إلى المرأة الجميلة، ولكن الإطلاق يشمل غير الشعر كالذراعين وبقية المحاسن.
[5] المباني في شرح العروة الوثقى، كتاب النكاح، ج 32، ص43. .
[6] كما في قول الشاعر:
خلقت الجمال لنا فتنة وقلت لنا يا عباد اتقون.
وانت جمل تحب الجمال فكيف عبادك لا يعشقون
[7] تذكير: وذكرنا في الشبهة الحكمية: أولا نبحث عن علم، ثم العلمي، ثم الأصل اللفظي، ثم الأصل العملي. هنا الحكم غير واضح فالشبهة حكمية ومع فقد الأصل اللفظي نرجع للاصل العملي وهو البراءة . .بعض المدرسين يبدأ أولا بتأسيس الأصل ثم يذكر الأدلة، نحن نخالف هذه النظرية في المنهجية فلا بد من الأدلة أولا ثم نصل إلى الأصل.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo