< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

35/05/16

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: النظر إلى الاجنبية

الكلام في المواقع التي يجوز النظر إليها والتي لا يجوز.
-أدلة حرمة النظر إلى الوجه والكفين.
- ادلة المنع.
تلخص مما مرّ بعد ذكر الآيات والروايات انه: ان كان هناك أصل لفظي وهو: ان كل جزء من جسد المرأة يحرم النظر اليه، يدل على حرمة النظر إلى الوجه والكفين للعموم. ومع عدم تمامية الأدلة يكون هذا الأصل اللفظي هو المحكَّم في هذه الشبهة الحكمية.
قد يقال: ان هناك أصلا لفظيا كما في الحديث الشريف " النساء عيٌّ وعورة ". لكن الحديث ضعيف السند أما " المرأة كلها عورة " فلعلّه من كلمات الفقهاء.
وقد يقال: انه بإطلاق } يغضوا من ابصارهم {، تم وجوب الغض عن كل الأجزاء ومنها الوجه والكفان. لكن قلنا أن هذه الآية ليست في مقام الاطلاق بالنسبة إلى أجزاء الجسم. فنصل إلى الأصل العملي الذي هو البراءة، لان الشك هنا شك في التكليف، هل يحرم النظر أو لا؟.
إلى هنا نكون قد انتهينا من ادلة الجواز، وملخص الأدلة الآيات والروايات التي دلت على جواز النظر إلى الوجه والكفين، انه يمكن الاستدلال بها، كما ذكرنا بان " ويضربن بخمرهنَّ على جيوبهن " والخمار لا يضرب على الوجه ويضرب على الفتحات. ثم إن الروايات لها مفاهيم والمفهوم لازم بين بالمعنى الأخص، والأمور التي ليس لها مفاهيم مع القرينة يكون لها مفهوم. ومنها مفهوم اللقب في الآية " ويضربن بخمرهن على جيوبهن " وهو في مقام التحديد وهذا التحديد قرينة على المفهوم، والوجه ليس من الجيوب ولما لم يقلها فيكون ابداء الوجه جائزا.
فالآيات والروايات والاصل العملي جميع هذه الأدلة تدل على جواز النظر والكفين من دون اثارة وشهوة أو ريبة، وهو محل الكلام.
ادلة المنع:
والمنع هو عدم جواز النظر حتى النظر المجرد عن الشهوة والاثارة. ذهب إليه صاحب الجواهر (ره) ونقله عن العلامة (ره) وصاحب كنز العرفان، واستدل له بأمور:
منها: دعوى إطباق الفقهاء على أن بدن المرأة عورة إلا على الزوج ولمحارم، كما في كنز العرفان.
لكن هذه الدعوى مردودة:
اولا: كبرويا هذا الإجماع مدركي، بما ورد من روايات وأدلة قد استدل بها بعضهم على الحرمة.
ثانيا: لعدم ثبوته صغرويا مع وجود اختلاف الفقهاء في ذلك، فكيف يكون هناك اطباق وتسالم.
ومنها: سيرة المتدينين أي المتشرعة على الستر وفيه عدم دلالته على الوجوب. لو تمت سيرة المتشرعة كمتشرعة كونها دليلا لبيا يقتصر فيها على القدر المتيقن وهو الجواز، هذا أولا.
وثانيا: لقد قلنا سابقا ان هذه السيرة انما تكون دليلا إذا كانت كمتشرعة وليس كعرف وعقلاء. الحجاب وعدم النظر موجود عند الناس، الفرس كانت تحجب النساء [1]، وكذا في قول عنترة بن شداد [2]، كذلك مورد آية الغض حيث ورد في معتبرة سعد الإسكاف أن نساء الأنصار كنَّ يتقنَّعنَ خلف آذانهنّ. الشاهد ان الستر كان موجودا حتى عند غير المتشرعة لكن حدود الستر لم يكن معروفا. وسيرة المتدينين المتشرعة على ستر الوجه وعدم النظر إلى الوجه باللازم غير معلوم، وليس هناك اجماع عملي عليه، صغرويا غير موجود. ثم لو فرض انه موجود كمتشرعة، الاجماع دليل لبي لا لسان له، فلا إطلاق له، فيدل على أكثر من الجواز ولا يدل على الوجوب.
قد يقال: الالتزام الكامل يدل على الوجوب. لكن نقول: ليس دائما ومثال على ذلك: في لبنان تجد شخص لا يصلي اكثر أيامه لكن يوم صلاة العيد تجده موجودا مع اكثر الناس، بالرغم ان صلاة العيد في زمن الغيبة غير واجبة والصلاة اليومية واجبة، هذا الشخص لا يصلي الصلاة اليومية لكن في صلاة العيد تجده موجودا، وحضور الجميع لا يعني وجوب الصلاة، وكمثال آخر: العقيقة المستحبة في العراق تكاد تكون هي اهم من بعض الواجبات عند الناس من جهة الالتزام بها. لذلك حفظنا كل مسائل العقيقة بكل تفاصيلها لكثرة السؤال عنها في العراق.
فالالتزام العام لا يعني الوجوب، والقدر المتيقن من السيرة هو الاباحة والجواز، لكن لا يعني وجوب الستر وحرمة النظر.
ومنها: إطلاق أية الغض } وقل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم { لأمور ذكرها سابقا، منها كونها ليست في مقام بيان ما يجوز النظر إليه وما لا يجوز، يؤيده ان مورد الآية أن المشتكي هو الشاب الناظر فجاء الأمر الإلهي متوجها إليه قبل النساء، ومرشدا له. ويؤيده أيضا قوله ذلك } ذلك أزكى لهم { الظاهرة في الإرشاد، وأن النظر مقدمة للمحرّم الذي هو الزنى بقرينة } وليحفظوا فروجهم {. ومؤيدا بقوله تعالى في آخر الآية } ولا يضربن بأرجلهن، ليعلم ما يخفين من زينتهن { الظاهر منها عدم فعل ما يثير الشهوة. ويؤيده أيضا مورد الآية حيث كان الشاب في إثارة شديدة، وكان الآية في مقام بيان شأنيّة النظرة، وانها تؤدي إلى المحرّم إذا لم يضبط نفسه، وعلى الأقل فهي تمنع من ظهور الآية في الإطلاق بحيث نصل إلى أصل لفظي مفاده: كل أجزاء بدن المرأة يحرم النظر إليها، وجواز النظر إلى أي جزء يحتاج إلى دليل.
ومنها: قوله تعالى: } ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها { ببيان أن جواز الإبداء لا يعني جواز النظر.
وجوابه: أننا ذكرنا أن جواز الإبداء يلازم جواز النظر، وأنه هناك فرقا بين مفهوم الإبداء ومفهوم الإظهار والكشف، حيث يتوقف صدق عنوان الإبداء على ملاحظة الناظر أو احتمال وجوده، بخلاف الكشف.
السيد الخوئي (ره) يرفض هذا الفرق، ولا بأس بذكر كلامه (ره) حيث يقول في كتاب النكاح: ولا يتوقف صدق عنوان البدو والإبداء على وجود الناظر، ولذا جاء في صحيحة زرارة قلت لأبي جعفر ( الباقر عليه السلام): رجل خرج من سفينة عرياناً أو سلب ثيابه ولم يجد شيئاً يصلي فيه، فقال: « يصلي إيماءً، وإن كانت امرأة جعلت يدها على فرجها، وإن كان رجلًا وضع يده على سوأته، ثم يجلسان فيومئان ولا يسجدان ولا يركعان فيبدو ما خلفهما، تكون صلاتهما إيماءً برؤوسهما ». فإنّه (عليه السلام) عبّر بالبدو في فرض عدم وجود ناظر محترم فيظهر من ذلك أنّ المراد به هو الإبداء في نفسه أي ظهوره . [3] انتهى كلامه رفع مقامه.
والجواب: أن الرواية ليست صريحة في عدم احتمال وجود ناظر، مع قرب احتمال استعمال البدوّ بمطلق الإظهار، وقلنا سابقا أنه بين الاظهار والبدوّ عموم وخصوص مطلق وقد يستعمل الواحد بمعنى الاخر استعمالا مجازيا وخصوصا عندما يتصور وجود الناظر. فالرواية ليست دليلا على ان الابداء يكون بدون الناظر. [4]
ومنها: الروايات الدالة على جواز النظر إلى وجهها ويديها إذا أراد تزوجهن. مفهومها هو عدم الجواز إذا لم يكن مريدا تزويجها. وحمل النظر في هذه الروايات على المقترن بالتلذذ، فلا تدل بمفهومهما على عدم جواز النظر المجرد إذا لم يكن قاصدا تزويجها، بعيد جدا ولا موجب له.
وفيه: نسلمّ بعدم الحمل على النظر بتلذذ، لكن لا نسلّم بأصل الدليل، فإننا قد ذهبنا إلى جواز النظر إلى كل ما يرفع الجهالة. ومع هذا الاستظهار يكون إجازة النظر إلى الوجه واليدين كإجازة النظر إلى الشعر والمحاسن، مع ظهور اليدين فيما هو أعم من الكفين، تكون هذه جميعا مفردات وهي عبارة عن تطبيقات لما يجوز النظر إليه بحيث يرفع الجهالة.



[1] كما هو الوارد في قصة بزر جمهر الذي حكم عليه بالاعدام حين تخطت ابنته الصفوف وهي سافرة، فطلب منها ان تتستر فأجابت بأبيات من الشعر: ما كانت الحسناء ترف سترها لو ان في هذه الجموع رجالا .
[2] وأغض طرفي إن بدت لي جارتي حتى يواري جارني مأواها .
[4] ردا على سؤال: كيف استدل السيد الخوئي (ره) على حرمة النظر: ذكرنا سابقا انه (ره) فرق بين الحكم بالظهور والحكم بالاظهار. الزينة التي لا يجوز النظر اليها هي كل البدن، والزينة التي يجوز اظهارها هي الوجه والكفان. الظهور يجوز ابدائه ولكن لا يجوز النظر اليه وذلك لعدم التلازم بين جواز الابداء وجواز النظر. .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo