< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

35/05/18

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: النظر إلى الاجنبية
الكلام في المواقع التي يجوز النظر إليها والتي لا يجوز.
- ادلة المنع.
-أدلة حرمة النظر إلى الوجه والكفين من دون الشهوة والاثارة.
ومنها: ما رواه العامة كما في التذكرة للعلامة الحلي، والمبسوط أيضا من: أن امرأة خثعمية أتت النبي (ص) بمنى في حجة الوداع تستفتيه، وكان الفضل بن العباس رديف رسول الله (ص)، فأخذ ينظر إليها وتنظر إليه، فصرف رسول الله (ص) وجه الفضل عنها وقال: رجل شاب وامرأة شابة أخاف أن يدخل الشيطان بينهما. [1]
من حيث السند الرواية ضعيفة.
ومن حيث الدلالة: استدلوا على عدم الجواز بصرف النبي (ص) وجه الفضل عنها، فلو كان جائزا لما صرفه.
لكن فإن كانت مكشوفة الوجه فهذا يدل على جواز كشف الوجه، وجواز النظر المجرد عن اللذة، للتعليل الذي ذكره الرسول (ص) وهو خوف دخول الشيطان بينهما، والعلّة كما توسع تضيق والحكم يدور مدار العلّة وجودا وعدما.
وإن كانت مستورة الوجه ولا تظهر إلا عينيها، فالظاهر من الرواية أنهما أطالا النظر وعاوداه " فأخذ ينظر اليها " هناك نوع من الاطالة حتى وصل الأمر إلى خوف الفتنة، فلا تدل على حرمة النظرة المتعمدة غير الطويلة العابرة.
ومنها: ما روي من توصيف النظر، وأنه سهم من سهام ابليس وأنه من الزنى، انظر الوسائل ج 14ب 104من أبواب مقدمات النكاح، ح 1و2و5 كذلك الروايات الواردة في العدد، في كون النظرة الأولى لك والثانية عليك انظر ح 6و 8 و 9و11و13و14و15و17.
وفيه: ما ذكرناه سابقا انها أولا إرشادية تبيّن موقع النظرة من عملية الاثارة التي تؤدي إلى فتنة وفساد والدخول في المحرّم وقد صرحت بذلك الرواية الثانية عشر من نفس الباب. وانها ليس مولوية تحرم النظر كنظر. [2]
وأما الحديث الثاني من نفس روايات التوصيف، وأن النظر من الزنى فالرواية واضحة في بيان مواقع اللذة، فإن كانت من غير وجه شرعي كانت حراما، وقد ورد في رواية أخرى أن نكاح البهيمة والدلك [3]وشبهة من الزنى.
وأما روايات العدد فكذلك إرشادية إلى ما سيؤول إليه أمر الناظر وتحذير له. وإلا فلو أخذناها على نحو المولوية، فإن إطلاق النظرة الأولى المحللة يشمل الاختيارية والاتفاقية أي المقصودة وغير المقصودة، وبإطلاقها تشمل النظر إلى كل جسد المرأة ولو اختيارا، وتشمل النظرة الطويلة الزمن والقصيرة، وإن كان الانصاف أن الاطلاق منصرف عن الطويلة.
وما قيل من أن هذه الروايات مأخوذة على نحو المولوية وأنها تشمل النظرة الأولى الاتفاقية دون غيرها، لكن هذا يردّه ما ورد من رواية من نفس الباب في الوسائل: عن المفضل بن عمر عن الصادق (ع) في حديث في قوله تعالى: " فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم " قال: إنما قيده الله سبحانه بالنظرة الواحدة، لأن النظرة الواحدة لا توجب الخطأ إلا بعد النظرة الثانية، بدلالة قول النبي (ص) لما قال لأمير المؤمنين (ع): يا علي أول نظرة لك، والثانية عليك لا لك ". [4] هذه الرواية تنفعنا في نفس تفسير الرواية الأولى بان النظرة الأولى اتفاقية فإن إبراهيم (ع) نظر نظرة أولى متعمدة اختيارية.
وبالنتيجة هذه الروايات إرشادية.
الى هنا نكون قد انتهينا من ادلة الحرمة واستطعنا ان نفندها جميعا ومنها صحيح الفضيل، والاستدلال فيها مبنية على معنى " دون " ولو سلمنا دلالتها، فإنها لا تقاوم ادلة حلّية النظر.
القول الثالث: التفصيل بين المرّة والتكرار، فيجوز النظر مرّة واحدة ولا تجوز النظرة الثانية.
اختاره المحقق الحلي (ره) في الشرائع، والعلامة في القواعد. يقول الشيخ محمد حسن النجفي صاحب الجواهر (ره) في جواهره: وأما ما ذكره المصنف من جوازه (على كراهية مرة) واحدة (و) حينئذ ف‌ (لا يجوز معاودة النظر) في مجلس واحد، بل ولا إطالته فهو أضعف قول في المسألة [5]، وإن قيل: إنه وجه جمع [6]بين ما دل على الجواز وما دل على عدمه، بشهادة النبوي [7]" لا تتبع النظرة النظرة، فإن الأولى لك والثانية عليك، والثالثة فيها الهلاك " وعن العيون روايته بدل " فإن " إلى آخره " فليس لك يا علي إلا أولُ نظرة " وخبر الكاهلي عن الصادق عليه السلام " النظرة بعد النظرة تزرع في القلب الشهوة، وكفى بها لصاحبها فتنة " مؤيدا ذلك بما في تكرار النظر أو إطالته من خوف الفتنة بخلاف النظرة الأولى الصادرة عن غير شهوة. لكنه كما ترى تأباه أدلة كلا الطرفين [8]، على أن محل البحث في أن الوجه والكفين عورة بالنسبة إلى النظر أو ليسا بعورة كما في الصلاة وإن يزيد القدمان فيها معهما. فدعوى كونهما ليسا بعورة في النظر الأولى العمدي دون الثاني واضح الضعف.[9] انتهى كلامه رفع مقامه.
وفيه: أن أدلة الطرفين لا تأبى هذا الجمع، فهذه الدعوى غير سليمة، هذا ما نلاحظه. اكثر الأدلة ذكرت بانه يحل النظر إلى الوجه والكفين ولا مانع من ان تقييد إطلاقات الحرمة بالنظرة الأولى، فتكون الحرمة خاصة بالنظرة الثانية وما بعدها. وهذا هو الجمع بين الطرفين لانه يجب ان اقيّد كلا الطرفين للجمع. ونذكر بما ذكرناه سابقا: عند تعارض روايتين دليلين، إما ان اجمع بينهما ظهورا: بالتقييد أو بالتخصيص أو بالحكومة أو بالورود أو الجمع العرفي بالمعنى الاخص، لان الجميع جمع عرفي بالمعنى الاعم. اذا فقدت هذه الخمسة يستحكم التعارض.
لكن الجواب على المحقق (ره) أن هذه الروايات إرشادية فلا تصلح وسيلة للجمع بين ادلة الطرفين، لان الجمع التبرعي لا دليل عليه لعدم الظهور منه. الجمع العرفي نوعان: جمع بالمعنى الاعم وقلنا انه يشمل الخمسة. والجمع العرفي بالمعنى الأخص ليس الأربعة الأولى: أي التخصيص والتقييد والحكومة والورود، بل العرف عندما يسمعهما يجمعهما كما ذكرنا بمسألة المزاح، أو مثلا: في رواية "ثمن العذرة سحت" وفي أخرى "ثمن العذرة لا بأس به" روايتان ظاهرهما التعارض، العرف عندما يسمعهما يجمع بينهما بان العذرة النافعة لا بأس بثمنها. هذا هو الحجة أما الجمع التبرعي قلنا انه لا دليل عليه وان دخل فيه كثير من الفقهاء حتى ادعى صاحب غوالي اللآلي الاجماع على صحته، ودليلهم في هذا الاجماع ان كلا السندين في الروايتين صحيح فكيف ارميهما معا، فلا بد ان اجمع بينهما. لكن قلنا في الأصول ان هذا ليس بدليل وليس بحجة.
ثانيا: قد يقال ان هذا ليس جمعا تبرعيا لان هناك روايات تقول ان النظرة الأولى لك والثانية عليك، هذه الروايات مبينة وترشدنا إلى كيفية الجمع بان الأولى ليست محرمة أما الثانية هي المحرمة. فتصبح هذا الروايات حينئذ مولوية وتجمع بين ادلة الطرفين ولا تكون جمعا تبرعيا. وبعبارة أخرى: الجمع التبرعي عندما لا يوجد دليل معتبر على الجمع، اما في مسألتنا فهذه الروايات هي دليلنا على الجمع، فلا يكون تبرعيا.
لكن نقول: هذا صحيح لو كانت الروايات مولوية واما هنا فهي إرشادية. ان هذه الروايات ارشادية في مقام بيان خطورة النظرة، وليست مولوية في مقام بيان ان أي نظرة جائزة وغير جائزة، الحكم ليس تكليفيا بل ارشاديا. نعم لو كانت مولوية يمكن ان نذهب إلى ما ذهب اليه المحقق الحلي (ره).
الى هنا انتهينا من التفصيل بين المرّة والتكرار والأقوال.
والنتيجة: ان ادلة الحلية اقوى من غيرها، فيمكن ان نذهب إلى جواز النظر الاختياري من دون اثارة وشهوة وتعمد حتى ولو كان متكررا إلى الوجه والكفين دون غيرهما كما ذكرت الأدلة.
ننتقل غدا أن شاء الله إلى حكم ما بين الذقن والرقبة، بحث علمي وليس فتوائيا للعمل عليه.





[2] قد يقال: لماذا يحد فاعل الزنا هذا الحد القاسي مع ان فعله ليس بالامر الخطير طبعا بنظر الماديين والعلمانيين إذ لم يؤذ أحدا بنظرهم. الجواب: ان هذه المعاصي معصية لأمر الله عز وجل باريء الكون أولا، وثانيا: الخطورة الاجتماعية مما يؤدي إلى انحلال وفساد المجتمع وانهيار الاسرة وغير ذلك، يعتقد البعض أن هذه الأمور بسيطة لكن آثارها خطيرة لذلك الله عز وجل من حكمته جعل حدا وعقابا فيأتي الشيطان فيهون ويسهل المعصية. .
[3] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج 14،ح6، ص 268،ط (الإسلامية). عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن الدلك فقال: ناكح نفسه لا شيء عليه.
[5] عندما يستشكل بعبارة " اضعف قول " ليس من باب الاستهانة. ذكرنا سابقا انه إذا تعرضت لرأي شخص فمعناه انني احترمه.
[6] قد يقال ان هذا الجمع تبرعي ولا دليل فيه ان لم يكن هناك ظهور. .
[7] ذكر في هامش الجوهر في التعليقة ان هذا الحديث ليس نبوي بل ورد في "من لا يحضره الفقيه" عن الامام الصادق (ع).
[8] ذكر سابقا ان هذا وجه جمع بين الطرفين أي من قال بالجواز ومن قال بالحرمة. لكن مع القول بأن كلا الطرفية تأباه الجمع كيف أقول بانه وجه جمع. مثلا: "مزاح المؤمن عبادة" وفي رواية أخرى "ما مزح مؤمن مزحة الا مج من عقله مجة" ظاهر الروايتين التعارض، والجمع بينهما بان المزاح الذي يدخل السرور عبادة، والمزاح الذي هو هزل يمج من العقل مجة. وهذا الجمع لا يأباه الطرفان. أما في مسألتنا فيأباه الطرفان بحسب دعوى صاحب الجواهر.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo