< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

35/07/06

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: النظر إلى الأجنبية
- مسألة: اشتباه من يجوز النظر إليه بمن لا يجوز، ما هو الأصل؟
-بيان وجه مبنى السيد الخوئي (ره) في عدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية سواء كان المخصص متصلا أم منفصلا
-نقاش هذا الوجه.
بعد تلخيص ما مرّ نكمل كلام السيد الخوئي (ره).
وبعبارة أخرى: أنه لا بد في ثبوت الحرمة للفرد من احراز كونه من غير العناوين المذكورة في الآية الكريمة حيث إن الحكم إنما ثبت لمن لم يكن مصداقا لتلك العناوين فإذا لم يحرز ذلك فلا وجه للتمسك بالعام فيه، على أن التمسك بالعام في الشبهات المصداقية في غير محله حتى ولو كان التخصيص بدليل منفصل [1]وذلك لما ذكرناه في محله من أن المخصص المنفصل وإن لم يكن رافعا لظهور العام في شمول الحكم لجميع الأفراد إلا أنه إنما يكشف عن عدم تعلق الإرادة الواقعية بجميع الأفراد من بادئ الأمر وأن الحكم من الأول كان متعلقا بحصة خاصة هي غير الخاص [2]، وعليه فكيف يصح التمسك بالعام في الفرد المشكوك والاحتجاج به على المولى؟.
وبعبارة أخرى: إن المخصص المنفصل وإن كان لا يرفع ظهور العام في شمول الحكم لجميع الأفراد إذ الشيء لا ينقلب عما وقع عليه لكنه يرفع حجية ظهور العام في الخاص ويوجب قصر حجية ظهور العام بغير الخاص وعليه ففي الفرد المشكوك وإن أحرزنا ظهور شمول العام له إلا أنه لا طريق إلى احراز حجية ذلك الظهور [3]فإنها مختصة بغير الخاص وهذا الفرد مشكوك فلا يمكن القول بحجيته فيه.
وبالجملة: فلا مجال للالتزام بالحرمة في المقام عن طريق التمسك بالعام في الشبهات المصداقية سواء أكان المخصص متصلا، أم منفصلا. [4]
سنوضح كلامه (ره): اقصى ما ذكره انه في مقام الثبوت هناك حصتان يدور المشكوك بينهما، حصة بوجوب اكرام العالم العادل، وحصة ثانية لا يجب اكرام العالم الفاسق. ومع تردد الفرد المشكوك بين الحصتين فلا يمكن التمسك بالعام لانه مخصص ولم يعد العموم مرادا، لان المراد الجدي الذي هو الحصة الخاصة من العلماء شيء، والمراد الاستعمالي أي كل العلماء شيء آخر، لذلك ليس الاستعمال مجازا. [5]
فنقول: لو سلمنا بان الفرد المشكوك يدور بين حصتين فلا يجوز التمسك بالعام وذلك في عالم الثبوت، يعني ما كان في عالم الثبوت لا استطيع ان اتمسك به في اثبات حكم المشكوك في مقام الاثبات. لكن هنا نقول: أن الشارع قد بيّن وذكر الحجج والأدلة، كيف تترك البيان وتعود لعالم الثبوت، عد لعالم الاثبات للبيان السابق، لن كل ما نتمسك فيه هو البيانات.
بعبارة أخرى: تارة إذا كنت في عالم الثبوت اقطع بأن زيدا لا يشمله حكم العام، ففي مقام الاثبات لا يمكن اثباته لوجود القطع، ولا بد من تأويل الأدلة الاثباتية لو دلت على الجواز من قبيل: " يد الله فوق أيديهم " انه لا بد من تأويل اليد حتى لا نقول بالتجسيم - بناء على أن اليد موضوعة للعضو الخاص -.
أما حين الشك فعالم الثبوت لا استطيع الاستدلال به لا اثباتا ولا نفيا، حينئذ اعود للدليل وانتقل إلى مقام الاثبات، إذا كان الظهور العرفي في مسألتنا جواز بالتمسك بالعام نتمسك به. في المنفصل لا شك ان الدليل الاثباتي يقول بجواز التمسك بالعام، ومع عدم الفصل بين المتصل والمنفصل في مقام الاثبات، نستطيع أن نصل إلى نتيجة انه لا فرق بين المتصل والمنفصل وذلك إذا سألنا اهل اللغة من جهة حكم المشكوكات: ما الفرق بين اكرم العالم ثم قال لا تكرم الفاسق، أو قال: اكرم العالم إلا الفاسق. العرف يرى انه لا فرق والفصل هنا لا علاقة له بمسألة الشك، ربما أراد بالفصل ان يبين قيمة العالم والعلم، أو ان هناك أسبابا خارجية دعته للفصل.
ملخص الكلام: ان مقام الثبوت لا يمكن الاستدلال به لا نفيا ولا اثباتا، لا اترك مقام الاثبات بل اعود للدليل، فإذا اثبت جواز التمسك بالعام لثبوت الظهور في العام في المنفصل، حينئذ جاز القول بجواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية إذا كان المخصص متصلا، ومع عدم الفرق عرفا من هذه الجهة بين المتصل والمنفصل نقول: يجوز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية مطلقا. وان هناك ظهور للعام في المنفصل حينئذ استطيع ان اتمسك بالدليل. وبعد ذلك نرى انه لا فرق بين المتصل والمنفصل في الفهم العرفي من هذه الجهة.
وفي عالم الاثبات المخصص المنفصل له ظهور في العام نتمسك به، ونحن نعلم انه لا فرق من هذه الجهة أي في اثبات حكم المشكوكات بين المتصل والمنفصل، فلا اريد ان افعل كما فعل الشيخ الانصاري (ره) في مسألة رجوع القيد للهيئة، كما في " إذا زالت الشمس فصلّ "، " إذا زالت " قيد لهيئة صلّ أو لمادة صلّ. الشيخ الانصاري قال أن الظهور اللغوي هو رجوع القيد للهيئة ولكن بالدليل العقلي قال ان لا بد أن يعود للمادة.
نقول: ان هذه المسألة لغوية فلا دخل للمسألة العقلية، ثم أن هذا المنحى للشيخ الانصاري (ره) انه إذا عجز عن دفع اشكال في هذا الاحتمال اثبت بذلك الاحتمال الثاني وصار دليلا عليه، وقد تكرر ذلك مرارا من الشيخ الأعظم (ره) وهذا المنحى لا نوافق عليه.
وهنا بالوجدان العرفي اللغوي بانه لا فرق بين المتصل والمنفصل من جهة اثبات الفرد المشكوك وقد ثبت بالمنفصل كيف لا اثبته في المتصل؟، كيف لي ان أوجه الاثبات؟ فإذا عجزت عن التفريق بين المتصل والمنفصل في اثبات المشكوك فهذا لا يعني التخلي عن الظهور العرفي، بل هو الذي ينبغي الرجوع إليه. وأقول: إني عاجز عن معرفة تقنية جواز التمسك



بالعام في المخصص المتصل، فانا شاك في نفسي وأرجع إلى الظهور العرفي. هذا لا يعني ان هناك خلل بالظهور العرفي، بل نجده هو المحكم [6].




[1] هنا يذكر السيد (ره) انه لا فرق بين المتصل والمنفصل في عدم جواز التمسك بالعام. .
[2] كما لو قال: أكرم العلماء، ثم بعد فترة قال: لا تكرم الفساق. لا تكرم الفساق تكشف عن ان إرادة الآمر الواقعية الجدية الحقيقية قد تعلقت .بحصة خاصة من حصص العلماء كالعدول مثلا. فيدور أمر المشكوك بين حصتين، كما يقول السيد الخوئي (ره). وقد قال اخرون ان التعلق يدور بين حجتين. والفرق بين الاثنين أن الحجية هي في مقام الاثبات، والحصة هي في مقام الثبوت. فإذا كان " زيدٌ " مشكوك بين العدول والفساق، فكيف يجوز التمسك بهذا الدليل؟ وكيف يجري حكم العام في الشبهة المصداقية، فاننا لا نعلم شمول العام لهذا الفرد.
[3] هنا فرق (ره) بين الظهور والحجية، لامكان حصول الظهور بدون ان يكون جحة. .
[4] في الآية " يغضوا من ابصارهم " عام ثم جاء التخصيص بالزوجة، وأشك في فرد انها زوجة أو لا، ومع ثبوت الحرمة للعام، الحرمة لا يجوز التمسك بعموم الحرمة في اثباتها لهذا الفرد المشكوك سواء كان ثبوت حلية النظر للزوجة بالمخصص المنفصل أو المتصل.
المباني في شرح العروة الوثقى، السيد الخوئي، ج 2، ص 95.
[5] استطراد: اكرم العلماء. ثم قال: لا تكرم الفساق. المراد هم العلماء العدول. هل هذا الاستعمال استعمال في غير ما وضع له؟ الجواب: انه استعمال فيما وضع له وهو العموم وهذا ما يعبر عنه بالمراد الاستعمالي لكن الجدية التي هي مرادي هي بعض العلماء، أي العدول دون غيرهم. وبهذا افترق المراد الاستعمالي عن المراد الجدي. .
[6] استطراد: أيضا النحاة وقعوا في هذه المشكلة، يستنبطون قاعدة من امثلة كثيرة، ويأتون إلى تطيق القاعدة في القرآن، يروا ان هناك خللا في القاعدة، فبدل أن يقولوا ان في القاعدة مشكلة يذهبون إلى تأويل القرآن. مثلا: في جواب الشرط انه لا تدخل عليه الفاء إلا في ثمانية موارد كالفعل الجامد كليس وعسى وغيرها، أما إذا كان جواب الشرط فعلا مضارعا فلا تدخل عليه الفاء، لذلك لا يجوز ان تقول: ان تدرس فتنجح. اما في القرآن الكريم ورد: .} بسم الله الرحمن الرحيم، ومن عاد فينتقم الله منه { هنا دخلت الفاء على جواب الشرط وهو فعل مضارع. اخذ النحاة بتأويل الآية. الاصح ان يقال أن هذه القاعدة المستنبطة فيها خلل يفرض مراجعتها فلا نحاول ان نحمل القرآن على غير معناه.
وكمثال آخر: مسألة المراد الجدي والاستعمالي اكتشفت بعد سلطان العلماء (ره)، حيث كان الاصوليون القدماء يقولون أن استعمال العام " العلماء " مجاز في " اكرم العلماء إلا الفساق ".

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo