< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

35/07/14

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: النظر إلى الأجنبي
-مسألة في حكم نظر المرأة إلى المرأة.
لهذا البحث فرعان:
الفرع الأول: نظر المرأة إلى عورة امرأة أخرى.
النوع الثاني: نظر المرأة إلى جسد امرأة أخرى عدا العورة الذي هو عورة بالمعنى الاعم. البحث في حدود الحرمة وحدود الجواز.
أما الفرع الأول: يحرم نظر المرأة إلى عورة امرأة أخرى بالمعنى الاخص، ويحرم أيضا نظر الرجل إلى عورة الرجل، هذه المسألة محل اجماع وتسالم لا تحتاج إلى دليل، لكن الكلام في سعتها وضيقها وما نحن محل ابتلاء به من قبيل طفل الانبوب، عملية تحتاج إلى زرع النطفة الملقحة وهي تحتاج إلى نظر حتى من الطبيبة [1] وذلك في غير ضرورة شرعية بل لحاجة. فنظر المرأة إلى عورة امرأة أخرى على ثلاثة أنحاء: فإما أن يكون نظرا عبثيا، وإما لضرورة، وإما لحادة عقلائية. فالنظر العبثي قطعا لا يجوز، أما النظر لأجل الضرورة الصحية، أو لأجل إقامة أو تحملّ الشهادة فهو جائز لأنه في حقوق الناس، أما إذا كان النظر نوع من الحاجات العقلائية كطلب الولد فإن الأمومة حاجة عقلائية من طبيعة الأنثى، هنا هل يجوز للطبيبة ان تجري عملية التلقيح التي تحتاج للنظر؟ هذه هي نقطة بحثنا ولا تعتبر من الضرورة.
بحث هذه المسالة يدور حول الدليل، فإن كان الدليل لبيّا اقتصرنا فيه في التحريم على القدر المتيقن لان الدليل اللبي لا إطلاق له، وقلنا ان المتيقن من التحريم هو خصوص النظر العبثي بلا جاجة، وتخرج منه الضرورة، واشك في شمول الحكم للحاجات العقلائية فلا تشمله، فالأصل البراءة فيجوز النظر.
أما إذا قلنا ان الدليل دليل لفظي وله إطلاق، بالإطلاق نقول ان اللفظ يشمل هذه الحالات المشكوكة كالحاجة العقلائية. [2]
ويمكن أن يستدل عليه بأمور:
-بالإجماع، بل التسالم على ذلك [3] بل قد يقال انها مسألة بديهية مسلم بها في خصوص النظرة العبثية، وهذا الاجماع دليل لبي نقتصر فيه على القدر المتيقن، فلو شككنا في فرد لا تشمله الحرمة، ومن ذلك النظر لحاجة غير ضرورية لكنها عقلائية، من قبيل زرع اللولب في أيامنا هذه لغير ضرورة طبية، أو الترميم لغير ضرورة طبية، بل لحاجة زوجية اوكلها عمليات تحتاج إلى نظر. فلو فرض حصل اجماع فهذا اجماع متأخر وهو اضعف أنواع الاجماع لان المسألة لم تكن سابقا موجودة كنوع من المهن، نعم يكون هذا الإجماع معتبرا على رأي الشيخ الطوسي (ره) الذي يقول بالاجماع اللطفي [4].
-سيرة المتشرعة، التي هي اجماع عملي شرعي، وهو أيضا دليل لبي نقتصر فيه على القدر المتيقن، وسيرة المتشرعة تكون دليلا إذا انطلقت من المتشرعة كمتشرعة، لكن هنا من القريب جدا أن تكون سيرة عقلائية.
-السيرة العقلائية، وهي غير بعيدة، فإن الناس من مختلف الأديان والمشارب وفي مختلف الأزمنة والاصقاع لا يكشفون العورة ويعملون على سترها وعدم تمكين الآخرين من النظر إليها. وهذه السيرة ممضاة من الشارع بإقرارها، لكنها أيضا دليل لبيّ نقتصر فيه على القدر المتيقن.
-حكم العقلاء [5]، وهو أيضا غير بعيد فإن الناس من مختلف الأديان وفي مختلف العصور والاصقاع يستقبحون كشف العورة والنظر إليها والظاهر أن حكمهم هو في خصوص النظر بلا حاجة عقلائية. اما في حال الحاجة
-العقلائية فغير معلوم استقباحهم ذلك.
هذه الأدلة اللبية بأجمعها إن كان هناك شك نقتصر على القدر المتيقن وهو النظر العبثي الإستهتاري فهو محرم شرعا، أما المشكوك فهذه الأدلة لا تشمله.
- أما النصوص الواردة نذكر منها:
ما في الوسائل: محمد بن الحسن بإسناده عن محمد بن علي بن محبوب، عن العباس عن حمّاد، عن حريز عن أبي عبد الله (ع) قال: لا ينظر الرجل إلى عورة أخيه. [6]
من حيث السند: الرواية صحيحة سندا.
من حيث الدلالة: هي واضحة دلالة في حرمة النظر. وكلمة " الرجل " تأتي أحيانا لخصوص المعنى الموضوع له لمعنى الرجولة، فتكون الرواية في الرجل. وتارة تأتي بمعنى الانسان أعم من الرجل والمرأة من قبيل: " العلم فريضة على كل مسلم " فكلمة " مسلم " استعملت من باب التغليب في الذكر والانثى. ومن قبيل كلمت " الجارية " التي تطلق على الحرة الصبية والأمة كما في رواية عدم وجوب ستر الشعر على الجارية إلا إذا حرمت عليها الصلاة. أما إذا كانت كلمة الجارية موضوعة للأمة أصبحت من نوع المجاز المشهور في الاعم من الأمة والحرّة يحمل عليه ويعمل به.
وقد يدّعى الاطلاق اللفظي في هذه الرواية فيشمل المشكوكات.
غدا نكمل الكلام في الإطلاق اللفظي لهذه الرواية، والروايات الأخرى تعيننا فقط ولا إطلاق فيها.






[1] اذكر ان احد الفضلاء الاجلاء الكبار ناقشت معه مسألة التلقيح الصناعي، كان جوبه انه لا داعي لبحث هذه المسألة كليا لان هناك مقدّمة لا بد منها وهي النظر، والنظر محرّم. لكن بحث هذه المسألة لأمرين: الأول: بحث أصل جواز عملية التلقيح، والمشهور الآن جوازها بالعنوان الاولي. والثاني: عنوان النظر، هل هو حرام أم لا؟ والامثلة كثيرة كما في زرع اللولب لمنع الحمل. .
[2] سؤال: ان التسالم قائم على حرمة النظر لغير الضرورة يشمل الحاجة العقلائية. الجواب: اول الكلام فالتسالم هو على حرمة النظر العبثية فقط اما الحاجات العقلائية فموضع بحث، لان الدليل لبي نقتصر فيه على القدر المتيقن، وكما ذكرنا، إن كان الدليل على تحريم النظر لبيا نقتصر على القدر المتيقن وهو العبث والحاجة العقلائية مشكوكة تخرج عن التسالم فنقول بالبراءة. .
[3] في الشبهة الحكمية قلنا اننا نبحث أولا عن علم ثم علمي ثم أصل لفظي ثم أصل عملي. العلم له خمسة موارد: القطع الوجداني، الخبر المتواتر، الخبر المحفوف بقرينة، الاجماع اللفظي والعملي. .
[4] قاعدة اللطف بلا شك انها قاعدة صحيحة لكن في التطبيق البست القاعدة ثوبا فضفاضا أوسع منها. فلا تشمل القاعدة هذه الحالة.
[5] او يعبر عنه بحكم العقل. للتذكير: ذكرنا انه في الاصطلاح ثلاثة الفاظ متداولة: سيرة العقلاء، وحكم العقلاء، وبناء العقلاء.
سيرة العقلاء: عبارة عن مسلك كالعادات والتقاليد ومنها العمل بالخبر الواحد والعمل بالمشهور.
حكم العقلاء: كالحكم " العدل حسن " وعبر عنه ابن سينا بالتأديبات الصلاحية، وهذا الحكم يكون بين الافراد بعضهم مع بعض.
حكم العقل: هو حكم بالبديهيات وجد شخص ام لم يوجد.
اما بناء العقلاء، يستعمل بمعنيين: تارة بمعنى السيرة وأخرى بمعنى الحكم.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo