< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

35/07/20

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: النظر إلى الأجنبي

في حكم النظر إلى المماثل: نظر المرأة إلى عورة المرأة بالمعنى الأخص.
قلنا اننا نستطيع ان نستفيد من الروايات غير المعتبرة سواء كانت مقطوعة عدم الصدور أو محتملة الصدور، طرحنا نظريتنا ويمكن ان يوافقنا الاخوة عليها ويمكن ان لا يوافقوا، قلنا اننا نستطيع الاستفادة من الأمور التي لا يكذب فيها في الخبر الضعيف، لان الكذب في الخبر في النقل في ما له فيه مصلحة بالحكم، في التركيب، في الخيال، لكن المواد المستعملة لا يكذب فيها. إذا طبقنا هذه القاعدة نستطيع ان نستفيد منها لغة وفي مقام فهم الحالة الاجتماعية العامة.
ويبدو أن نظر المرأة إلى المرأة أو الرجل إلى الرجل كان مستشريا، ونحن نرى اذلك في المجتمعات غير المحافظة وغير المتدينة امرا مستشريا إلى يومنا هذا. ولذلك وردت الروايات في الحمامات حيث يكثر التعري ويكثر النظر بلا ضرورة رافعة للتكليف ولا حاجة اجتماعية. وحديث المناهي قلنا اننا نأخذ منه بعض مفردات الحالة الاجتماعية.
قلنا ان هناك رواية معتبرة يمكن ان يكون هناك فيها إطلاق وهي " لا ينظر الرجل إلى عورة أخيه "، حينئذ لكثرة هذه الروايات وبيان الحالة الاجتماعية يمكن ان تحمل هذه على انها ناظرة لهذه المواقع وليس مطلقا، وهناك كثير من الشواهد عند الفقهاء في حمل هكذا روايات التي ظاهرها الاطلاق على بعض حصة العنوان أي على بعض الحالات.[1]
ويؤيد هذا الاستظهار رواية أخرى ففي الوسائل باب جواز دخول الرجل مع جواريه بإزار وكراهة كونهم عراة، وجواز دخول النساء الحمام: محمد بن الحسن بإسناده عن محمد بن علي بن محبوب عن الحسن بن علي بن النعمان (ثقة)، عن علي بن الحسين بن الحسن الضرير (مجهول) عن حماد بن عيسى، عن جعفر عن ابيه عن علي (ع) قال: قيل له: إن سعيد بن عبد الملك يدخل مع جواريه الحمام؟ قال: وما بأس إذا كان عليه وعليهنّ الإزار، لا يكونون عراة كالحُمر ينظر بعضهم إلى سوأة بعض.[2]
من حيث السند: فيه علي بن الحسين الضرير مجهول.
في مقام الدلالة إن هذا الاستنكار الشديد للتعري في الحمام " لا يكونون عراة كالحمُر ينظر بعضهم إلى سوأة بعض " يظهر منه وجود هذا التعري كأمر واقع وليس محتمل الوجود أو يخاف الإمام (ع) من وقوعه في المستقبل يخاف أن يقع فيستنكره سلفا دفعا لحدوثه أو بيانا لحكمه.
والمراد من الإزار: عند الفقهاء في كفن الميت المئزر ما بين السرة والركبة والقميص ما بين الكتف ونصف الساق والازار ما يستر الجميع. فيختلف الإزار عن المئزر.
لكن لغة او في النصوص يظهر من لسان العرب أن الازر والمئزر والإزار والمئزرة، تأتي على معنى واحد.
وعن ابن الاعرابي: الإزر: الإحاطة.
وفي حديث الاعتكاف: كان رسول الله (ص) في العشر الاخر من شهر رمضان أيقظ اهله وشد المئزر، والمئزر الإزر، وكنّى بشدّه عن اعتزال النساء [3]. ويقال: فرس آزر أي أبيض العجز.
ونقل في مجمع البحرين عن الصحاح وغيره: المئزر الإزار ثم يقول: وفي كتب الفقه يذكرون المئزر مقابلا للإزار ويريدون به غيره، وحينئذ لا بُعد في الاشتراك ويعرف المراد بالقرينة.
إذن الإزار هو الإحاطة، ولا شك أن المراد هنا نوع خاص من الثياب، لكنه مبهم، فأصبحت الشبهة مفهومية. وفيها كما ذكرنا نطرق باب الشارع ثم باب العرف ثم باب اللغة فان لم نجد فالقدر المتيقن وهو ستر العورة وهو كاف، يدل عليه الرواية المعتبرة التالية: في الوسائل باب التسليم في الحمام لمن عليه إزار، وكراهة تسليم من لا إزار عليه: محمد بن الحسن بإسناده، عن محمد بن علي بن محبوب، عن محمد بن عيسى والعباس (بن هشام أبو الفضل الناشري الاسدي، عربي ثقة جليل من اصحابنا)، عن سعدان بن مسلم، قال: كنت في الحمام في البيت الأوسط فدخل عليّ أبو الحسن (ع) وعليه نورة وعليه إزار فوق النورة، فقال: السلام عليكم، فرددت عليه السلام، وبادرت فدخلت إلى البيت الذي فيه الحوض فاغتسلت وخرجت. ورواه الصدوق بإسناده عن عبد الرحمن بن مسلم المعروف بسعدان ونحوه. ثم قال الصدوق: في هذا إطلاق التسليم في الحمام لمن عليه مئزر، والنهي الوارد عن التسليم فيه لمن هو لا مئزر عليه.[4]
من حيت السند: الرواية معتبرة صحيحة.
وفي مقام الادلالة: لاحظ قوله " لمن هو لا مئزر عليه " الظاهر انه في تفشي هذه الحالة.
أما النهي عن التسليم فهو إشارة للرواية التالية في نفس المصدر، وهي مرفوعة: عن الصادق (ع) ثلاثة لا يسلّمون: الماشي مع الجنازة، والماشي إلى الجمعة، وفي بيت حمام. [5]
لاحظ الرواية الأولى من باب 15 من نفس المصدر وهي معتبرة: قال: سألت أبا جعفر (ع): كان أمير المؤمنين ينهى عن قراءة القرآن في الحمام؟ فقال: لا إنما نهى أن يقرأ الرجل وهو عريان، فأما من كان عليه إزار فلا بأس. [6]
كل هذه القرائن توهن إطلاق الرواية الأولى فنقتصر فيها على الحالة الاستهتارية القبيحة الموجودة في طبقات حثالة المجتمع. أما الحالات الإنسانية الناشئة عن حاجات، كالحاجة النفسية لدى الزوجة بالأمومة، أو حاجة الترميمية لبقاء الأواصر الزوجية فهي خارجة عن هذه الرواية. [7]
والنتيجة: إنه لا إطلاق في شمول حرمة النظر إلى العورة لكل الحالات، فنقتصر على القدر المتيقن منها وهي الحالة العبثية الاستهتارية والباقي وفيه الحالات العقلائية فيندرج تحت أصل البراءة. نعم في مقام العمل ننصح بالاحتياط ما أمكن.
تنبيه: تطبيق الموضوع الأولي للأحكام، والعنوان الثانوي أمر مرجعه إلى تشخيص المكلف نفسه.





[1] استطراد: اشكال ودفع: ذكرنا سابقا ان هناك مشكلة في الروايات، في اكثرها قد قطع عن الحالة والكيفية والظروف، فظرف الرواية يعيننا كثيرا على فهم الرواية والمراد. ومع احتمال وجود الظروف المقيّدة بحيث يكون كالقرينة المتصلة، قالوا: لا ينعقد ظهور للمطلق، وأما اصالة عدم القرينة أو اصالة الظهور فهي تجري في القرينة المنفصلة. اما في القرائن المتصلة قالوا: انها تمنع من الظهور في الاطلاق أو العموم. ولولا أن هذه الروايات عرضت على الائمة (ع) وطلبوا منا ان نعمل بهذه الكتب وهذه الروايات على حالها من حذف القرائن، لاستحكام الاشكال، ولم نستطع أن نعمل بأي ظهور من حقيقة أو إطلاق أو عموم في معظم الروايات، لأنني مع احتمال القرائن لا أستطيع الا العمل بالقدر المتيقن منها. لذلك إذا كان هناك قرينة حالية محيطة بالرواية أو بالنص هذه القرينة تمنع من ظهور المطلق في اطلاقه.
[3] تذكير: الكناية: الكناية والمجاز يشتركان في كون المستعمل فيه اللفظ غير ما وضع له. والفرق بين الكناية والمجاز. ان الكناية يراد منها المعنى المجازي مع احتمال ثبوت المعنى الحقيقي. أما المجاز فيراد منه المعنى المجازي مع عدم احتمال ثبوت المعنى الحقيقي وليس إرادة المعنى الحقيقي. لأنه في الكناية لو كان هناك إرادة استعمالية للمعنى المجازي وإرادة المعنى الحقيقي لأصبح من باب استعمال اللفظ في أكثر من معنى. الكناية هي إرادة المعنى المجازي مع احتمال وجود المعنى الحقيقي وثبوته دون ارادته. .
[5] المصدر السابق ح2. .
[7] ردا على سؤال أحد الطلبة: الجواب: اما رواية ابي حمزة الثمالي التي تذكر بان الرجل ارفق بالمرأة، الكلام واضح انه في المسألة الضرورية، أي لبيان موضوع وهو حكم الضرورة فلا إطلاق فيها لتشمل كل الحالات. ويمكن ان يستفاد منها في مسألة: إذا كان النظر محرم على الطبيب المرأة أو الرجل ورفعت الحرمة للضرورة، فإذا دار الامر بينهما ما الدليل على تقديم الطبيبة على الطبيب؟ هذه الرواية تنفعنا هنا.
وردا على اشكال أننا لا نزال في العنوان الثانوي وهو يرفع الحكم لكن غيرنا اللفظ فبدل أن نقول: " حرج " قلنا: حاجة عقلائية؟
الجواب: العناوين الثانوية هي الضرر والحرج والعسر وهي ترفع التكليف بعد ثبوته بالعنوان الأولي. أما الحاجات العقلائية كالأمومة فهي موضوع لحكم، والبحث هنا في العنوان الأولي. فنقول: هل يجوز كشف العورة لامرأة طبيبة كي تجري عملية التلقيح الاصطناعي لامرأة لا تلد إلا بهذه العملية وذلك لحاجة الأمومة؟ من دون أن تصل حاجة الأمومة إلى حد الحرج الرافع للتكليف. .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo