< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

35/11/29

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: حكم القواعد من النساء.
- دلالة الآية القرآنية.
-تقسيم الروايات.
-والمختار.
من مستثنيات عدم جواز النظر القواعد من النساء، والمراد بهنَّ العجوز التي يئست من النكاح لكبر سنِّها، وليست مظنّة للشهوة [1]. ولا شك في جواز النظر إليها وجواز عدم سِترها بنحو الإجمال لقوله تعالى: ) وَالْقَوَاعِدُ مِنْ النِّسَاءِ اللاَّتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ( [2].
لكن الكلام في التفاصيل في المراد من معنى الثياب وحدود عدم الستر، وفي جواز النظر.
أما إطلاق كلمة " ثياب " في الآية فيقتضي جواز وضع كل ما يصدق عليه عنوان الثياب إلا ما خرج بالانصراف. وهذا يعني جواز كشفها لجميع جسدها عدا ما ينصرف عنه اللفظ. إذن الآية تدل على جواز وضع الثياب مطلقا، هذا بدوا.
وأما الروايات:
فهي على اقسام، فبعضها فسّر الثياب بخصوص الجلباب وهو الثوب الذي يستر المرأة من رأسها إلى قدميها، وبعضها بالخمار والجلباب وبعضها يفصّل بين الحرّة والأمة فتضع الحرة الجلباب وحده وبين الأمة فتضع الخمار والحلباب.
فلنستعرض النصوص ونرى كيفية إمكان الجمع بينها.
أما روايات خصوص الجلباب ففي الوسائل من أبواب مقدمات النكاح، في الصحيح: وعنه (محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم) عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن محمد بن أبي حمزة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " القواعد من النساء ليس عليهن جناح ان يضعن ثيابهن " قال: تضع الجلباب وحده. [3]
من ناحية السند: في سند الرواية محمد بن ابي حمزة والظاهر انه الثمالي ثابت بن أبي صفية، له كتاب قاله النجاشي، ونقل الكشي عن حمدويه بن نصير انه ثقة فاضل، ونقله العلامة، هذا اولا. ثانيا: يعبر عن هذه الروايات بالحسنة باعتبار ان إبراهيم بن هاشم لم يوثق صريحا، قلنا لا باس بالتعبير كما هو المشهور. إبراهيم بن هاشم جليل جدا ويمكن توثيقه بالتوثيقات العامة، ولذلك عبرت عنه بالصحيح، إبراهيم بن هاشم هو شيخ الكليني وروى هذه الروايات جميعا عن ابيه، فمن الصعب عدم توثيقه.
من حيث الدلالة: الرواية قيدت بـ " تضع الجلباب وحده " مما يدل على الحصر.
وفي نفس المصدر ح 1 في الصحيح: محمد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب عن العلا بن رزين، عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل:" والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا "، ما الذي يصلح لهن أن يضعن من ثيابهن؟ قال: الجلباب.[4]
والفرق بين الروايتين وجود التقيد في الأولى بقوله (ع) وحده. فأصبحت في ظاهرها معارضة للروايات التي تذكر جواز وضع الخمار، للتعارض في المضمون، بينما في الرواية الثانية لم يذكر هذا القيد، مما قد يفسح المجال للجمع بينها ببعض انحاء الجمع العرفي.
القسم الثاني روايات وضع الخمار والجلباب:
في نفس المصدر في الصحيح،ح4: محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن حريز بن عبد الله، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قرأ يضعن من ثيابهن قال: الجلباب والخمار إذا كانت المرأة مسنة.[5]
واستفدنا من التعبير " إذا كانت المرأة مسنّة " في جعلها تعريف القواعد. وهذا القيد قيد توكيدي توضيحي [6] لعنوان " القواعد من النساء ".
في الوسائل ب 107، باب عدم جواز النظر إلى شعر أخت الزوجة وانها هي والغريبة سواء. في الصحيح: عبد الله بن جعفر في (قرب الإسناد) عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن الرضا عليه السلام قال: سألته عن الرجل يحل له أن ينظر إلى شعر أخت امرأته؟ فقال: لا إلا أن تكون من القواعد، قلت له: أخت امرأته والغريبة سواء؟ قال: نعم، قلت: فمالي من النظر إليه منها؟ فقال: شعرها وذراعها أقول: هذا مخصوص بالقواعد لما ذكر في أوله.[7]
وجواز النظر يقتضي جواز الكشف في خصوص القواعد من الغريبة والاخت.
القسم الثالث من الروايات التفصيل بين الأمة والحرّة:
فقد ورد في ب110 حكم القواعد من النساء في الصحيح: محمد بن الحسن بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن محمد بن الفضيل، عن أبي الصباح الكناني (ثقة) قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن القواعد من النساء ما الذي يصلح لهن أن يضعن من ثيابهن؟ فقال: الجلباب إلا أن تكون أمة فليس عليها جناح أن تضع خمارها.[8]
وبعد ذكر اقسام الروايات وفي كل حالات التعارض في البداية ان نضع الرواية في موضعها الزماني والمكاني وكيفيات التعابير العرفية، إذا استطعنا استظهار جمع فهو لان اصالة الظهور حجة، وإلا استحكم التعارض ولجأنا إلى مرجحات باب التعارض.
والذي يقتضيه النظر في مقام الجمع هو عدم كون جواز الوضع على سنن واحد، بل إن جواز وضع الخمار أقل من جواز وضع الجلباب. ويؤيد هذا الاستظهار أمران:
الأول: ح2 من نفس الباب110، في الصحيح: (محمد بن يعقوب) عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قرأ " أن يضعن ثيابهن " قال: الخمار والجلباب قلت: بين يدي من كان؟ فقال: بين يدي من كان غير متبرجة بزينة، فإن لم تفعل فهو خير لها والزينة التي يبدينه لهنّ شيء في الآية الأخرى.[9]
نرى هنا ان جواز النزع ليس بنفس القوة، لذلك يحمل الجلباب وحده، والخمار، والخمار والجلباب، فيكون الخمار أقل جوازا، فالجواز كلي مشكك بقرينة " فإن لم تفعل فهو خير لها ".
المؤيد الثاني: إن جواز إلقاء الثياب هو مقابل الستر الموجود في الآيات الأخرى، بعبارة موضوع الستر في الآيات: ) يضربن بخمرهن ( وفي ) يدنين عليهن في جلابيبهن ( هو الخمار والجلباب، فيكون موضوع جواز الوضع هو أيضا الخمار والجلباب. إذن موضوع الستر في الآيات السابقة هو الجلباب والخمار يكون موضوع الوضع أيضا هو الجلباب والخمار، وقلنا ان هذا اشعار وليس ظهورا فليس دليلا، لكن يمكن ان ينفعنا في امر: قلنا انه ليس هناك اصالة اطلاق تعبدا، بل هناك ظهور ومع وجود كثرة استعمال وضع الثياب بمعنى التخفيف مثل قوله تعالى: ) وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنْ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ ( [10] وهذا الاستعمال في العرف كثير فيزورني شخص ويكون الجو حارا فأقول له: ضع ثيابك ولا أقصد فيه كل الثياب، بل التخفيف منها ما امكن. وهنا التخفيف من الجلباب والخمار ومعه ينتفي الظهور في الآية " يضعن ثيابهن " مطلق الثياب، فلا يمكن التمسك حينئذ بإطلاق الثياب بل تبقى في الخمار والجلباب، فلو شككت في ما ينطبق عليه الثياب لا استطيع ان اتمسك بإطلاق الآية. والانصاف أن هذه المقابلة تصلح مؤيدا لا دليلا لكون الروايات لا تصل إلى مرحلة الظهور.
والنتيجة: يجوز للقواعد من النساء كشف الرأس والذراع والرقبة وبعض الصدر مما يجوِّز النظر إليها.



[1] البعض قيّدها بـ " ولا تطمع بالولد " " ويئست من المحيض " والظاهر خلاف ذلك، لذا هذا التعريف هو الأنسب.
[6] يقابله القيد الاحترازي. فائدة: القيود قسمان: قسم منها احترازي وقسم منها توضيحي. الاحترازي له مفهوم يشير اله، اما التوضيحي يشير لنفس المفهوم. وحتى عطف النسق قد يعطف للتوضيح لا للمغايرة وان كان الأصل فيه المغايرة. .
[9] نفس المصدر .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo