< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

35/12/07

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان:سماع صوت الأجنبية:
نكمل ما يمكن ان يستفاد من مضمون رواية حبابة الوالبية: " ثم قالت: ألا أحدثكم بحديث سمعته من أبي عبد الله الحسين (ع)؟ قلنا: بلى. قالت: سمعت الحسين بن علي (ع) يقول: نحن وشيعتنا على الفطرة التي بعث الله عليها محمدا (ص) وسائر الناس منها براء ".
قد يقال: هل ان النبي (ص) وأهل البيت وشيعتهم وحدهم على الفطرة التي فطر الناس عليها التي يلزمها الإسلام. أم غيرهم ليسوا على الصراط المستقيم لا خير لهم ولا قيمَ؟.
الجواب: انه بلا شك ان هناك قيم وخير عند الاخرين لكن الفطرة التي فطر الناس عليها هي الولاء للحق نرضى به سواء كان لنا أم علينا، هذا الامر لعله يختص بالائمة (ع). الإسلام جاء لتنقية هذه الفطرة, والفطرة لغة هي ما خلق الناس عليه ويلزمها الإسلام والولاء لأهل البيت (ع)، وكما ورد " كل مولود يولد على الفطرة إلا أن يأتي ابواه فيهودانه أو ينصرانه او يمجسانه ". وتشمل أيضا بوحدة المناط والافكار كالإلحاد والتكفير وغيرها.
وازيد أيضا ان هذا الحديث وكثير من امثاله الن الفطرة هي الفطرة الصافية التي تؤدي إلى اسلام صحيح غير منحرف، وإلا ما هذا الإسلام الذي يقول: " اطع الأمير ولو ضرب ظهرك وأخذ مالك " هذه الفطرة التي انحرفت، ولذلك في الحديث الشريف في تفسير قوله تعالى: ﴿ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ ﴾ [1] فسرها بعضهم بقطع الانثيين كما عند بعض فقهاء اهل العامة، لكن في الحديث عن الباقرين (عليهم) ان خلق الله هو الفطرة البشرية، لانها قد تنحرف. كما في الحديث السابق بـ " أطاعة الأمير "، الفطرة ترفض الظلم والتحكم ويؤيد ذلك قوله تعالى: ﴿ وَلأضِلَّنَّهُمْ وَلأمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذْ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُبِيناً ﴾ وكانت عادة جاهلية، وكانت الآية كنية عن إعادة الشيطان لهم إلى الجاهلية، كما في تفسير مضمون الآية.
فوائد: يمكن أن يستفاد من الرواية بالإضافة إلى جواز سماع الجنبية بعض فوائد أخرى من قبيل جواز تصدَّي المرأة لبيان الأحكام وإن اقتضى اختلاطا بالرجال، فإنها استقبلت رجلا اجنبيا، وكان هذا ديدنها، ولم يرد نهي لها من الإمام (ع) مما يفيدنا في تفسير النهي عن الاختلاط وعن المحادثة وعن الدعوة إلى الطعام وعن المجالسة وغير ذلك بأن المنهي عنه هو خصوص ما يؤدي إلى إثارة محرّمة وتحرك الرغبات الجنسية تجاه الاجنبيات عنه، اما غيره من دواعي الاختلاط وغيرها فليس منهيا عنه.
يؤيد ذلك قوله تعالى: ﴿ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ إِنْ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً [2] ولذا قال صاحب العروة بحرمة اسماع الصوت الذي فيه تهييج للسامع بتحسينه وترقيقه، فيكون نفس الكلام بما هو جائزا، والنهي هو عن الخضوع بالقول.
وقد يقال ان هذا مختص بنساء النبي (ص)، نقول: ان التعبير " به مرض " ليس خاصا بهنّ بل يشمل كل النساء، فالكلام موجه إلى نساء النبي (ص) حتى لا يكنّ عرضة لمن يكون في قلبه مرض، وهذا الفات إلى شيء حقير، إي يا نساء النبي تجنبوا الحقراء، فاختصاص الكلام بنساء النبي فقط خلاف الظاهر بل يشمل كل النساء.
تنبيه لفهم الروايات والنصوص: في كثير من الروايات يتم التعبير عن المقتضي بالنهي أو الامر، وحينئذ لا يدل على حكم شرعي بالكراهة، بل مجرد ثبوت لمقتضي المصلحة أو المفسدة.
مثلا: النهي عن التكلم مع الشابة، حيث يدل على اقتضاء الكلام معها لنوع من الإعجاب والأنس والإثارة، فهو تنبيه لهذا الاقتضاء، دون الدلالة على الكراهة، وهذا المقتضي يحتاج إلى عدم المانع لتأثير أثره، فإذا قصد الأنس تمّت أجزاء العلّة أثر المقتضي أثره.
وبهذا نفهم ما ورد في الرواية " عن علي (ع) أنه قال: قال لنا رسول الله (ص): أي شيء خير للمرأة؟ فلم يجبه أحد منا، فذكرت ذلك لفاطمة (ع) فقالت: ما من شيء خير للمرأة من أن لا ترى رجلا ولا يراها، فذكرت ذلك لرسول الله (ص) فقال: صدقت، إنها بضعة مني ". [3]
هذا يعنى انه تنبيه على أن رؤية الجنس الآخر مقتض للانجذاب إليه، ولا بد للمكلف أن يلتفت إلى ذلك فيعمل على إيجاد المانع. من هنا لا تدل الرواية على حكم شرعي من كراهة أو حرمة. بل تدل على الفات النظر إلى ما يقتضيه طبع البشر من الميل الإعجاب والأنس والإثارة.
وهذا من قبيل: ﴿ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً [4] فإن فيه مقتض الجنة وليس علّة تامة لها، فلا ترسلوا عليها نارا تحرقها. [5]
النتيجة: ان نفس السماع لا حرمة فيه ولا كراهة، والسلام كذلك بل هناك استحباب في السلام إلا ان ينضم إليه مانع من انجذاب النفس مما يؤدي إلى بعض المحرمات.
من مستثنيات جواز النظر:
يقول الشيخ الانصاري (ره) في كتاب النكاح شرحا على كتاب إرشاد الأذهان:[ ولا يجوز النظر إلى الأجنبية إلا للحاجة ] [6]، يقول الشيخ الانصاري: [ ثم إن المراد بالحاجة - التي استثناها المصنف قدس سره. من تحريم النظر إلى الأجنبية - هي الحاجة المضطر إليها دون مطلق الحاجة، وإلا فالنظر غالبا لا يكون إلا لحاجة، مع أن مطلق الحاجة لا دليل على تسويغها للنظر المحرم، وإنما المسوغ هي الضرورة بحكم العقل والنقل، وللضرورة موارد:
موارد ضرورة النظر إلى الأجنبية.
منها: المرض، فيجوز (للطبيب أن ينظر إلى عورة الأجنبية) فضلا عن سائر مواضع جسدها، للعمومات الدالة على إباحة الضرورات للمحظورات، وخصوص صحيحة الثمالي، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: ( سألته عن المرأة المسلمة يصيبها البلاء في جسدها - إما كسر وإما جراح - في مكان لا يصلح النظر إليه، ويكون الرجل أرفق بعلاجه من النساء، أيصلح له أن ينظرها؟ قال: إذا اضطرت إليه فليعالجها إن شاءت ).
ولا يخفى أن في هذه الصحيحة دلالة - من حيث التقرير - على جواز النظر إلى المرأة في الجملة، وليس إلا الوجه والكفين، للاجماع على المنع في غيرها.
ومنها: أداء الشهادة على المرأة، وتحمل الشهادة عليها.
ومنها: إذا توقف إنقاذها من مهلكة أو مضرة على النظر.
وقد استثني من الكلية أيضا مواضع أخر غير الضرورة:
منها: ما تقدم من جواز النظر إلى من يراد تزويجها أو شراؤها.
ومنها: النظر إلى فرج الزانيين، ليشهد عليهما بالزنى عند الحاكم، جوزه المصنف في القواعد - على ما حكي عنه - ولا يخلو عن إشكال، لأن وجوب الشهادة مشروط بالمشاهدة، ولا دليل على الإذن في تحصيلها اختيارا. نعم، لو حصلت اضطرارا وجبت الشهادة .[7]
ومنها:ما لو دعت الحاجة إلى شهادة الرجال بالولادة، فقد جوز النظر حينئذ إلى فرج المرأة لتشهد بالولادة].[8] [9]
وبعبارة جامعة: هذه الضرورات تشمل اثبات الحقوق والإنقاذ من مرض أو مهلكة.


[5] وهذه الملاحظة قد تنفعنا كثيرا في مسألة سنبحثها في الأصول في بيان الفرق بين قاعدة الاستصحاب وقاعدة اليقين وقاعدة المقتضي والمانع. إذا ثبت المقتضي وشككنا في وجود مانع، فهل يفعل المقتضي أثره؟.
[6] هل الحاجة هنا هي الضرورة أم الحاجة العرفية العادية؟ من قبيل منع الحمل، فهل يجوز للطبيب او الطبيبة ان تنظر لعورة المرأة حتى تضع الموانع.(كاللولب).
[7] كما إذا كان هناك ثلاثة شهود ولم يتم عددهم بالرابع، فانهم يحدون حد القذف، هنا يجب عليه ان يشهد بالزنى.
[9] وبعبارة أخرى: لا يجب على المكلف ان يجعل نفسه موضوعا للشهادة، فان يتعمّد الرؤية. نعم لو كان موضوعا لها من دون قصد وجب تحمّل الشهادة خصوصا إذا كان في عدمه ذهاب حق أو مهلكة أو مضرة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo