< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

36/03/16

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: محرمات النكاح.
في أجواء ولادة الرسول الكريم محمد بن عبد الله (ص) وحفيده الإمام جعفر الصادق (ع) نبارك لكم هذا اليوم وكل عام وانتم بخير.
قبل الانتقال إلى بحث طفل الانبوب في اثبات النسب، نعود إلى الكلام في معنى كلمة " لُغيّة " لان من استدل على اسقاط النسب كان أحد أدلته رواية أن ولد الزنى لُغيّة لا يورث، وكما ذكرنا أمس كلمة " لُغيّة " توطئة لعدم الارث. ففي كتب اللغة جاءت كلمة لغية من اللغو في الكلام عن الراغب الاصفهاني: لغا: اللَّغْوُ من الكلام ما لا يعتدّ به، وهو الذي يورد لا عن رويّة وفكر، فيجري مجرى اللَّغَا، وهو صوت العصافير ونحوها من الطَّيور.
وقد يسمّى كلّ كلام قبيح لغوا . قال: * لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً ولا كِذَّاباً *، النبأ / 35، وقال: * وإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْه *، القصص / 55، * لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً ولا تَأْثِيماً *، الواقعة / 25، إلى آخره ...[1]
مجمع البحرين: واللغو أيضا المسقط الملغى، تقول: لغيت الشيء أي طرحته وأسقطته. قوله تعالى: والذين هم عن اللغو معرضون [ 23 / 3 ] يعني عن كل لعب ومعصية. قوله تعالى: وألغوا فيه [ 41 / 26 ] من اللغو وهو الهجر في الكلام الذي لا نفع فيه. [2]
فإذن المستفاد من اللغو ليس الغاء الشيء كليا، فيصبح الكلام على قسمين: كلام جدي عن رويه وفكر معتمد، وكلام غير معتمد لغوي أو قبيح. بعبارة اخرى: ان الكلام اللغوي غير المعتمد والقبيح لم يخرج عن كونه كلاما ولكن ليس عن روية وفكر. هنا يمكن القول كذلك بان الولد ليس لغية إذا كان عن نكاح صحيح، فيصبح الولد على قسمين: قسم معتمد عن نكاح صحيح، وقسم غير معتمد، وكما ان اللغو لم يخرج الكلام عن كلاميته كذلك الزنى لم يخرج الولد عن ولديته لكنه غير معتمد وقبيح، من هنا استعمال كلمة " لُغية " يصح أن يكون تمهيدا لـ " لا يورث " كما ذكرنا أمس في الفائدة التربوية من كلام الائمة (ع) حتى لا تكون صدمة للسامع خصوصا في الأمور التي تكون على خلاف ما اعتاد عليه الناس.
وفي مجمع البحرين: قال بعض الأفاضل: يحتمل أن يكون بضم اللام وإسكان الغين المعجمة وفتح الياء المثناة من تحت، أي ملغى، والظاهر المراد به المخلوق من الزنا، ويحتمل أن يكون بالعين المهملة المفتوحة أو الساكنة والنون، أي من دأبه أن يلعن الناس أو يلعنوه.[3]
نقول: نعم يمكن ان يكون تصحيفا، لكن التصحيف يحتاج إلى دليل، وكما يقول ابن سينا "كل ما طرق سمعك فاجعله في بقعة الامكان حتى يردك فيه واضع البيان".
وملخص ما ذكرنا في مسالة اثبات النسب: ان الولد العرفي هو ولد شرعي فتثبت له كل الاحكام عدا ما خرج بدليل، خرج الإرث وضمان العاقلة، والباقي يبقى تحت الدليل، مثلا: البنت من الزنى لا يجوز نكاحها من قبل الاب ويجوز ان تسفر امامه، ويجب عليها بره، ويجب عليه نفقتها.[4]
يبقى شيء: على قول من قال بأسقاط النسب هل يحق له ان يتزوج من بنت الزنى؟ في البداية هي اجنبية عنه واسقطنا النسب. [5]
يقول السيد محمد صادق الروحاني في فقه الصادق (ع): وعن المسالك: أنه يظهر من جماعة من علمائنا - منهم العلامة في التذكرة وولده في الشرح وغيرهما - أن التحريم اجماعي، وفي الجواهر : بل الظاهر اتفاق المسلمين كافة على تحريم الولد على أمه، وفي المستند: اجماعا محكيا حكاه الشيخ في الخلاف والفاضل في التذكرة والمحقق الثاني في شرح القواعد والهندي فيه أيضا.
وقد استدل له بوجوه:
1 - إن التحريم ذاتي لا مدخلية للنسب الشرعي فيه والعقل مستقل به، وفي الخبر الوارد في بدو النسل من ذرية آدم عن الإمام الصادق (عليه السلام) التصريح بذلك. وبالملازمة بين حكم العقل والشرع يستكشف الحرمة الشرعية.
2 - إن الإنسان لا ينكح بعضه بعضا، كما في بعض النصوص النافية لخلق حواء من آدم.
3 - إن مدار تحريم النسبيات السبع على اللغة ويصدق النسبة عرفا ولغة والأصل عدم النقل.
4 - إن ولد الزنا كافر ولا يحل على المسلم نكاح الكافر، لاشتراط الكفاءة كما سيجيء.[6]
5 - إن الأصل في هذا الباب هو الاحتياط، فالشك في الجواز مع عدم دليل عليه يكفي في الحكم بالحرمة.[7]
6 - قيام الاجماع عليه.[8]
هذه الادلة التي يمكن الاستدلال بها عند من قال بإسقاط الولدية اعتبارا عن ابن الزنا أو بنت الزنى، حتى هؤلاء لا يقولون بجواز نكاح ولد الزنى.
ملخص الكلام في عالم الثبوت ان النسب يثبت بعد التلقيح والاجتماع التكويني لنطفتين يحتاج: إما لنكاح صحيح، أو وطء شبهة، أو اجتماع نطفتين. وبالنسبة للزنى هو ولد، وما كان ولدا عرفا فهو ولد شرعا فيثبت احكام الولدية إلا ما خرج بدليل وهو الإرث وضمان العاقلة مقدار الدية، وحتي من قال بان ليس ولدا وانه ساقط اعتبارا فقد ذهبوا اجماعا إلى عدم جواز نكاح الاب لابنته أو الأم لابنها. نعم يمكن ان يرد الشك في الاحكام المشكوكة كالنفقة والبر.


[4] سؤال احد الطلبة: ولد الولد من الزنى هل نسبه صحيح؟ الجواب: نعم كل احكام الولدية تشمله ولا علاقة له بالأب. فالقاعدة انه إذا شككنا في شيء الاصل بقاء الاحكام.
[5] وذكرنا سابقا أن هناك قاضيا شرعيا من العامة زوج رجلا إلى ابنته وكانت من زنا، ذلك انه اسقط النسب كليا بينهما.
[6] اما في الوجه الرابع نعم ذكر في الروايات ان " تارك الصلاة كافر " وغيرها، هذا من باب التشديد، والتغليظ، هناك لحن في الخطاب انه بمنزلة الكافر لأجل ترك الصلاة. وهنا من هذا القبيل، فهو تشديد على قبح الزنى وضرورة تركه
[7] فالاحتياط هنا لأصالة الاحتياط في الفروج. وذكرنا سابقا انه ليس هناك وجوب الاحتياط في الفروج بل براينا هناك احتياط استحبابي مؤكد. وثانيا: انما يأتي الاحتياط مع عدم وجود الادلة اللفظية، ومع وجود العلميات لا نصل لهذه المرحلة.
[8] فقه الصادق (ع)، السيد محمد صادق الروحاني، ج21، ص219. اما الإجماع فقد سبق منا نقاشه، في أصل دليلته، وفي تحققه.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo