< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

36/03/27

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: محرمات النكاح.
السبب الرابع في ثبوت النسب: هل طفل الأنبوب يثبت نسبا أو لا؟ وما هو نسبه أما أو أبا؟
هذه المسألة حديثة ومن الفروق الرئيسية بين المسائل القديمة والحديثة في مجال استنباط الحكام، انه لا معنى للإستدلال على شيء منها بالإجماع، لأنه إذا قلنا بان الاجماع حجّة أو الشهرة حجّة، فهو اجماع لقريبين من عصر المعصوم، أما البعيدين عن عصر المعصوم فلا وجه لكشف الاجماع عن رأيه (ع)، إلا على نحو قاعدة اللطف التي قال بها الشيخ الطوسي (ره) وفسّرها أنه من لطف الله عز وجل على العباد انه لا بد من أن يكون للحكم الواقعي وجود ولو في ضمن بعض آراء الفقهاء فلا يجوز ان يكون الحكم الواقعي قد انتفى عن وجه الارض كليا، لا بد للإمام (ع) أن يتدخل ولو برأي فقيه حتى يخترق الاجماع. فمن لطف الله عز وجل انه حمّل الفقيه هذه المسؤولية، فهذا يؤدي إلى أن الاجماع حجّة ولو بعد مدّة، فيكون اجماع اهل عصر واحد على رأي واحد، سواء كان قريبا من عصر المعصوم أم كان بعيدا عنه.
أما على الأقوال الأخرى في حجيّة الإجماع حتى يحدث كشفا عن رأي المعصوم حدسا أو عقلا أو عادة، فلا بد أن يكون قريبا من عصر المعصوم.
قبل بحث ثبوت النسب ومن هي الأم، وحليّة وحرمة هذا العمل لا بد من شرح موضوع طفل الأنبوب.
شرح الموضوع: نعلم من المكتشفات الحديثة أن الانسان ينشأ من نطفتين كما في القرآن الكريم اشارة على ذلك: " إن خلقنا الانسان من نطفة أمشاج نبتليه " " أمشاج " خليط من امرين، من نطفة من أنثى ونطفة من ذكر، أي خلية وراثية من أنثى بويضة وخلية وراثية من ذكر حيمن. وتمتاز الخلية الوراثية بان فيها نصف عدد الكروموزمات أو ما سميّ بالصبيغيات، الخليّة العاديّة تحتوي على 46 كروموزوم، 23 من الرجل و23 من بويضة [1] المرأة، يندمجان في قناة في رحم المرأة ويكون جدار الرحم قد يكون أصبح مهيئا لاستقبال هذه النطفة، فتنغرز النطفة بجدار الرحم حتى تبدأ عملية التكاثر حتى نمو الجنين إلى الولادة. فإذا لم يتم التغريز ينهار كل ما أنشأه الرحم من أوعية دموية وغذائية من جداره من اجل استقبال النطفة وتبدأ العادة الشهرية للمرأة، وهي هذه الدماء الموجودة في جدار الرحم التي كوّنت لاستقبال النطفة الملّقحة.
‌ إذن المستقبل والمزروع في جدار الرحم هو للنطفة الملّقحة وليس للحيوان المنوي، فلهذه النقط الاثر الكبير في استنباط بعض الاحكام.
وهناك بعض الحالات للحمل، الحيوان المنوي للرجل سريع الموت وحتى يصل إلى قناة التلقيح يحتاج إلى ساعات أحيانا، فصنعوا انبوب خارجي يأخذون الحيوان المنوي من الرجل والبويضات من المرأة، فتلقح بويضة أو اثنتان أو مجموعة، وتأخذ وتزرع مباشرة في رحم المرأة.
هل هذه العمليّة اولا: حلال أم حرام؟ ولن نتطرق لهذا البحث إلا ملخصا لأنه خارج البحث هنا وسنتطرق اليه بالتفصيل في المكاسب المحرّمة.
ثانيا: من هو الاب؟
ثالثا: من هي الأم؟
ولا شك في ثبوت النسب بذلك بعدما بيّنا عدم اشتراط المباشرة في العمليّة الجنسية، ولا شك أن الأب هو صاحب الماء (الحيوان المنوي) وذلك بما بيّنا من أدلة: الروايات، الاصل اللفظي أي انطباق عنوان الولدية عليه.
أما المسألة الاولى: اصل حلية هذه العمليّة، هل هذه العملية حلال أو لا؟
نتكلم عن هذه العملية بعنوانها الاولي بما هي بغض النظر عن استلزام النظر من الطبيب إلى عورة المرأة او اللمس أو العكس اللوازم الأخرى، أي بعنوانها الثانوي. الأب هو صاحب النطفة في كل الحالات، والأم من هي؟
في أصل حليّة هذه المسألة نحتاج إلى الدليل على الحرمة ولا نحتاج إلى الدليل على الحليّة، فآلية الاستنباط مهمّة في استنباط الحكم، كما ذكرنا في بحث تملّك الجهة انه يجب أن نبحث عن اسقاط للملكية وليس عن اثبات للملكية. وهنا الاصل ان كل شيء لك حلال فنبحث عن دليل عن الحرمة.
فدليل الحرمة الذي ذكروه امران: الاول: ما ذكره بعض الاعاظم كالسيد الكلبيكاني (ره) وسمعته شخصيا منه ولم أره في كتاب: سألته ماذا تقول في مسألة طفل الانبوب؟ قال: حرام. سألته عن دليل التحريم؟ فقال: الذوق الفقهي.
واما الدليل الثاني: ما ذكر في وجوب الاحتياط في الدماء والفروج، وذكرنا سابقا وسنتعرض تفصيلا ان وجوب الاحتياط في الفروج اولا: لم يثبت عندنا، نعم قد ثبت الاحتياط الاستحبابي المؤكد، وما امكن الاستدلال به هي رواية " ومنه يكون الولد، نحن نحتاط ".
الدليل الثالث: ما ورد من الروايات: حدثنا محمد بن الحسن رضي الله عنه قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن القاسم بن محمد، عن سليمان بن داود قال: سمعت غير واحد من أصحابنا يروي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: قال النبي صلى الله عليه وآله: لن يعمل ابن آدم عملا أعظم عند الله تبارك وتعالى من رجل قتل نبيا أو إماما، أو هدم الكعبة التي جعلها الله عز وجل قبلة لعباده أو أفرغ ماءه في امرأة حراما. [2]
من ناحية السند: الرواية ضعيفة السند مرسلة، إلا ان نقول ان مرسلات الصدوق (ره) كان قد تبناها، لان الصدوق كما ذكرنا في مسألة رجالية، تارة يقول: " وروي عن رسول الله (ص) " وتارة يقول: " قال النبي (ص) " هل يستشعر من " قال النبي (ص) " انه يتبناها، وهل هناك اختلاف في التعبير بين " روي عن النبي " أو " قال النبي ". في روايتنا قال: " قال النبي (ص) " وهذا يؤدي إلى قوة في الرواية وان كانت ضعيفة السند بالارسال؟.
اما من ناحية الدلالة: هناك عبارة " أو أفرغ ماءه في امرأة حراما "، هناك نقطتان: اولا: ذكرنا ان الذي زرع في الاجنبيّة أو في رحم زوجته هو نطفة ملقّحة وليس ماءه، أي لم يفرغ منيّه في رحم الاجنبيّة. وقد يقال ما الفرق بين الزرع والافراغ، والنتيجة واحدة بدخول المني إلى رحم حرام؟
نقول في الجواب: أن نطفة المرأة قطرها يساوي 0،2ملم، أما مني الرجل يساوي واحد او اثنان على الف من ملم، أي قطر البويضة يساوي حوالي مئاتي الف مرّة الحيوان المنوي، وعند دخول الحيوان المنوي ينحل مع النواة في البويضة فيحصل الاتحاد في الجينات والكروموزمات، وتبدأ بعدها الانقسامات، فلم يعد يصدق عليه عنوان الحيوان المنوي فهناك استحالة.
لذلك كما قلنا: " ان الاحكام تابعة لعناوينها "، وفي الرواية يقول انه افرغ ماءه، وهذا لم يعد ماء للرجل حين الزرع، بل أخذنا نطفة ملقّحة وزرعناها في رحم المرأة.
فإذن الرواية سندا، السند ضعيف. ثانيا: دلالة هذا لا يصدق عليه عنوان مني وماء الرجل. ثالثا: ذكرنا في النحو " ان حراما " ما هو إعرابها؟ إما ان يكون: حال أي في حال حرمة المرأة، أو تمييز، أي نسبة الافراغ إلى الماء، أو نعت لامرأة، أو مفعول مطلق، أي تفريغا حراما.
ملخصا نقول: لو كان نعتا لكان " امرأةٍ " بالكسر لان النعت يتبع المنعوت. ولو كان حالا يجب ان يكون في صاحب الحال معرفة أو بحكم المعرفة أو أن يكون الحال مقدّما. وهنا الحال غير مقدما، وثانيا: صاحب الحال نكرة وليس بحكم المعرفة. فيدور الامر بين ان يكون تمييزا أو نائب مفعول مطلق أي " تفريغا حراما " . والتمييز إما أن يكون تمييز نسبة أو تمييز مفرد، كما لو قلت: " ثلاث وثلاثين رجلا "، " اما إذا قلت " امتلأ الاناء ماءً " تمييز نسبة، فعندما نقول " افرغ في امرأة حراما " يعني أن نفس التفريغ حرام، ونحن كلامنا في أصل الحرمة، فيكون هذا مصادرة على المطلوب، لأنه ليس هناك من يقول بان هذا التفريغ حرام، إذا ثبت أنه حرام وصار كمن هدم الكعبة.
فإذا كان على التمييز فهذه الرواية لا تدل اصلا على التحريم حتى ولو سلمنا بالسند، ولو سلمنا ايضا بشمول الماء للنطفة الملقّحة، لأنها مصادرة على المطلوب.
غدا إن شاء الله نكول مسألة النسب، ومن هو الأب، ومن هي الأم؟.


[1] استطراد:. سنستخدم كلمة " بويضة " وإن كان في القواعد " بييضة " وذلك لتصغير كلمة " بيضة " من باض يبيض، الالف تنقلب ياءً ولا تنقلب واواً، وانقلابها إلى واو عند التصغير خلاف القواعد. سنتبع المتداول في بحثنا لأمرين: اولا: لأنه الاقرب إلى ذهن الناس. والثاني: ان اللغة انما اصبحت لغة واعتمدت لبيان المراد بين الناس، وكلما زاد البيان كانت اللغة افضل، ولذلك كانت اللغة العربية افضل اللغات في الدنيا لسعتها، فمثلا هي تشمل المذكر والمؤنث، والمثنى والمفرد والجمع، أما في اللغات الاخرى كالفرنسية، والفارسية، والانكليزية اللفظ الواحد يستعمل للمخاطبين والمخاطبات ككلمة " VOUS" و " you " و " تو " و" شما "

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo